رحلة ملكية تعود بالزمن 200 عام

بريطانيا تستعد للاحتفال بذكرى ميلاد الملكة فيكتوريا «جدة القارة الأوروبية»

الكوخ الربيعي (الشرق الأوسط)
الكوخ الربيعي (الشرق الأوسط)
TT

رحلة ملكية تعود بالزمن 200 عام

الكوخ الربيعي (الشرق الأوسط)
الكوخ الربيعي (الشرق الأوسط)

رحلة ملكية، تأتيك من القرن التاسع عشر، برواياتها عن زمن ملوك وأمراء بريطانيا العظمى، تجذب اهتمامك، وتتمنّى لو تعود بك السنوات لساعات قليلة إلى الوراء، لتتعرّف على حياة شخصيات حفر التاريخ أسماءها في ذاكرته، وبقيت قصورها ومقتنياتها شاهداً حيّاً، حتى يومنا هذا.
الفرصة متاحة لكل عاشق للتاريخ لخوض هذه التجربة الملكية. وها هي بريطانيا تتحضّر اليوم، لاحتفالات الذكرى المئوية الثانية على ميلاد ملكتها ألكسندرا فيكتوريا، في 24 مايو (أيار) المقبل. مدن وفنادق عدّة تعرض على زوّارها عيش تجربة ترجع بهم 200 عام مضت.
من قلب لندن وقصورها تبدأ رحلة تلك الملكة التي تركت خلال سنوات حكمها الـ66، أثراً لا يمحوه الزّمن. وفي عصرها الذي أطلق عليه «العصر الفيكتوري»، شهدت البلاد ثورة صناعية وسياسية وعلمية وثقافية، وأهم ما يميّزه اتساع رقعة الإمبراطورية البريطانية. وقد لُقّبت الملكة بـ«جدة القارة الأوروبية»، فأبناؤها التسعة الذين أنجبتهم من زوجها الأمير ألبرت تزوّجوا من عائلات ملكية من جميع أنحاء أوروبا.
بدعوة من «فيزيت بريتن» كان لـ«الشرق الأوسط» فرصة الاطّلاع على التحضيرات التي تُعدّها هيئة القصور البريطانية، للاحتفاء بالمناسبة، فمرّت بأماكن أحبّتها الملكة وتركت آثارها بها، منذ ولادتها وحتى مماتها.

قصر كينسينغتون
تحت سقف هذا القصر ولدت الملكة فيكتوريا، وأمضت سنوات طفولتها الأولى. ينظّم القيّمون عليه، معرضاً مؤقتاً عن تلك الفترة، ليتمكن الزّوار من التعرف على نمط الحياة اليوميّة للملكة. وسيكون القصر متاحاً لهم، وستُفتح الغرف والمعرض في 24 مايو المقبل.
فيه، عاشت فيكتوريا حتّى ريعان شبابها تحت رعاية والدتها دوقة كينت. ووفق أبحاث القيّمين عليه، سيُعاد تخيّل الغرف، لتحمل زوّارها إلى تلك الفترة التي عاشتها الأميرة الصغيرة بين جدران القصر وفي حدائقه الغنّاء، لاكتشاف الجو العائلي الحميم الذي كان متوفّرا لها في طفولتها، وأسلوب حياتها العائلية وصداقاتها المقربة وطرق تعليمها، وصراعاتها المريرة، للتّعرف على كيفية تحوّل هذه الأميرة الصغيرة الحالمة إلى ملكة قوية ذاع اسمها في جميع أنحاء العالم. سيرى الزّوار فيه كتباً تعود لسنواتها الأولى. وفي معرض بيغوت المؤقت في القصر تحت عنوان: «فيكتوريا: المرأة خلف التاج، ستُكتشف شخصية فيكتوريا المرأة بعيداً عن اللقب». من هنا سيتابع الزائر رحلة الأميرة إلى التاج، وسيختبر كيف استطاعت التوفيق بين دورها كزوجة وأم ودورها كملكة لإمبراطورية متوسعة، وسيعيد النظر في مراحل حياتها الأخرى وإرثها الثقافي.
وسيتعرّف للمرّة الأولى على بعض من ملابسها التي ما زالت موجودة ليومنا هذا، من خزانتها الخاصة بالقصر، منها معطف قطني يعود إلى عام 1840، وحذاء طويل الرقبة فضي.
يقع القصر في حدائق كنسينغتون بالعاصمة لندن، وهي واحدة من الحدائق الملكية في العاصمة. تُشكّل المساحات الخضراء المفتوحة فيها وفي هايد بارك وغرين بارك وسانت جيمس بارك معاً، «الرئة الخضراء» في قلب لندن.
لزيارته أنت في حاجة إلى شراء تذكرة الدّخول، والإنترنت هو أفضل وسيلة للحصول عليها. ستتمكن من التجول داخل الغرف، وأماكن العرض وجميع المناطق العامة في القصر والحدائق. من المهم تحديد تاريخ الزيارة لدى شراء التذكرة.
يمكنك البقاء ما شئت، حتى وقت الإغلاق، كما يمكنك تناول الطّعام في المقهى الصغير في الطّابق الأرضي، أو في المطعم المطل على حدائقه. ومن المهم جداً انتعال حذاء مريح.
يفتح القصر أبوابه أمام الزّوار من السّاعة العاشرة صباحاً ولغاية السادسة مساءً طيلة أيام الأسبوع.

قصر باكنغهام
على عكس ما يعتقد كثيرون، لم يكن قصر باكنغهام المسكن الأول والدّائم للملكة فيكتوريا، فقد قرّرت الانتقال إليه من قصر كينسينغتون، بعد ثلاثة أسابيع على تسلّمها العرش. وقتها كان منزلاً كبيراً ولم يكن بناؤه قد اكتمل بعد.
رحلة في قاعات القصر الذي يعدّ أحد أعرق القصور عالمياً، ستُعرّفك على نموذج من فن العمارة القوطية، بأسقفها المنقوشة بالرّسومات وجدرانها المزيّنة باللوحات النادرة، وأثاثها الفخم القديم. فيه تُنظّم الحفلات وجميع الأحداث المتعلّقة بالعائلة المالكة.
يتألف القصر من خمسة طوابق، تحتوي على 775 غرفة. في كل زاوية من زواياه سيرى الزّائر كثيراً من التحف الفنية الأثرية. وفي أيام حكم الملكة فيكتوريا، لم يكن القصر للسكن والأعمال الدّولية والملكية فقط، بل استضاف فيه الزوجان الملكيان ثلاث حفلات تنكريّة رائعة.
يفتح القصر أبوابه للزّوار من 20 يوليو (تموز) ولغاية 29 سبتمبر (أيلول). ولا بدّ من حجز تذكرة للزيارة عبر الإنترنت.

كليفيدين هاوس
رأى القيّمون على التحضيرات في كليفدين هاوس، أنّه ليس من فكرة أكثر ملاءمة لتجربة احتساء شاي ما بعد الظهيرة، الذي يتضمّن على بعض مما كانت تحب تناوله الملكة فيكتوريا. وللراغب في ذلك، سيكون على موعد لزيارة «سبرينغ كوتيج» الكوخ الربيعي، الذي يقبع في أحضان الطبيعة على ضفة نهر التايمز، حيث تحيط به الأشجار والحدائق من جهات ثلاث وتُطلّ الرّابعة على النهر.
كيف تصل إلى الكوخ الربيعي؟
قريب جداً من بلدة وندسور التي شهدت زواج الأمير هاري وميغان في مايو من العام الماضي. كانت الملكة فيكتوريا لدى زيارتها للقصر تختار في مناسبات عدّة الوصول إلى الكوخ الخشبي بالقارب.
في هذا المخبأ الفاخر لكليفيدين، كانت الملكة فيكتوريا تتناول شاي ما بعد الظهيرة مع دوقة ساذرلاند أو مع صديقها الحميم جون براون.
ولمن يرغب في عيش هذه اللحظات الملكية، عليه أن يختار بين تجربتين مميزتين معروضتين أمامه للمناسبة، الأولى تمكّنه من تناول شاي ما بعد الظهيرة، وما يرافقه من كعكة فيكتوريا الإسفنجية الشهيرة التي سميت خصيصاً باسمها، وأنواع مختلفة من شطائر مقطّعة على شكل الأصابع، والموالح، مصحوبة بشاي كليفيدين الفواح بعطره المميّز. أمّا الفرصة الثانية فتدعوه لاسترجاع خطى ملكية مع زيارة الكوخ، والأبحار في رحلة بنهر التايمز تستغرق 45 دقيقة.
يسع الكوخ لستة ضيوف، وتبلغ مساحته 2250 متراً مربعاً، ويتألف من غرفتي نوم مزدوجتين وحمام داخلي واحد، وغرفة للأطفال مع سريرين مفردين، وحمام رئيسي كبير، وقاعتي جلوس، ومكتب صغير، ومطبخ ريفي وغرفة للطّعام، وحديقة خلفية، وبحيرة صغيرة، ورصيف خاص بالقارب على النّهر.
لمن يرغب في عيش التجربة، ليس عليه سوى أن يستقل القطار من محطة بادنغتون لقطارات الأنفاق في لندن. وخلال ساعة واحدة سيصل إلى بلدة وندسور، ولعيش الإحساس الملكي لا بدّ على الزّائر أن يستخدم القارب للوصول إلى الكوخ الرّبيعي.
يفتح الكوخ أبوابه للمناسبة يومين فقط، من 24 مايو إلى 26 منه.
ولمن يرغب في حجزه ليوم أو يومين ومحاكاة تجربة كاملة لملكة من التاريخ مرّت يوماً بغرفه، بل كان مخبؤها السّري على ضفة النهر، تهرب إليه مع أصدقاء مقربين إليها، فهو متاح من 20 مايو إلى 30 سبتمبر من العام الحالي.

«آيل أوف وايت»
تستعد «آيل أوف وايت» والقائمون على «منزل أوزبورن» المرتبط على نحو وثيق بالتراث الإنجليزي، للاحتفال أيضاً بالمناسبة. فقد بنى الزّوجان الملكيان المنزل على الجزيرة. ولطالما كان مكانهما المفضّل، وفيه كانا يقضيان إجازاتهما مع أولادهما التسعة. وقد شهد المنزل عقد كثير من الاحتفالات العائلية، تضمنت في الغالب مناظرات شعرية.
يشكّل المنزل الذي صممه زوج الملكة الأمير ألبرت على طراز عصر النهضة الإيطالي، تحفة فنّية ومكاناً هادئاً وصفه مايكل هنتر، أمين المتحف خلال جولة «الشرق الأوسط»، بـ«الجنة» للملكة وعائلتها، وبأنّك، سترى «قطعة من فينيسيا تختبئ في الرّيف البريطاني».
ويتابع هنتر قصته عن المنزل، قائلاً: إنّ «الأمير ألبرت وقع بغرام المكان»، فقرّر وزوجته الملكة شراء الأرض لبناء منزل أحلامهما. زيارة هذا المكان تحديداً، تعتبر زيارة لبقعة أرض عشقها الزوجان. يتزاوج في المكان هواء الرّيف العليل ونسمات البحر؛ إذ تلامس حدائقه في أسفلها مياه خليج أوزبورن الخاص بالعائلة المالكة، حيث كانوا يستمتعون بالسّباحة.
أثناء التجول في غرف المنزل، ستلاحظ مدى قرب غرفة نوم الملكة من غرف نوم أبنائها، ما يدلّ على تعلّقها واهتمامها بهم. وفي هذا المنزل وعلى سريرها توفيت الملكة في 22 يناير (كانون الثاني) 1901، ومن الغرف المميزة أيضاً، غرفة دوربار في الطّابق الأرضي، حيث سينتقل الزّائر إلى أرض الهند في ثوانٍ، فهي عبارة عن مجسّم صغير بنته الملكة لأرض أحلامها التي لم تزرها يوماً، وهنا يظهر اهتمامها الكبير بالهند وبشعبها. وفي ممراته صور للكثير من العاملين الهنود لديها، وتماثيل وصور لأصدقائها المقربين ومنهم محمد عبد الكريم، الذي وصفته بـ«الصديق الحقيقي».
سيذهب الزّائر في «أوزبورن هاوس» برحلة إلى ماضٍ ملكي لملكة أسطورية، وهو يتجوّل في ثنايا منزلها، فكلّ ما يحلم به إنسان موجود على هذه المساحة من الأرض. منزل ضخم، محاط بحدائق كبيرة تعلوها أشجار الصنوبر وتنتشر فيها أشجار الأرز التي أمر الأمير إحضارها من جبال لبنان موطنها الأصلي.
وفي 24 مايو، سيعرض المنزل الهدايا الخاصة بـ«المجموعة الملكية»، وهدايا عيد الميلاد. كما سيُسلّط القيّمون على الاحتفالات الضوء على أجزاء من كتابات الملكة اليومية، وهي متاحة حالياً عبر الإنترنت.
في حديقة المنزل يوجد الكوخ السويسري. بُني خصيصاً لأولاد الملكة لخوض تجربة الزرعة فكانوا يذهبون إليه لزرع الخضراوات والفاكهة والزهور.
في الجزيرة، تحديداً في بلدة فينتنور، يختبئ فندق غارق في التاريخ، وله قصة مميّزة مع الملكة فيكتوريا. فهو من أقدم الفنادق في «آيل أوف وايت». بُني عام 1832. كان منزلاً يأتيه سائقو عربات الخيل بانتظار تبديل أحصنتهم، بيد أنّ اسمه تغيّر بعد زيارات الملكة المتكرّرة، ليحمل صبغة ملكية وبات يُعرف بعد أن أصبح تحت رعايتها، باسم «ذا رويال أوتيل». كانت الملكة تذهب إليه لاحتساء شاي ما بعد الظهيرة مع صديقها سير جون هامبر.
جدير ذكره، أنّ فترة حكم فيكتوريا حملت معها عصراً ذهبياً لجزيرة وايت، فجذبت الكتّاب والشعراء والفنانين للعيش فيها. وتظهر اللمسات الفيكتورية جلية في بعض مدنها، مثل مدينة رايد. وقد صُوّر كثير من الأعمال التلفزيونية الدرامية التي تناولت حياة الملكة الرّاحلة على أرض الجزيرة.
وقد أعلنت مدينة إيست كاوز استضافتها عدداً من الفعاليات بين يومي 23 و27 مايو، احتفاءً بميلاد الملكة فيكتوريا.

كيف الوصول إليها من لندن؟
تقع «آيل أوف وايت» في جنوب السواحل البريطانية. وعلى الرّاغب بزيارتها أن يستقّل القطار من محطة يوستن في لندن إلى مدينة سَاوثهامْبتون ومينائها الرئيسي في هامبشاير، ليبحر بالعبارة إلى مدينة كاوز الواقعة في قلب جزيرة وايت. كما هناك جهة أخرى من محطة واترلو إلى مدينة بورتسموث، من ثمّ يستقل الزّائر العبارة إلى الجزيرة عبر ما يعرف باسم مضيق سولنت، وتستغرق عشرين دقيقة.



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.