رحلة ملكية تعود بالزمن 200 عام

بريطانيا تستعد للاحتفال بذكرى ميلاد الملكة فيكتوريا «جدة القارة الأوروبية»

الكوخ الربيعي (الشرق الأوسط)
الكوخ الربيعي (الشرق الأوسط)
TT

رحلة ملكية تعود بالزمن 200 عام

الكوخ الربيعي (الشرق الأوسط)
الكوخ الربيعي (الشرق الأوسط)

رحلة ملكية، تأتيك من القرن التاسع عشر، برواياتها عن زمن ملوك وأمراء بريطانيا العظمى، تجذب اهتمامك، وتتمنّى لو تعود بك السنوات لساعات قليلة إلى الوراء، لتتعرّف على حياة شخصيات حفر التاريخ أسماءها في ذاكرته، وبقيت قصورها ومقتنياتها شاهداً حيّاً، حتى يومنا هذا.
الفرصة متاحة لكل عاشق للتاريخ لخوض هذه التجربة الملكية. وها هي بريطانيا تتحضّر اليوم، لاحتفالات الذكرى المئوية الثانية على ميلاد ملكتها ألكسندرا فيكتوريا، في 24 مايو (أيار) المقبل. مدن وفنادق عدّة تعرض على زوّارها عيش تجربة ترجع بهم 200 عام مضت.
من قلب لندن وقصورها تبدأ رحلة تلك الملكة التي تركت خلال سنوات حكمها الـ66، أثراً لا يمحوه الزّمن. وفي عصرها الذي أطلق عليه «العصر الفيكتوري»، شهدت البلاد ثورة صناعية وسياسية وعلمية وثقافية، وأهم ما يميّزه اتساع رقعة الإمبراطورية البريطانية. وقد لُقّبت الملكة بـ«جدة القارة الأوروبية»، فأبناؤها التسعة الذين أنجبتهم من زوجها الأمير ألبرت تزوّجوا من عائلات ملكية من جميع أنحاء أوروبا.
بدعوة من «فيزيت بريتن» كان لـ«الشرق الأوسط» فرصة الاطّلاع على التحضيرات التي تُعدّها هيئة القصور البريطانية، للاحتفاء بالمناسبة، فمرّت بأماكن أحبّتها الملكة وتركت آثارها بها، منذ ولادتها وحتى مماتها.

قصر كينسينغتون
تحت سقف هذا القصر ولدت الملكة فيكتوريا، وأمضت سنوات طفولتها الأولى. ينظّم القيّمون عليه، معرضاً مؤقتاً عن تلك الفترة، ليتمكن الزّوار من التعرف على نمط الحياة اليوميّة للملكة. وسيكون القصر متاحاً لهم، وستُفتح الغرف والمعرض في 24 مايو المقبل.
فيه، عاشت فيكتوريا حتّى ريعان شبابها تحت رعاية والدتها دوقة كينت. ووفق أبحاث القيّمين عليه، سيُعاد تخيّل الغرف، لتحمل زوّارها إلى تلك الفترة التي عاشتها الأميرة الصغيرة بين جدران القصر وفي حدائقه الغنّاء، لاكتشاف الجو العائلي الحميم الذي كان متوفّرا لها في طفولتها، وأسلوب حياتها العائلية وصداقاتها المقربة وطرق تعليمها، وصراعاتها المريرة، للتّعرف على كيفية تحوّل هذه الأميرة الصغيرة الحالمة إلى ملكة قوية ذاع اسمها في جميع أنحاء العالم. سيرى الزّوار فيه كتباً تعود لسنواتها الأولى. وفي معرض بيغوت المؤقت في القصر تحت عنوان: «فيكتوريا: المرأة خلف التاج، ستُكتشف شخصية فيكتوريا المرأة بعيداً عن اللقب». من هنا سيتابع الزائر رحلة الأميرة إلى التاج، وسيختبر كيف استطاعت التوفيق بين دورها كزوجة وأم ودورها كملكة لإمبراطورية متوسعة، وسيعيد النظر في مراحل حياتها الأخرى وإرثها الثقافي.
وسيتعرّف للمرّة الأولى على بعض من ملابسها التي ما زالت موجودة ليومنا هذا، من خزانتها الخاصة بالقصر، منها معطف قطني يعود إلى عام 1840، وحذاء طويل الرقبة فضي.
يقع القصر في حدائق كنسينغتون بالعاصمة لندن، وهي واحدة من الحدائق الملكية في العاصمة. تُشكّل المساحات الخضراء المفتوحة فيها وفي هايد بارك وغرين بارك وسانت جيمس بارك معاً، «الرئة الخضراء» في قلب لندن.
لزيارته أنت في حاجة إلى شراء تذكرة الدّخول، والإنترنت هو أفضل وسيلة للحصول عليها. ستتمكن من التجول داخل الغرف، وأماكن العرض وجميع المناطق العامة في القصر والحدائق. من المهم تحديد تاريخ الزيارة لدى شراء التذكرة.
يمكنك البقاء ما شئت، حتى وقت الإغلاق، كما يمكنك تناول الطّعام في المقهى الصغير في الطّابق الأرضي، أو في المطعم المطل على حدائقه. ومن المهم جداً انتعال حذاء مريح.
يفتح القصر أبوابه أمام الزّوار من السّاعة العاشرة صباحاً ولغاية السادسة مساءً طيلة أيام الأسبوع.

قصر باكنغهام
على عكس ما يعتقد كثيرون، لم يكن قصر باكنغهام المسكن الأول والدّائم للملكة فيكتوريا، فقد قرّرت الانتقال إليه من قصر كينسينغتون، بعد ثلاثة أسابيع على تسلّمها العرش. وقتها كان منزلاً كبيراً ولم يكن بناؤه قد اكتمل بعد.
رحلة في قاعات القصر الذي يعدّ أحد أعرق القصور عالمياً، ستُعرّفك على نموذج من فن العمارة القوطية، بأسقفها المنقوشة بالرّسومات وجدرانها المزيّنة باللوحات النادرة، وأثاثها الفخم القديم. فيه تُنظّم الحفلات وجميع الأحداث المتعلّقة بالعائلة المالكة.
يتألف القصر من خمسة طوابق، تحتوي على 775 غرفة. في كل زاوية من زواياه سيرى الزّائر كثيراً من التحف الفنية الأثرية. وفي أيام حكم الملكة فيكتوريا، لم يكن القصر للسكن والأعمال الدّولية والملكية فقط، بل استضاف فيه الزوجان الملكيان ثلاث حفلات تنكريّة رائعة.
يفتح القصر أبوابه للزّوار من 20 يوليو (تموز) ولغاية 29 سبتمبر (أيلول). ولا بدّ من حجز تذكرة للزيارة عبر الإنترنت.

كليفيدين هاوس
رأى القيّمون على التحضيرات في كليفدين هاوس، أنّه ليس من فكرة أكثر ملاءمة لتجربة احتساء شاي ما بعد الظهيرة، الذي يتضمّن على بعض مما كانت تحب تناوله الملكة فيكتوريا. وللراغب في ذلك، سيكون على موعد لزيارة «سبرينغ كوتيج» الكوخ الربيعي، الذي يقبع في أحضان الطبيعة على ضفة نهر التايمز، حيث تحيط به الأشجار والحدائق من جهات ثلاث وتُطلّ الرّابعة على النهر.
كيف تصل إلى الكوخ الربيعي؟
قريب جداً من بلدة وندسور التي شهدت زواج الأمير هاري وميغان في مايو من العام الماضي. كانت الملكة فيكتوريا لدى زيارتها للقصر تختار في مناسبات عدّة الوصول إلى الكوخ الخشبي بالقارب.
في هذا المخبأ الفاخر لكليفيدين، كانت الملكة فيكتوريا تتناول شاي ما بعد الظهيرة مع دوقة ساذرلاند أو مع صديقها الحميم جون براون.
ولمن يرغب في عيش هذه اللحظات الملكية، عليه أن يختار بين تجربتين مميزتين معروضتين أمامه للمناسبة، الأولى تمكّنه من تناول شاي ما بعد الظهيرة، وما يرافقه من كعكة فيكتوريا الإسفنجية الشهيرة التي سميت خصيصاً باسمها، وأنواع مختلفة من شطائر مقطّعة على شكل الأصابع، والموالح، مصحوبة بشاي كليفيدين الفواح بعطره المميّز. أمّا الفرصة الثانية فتدعوه لاسترجاع خطى ملكية مع زيارة الكوخ، والأبحار في رحلة بنهر التايمز تستغرق 45 دقيقة.
يسع الكوخ لستة ضيوف، وتبلغ مساحته 2250 متراً مربعاً، ويتألف من غرفتي نوم مزدوجتين وحمام داخلي واحد، وغرفة للأطفال مع سريرين مفردين، وحمام رئيسي كبير، وقاعتي جلوس، ومكتب صغير، ومطبخ ريفي وغرفة للطّعام، وحديقة خلفية، وبحيرة صغيرة، ورصيف خاص بالقارب على النّهر.
لمن يرغب في عيش التجربة، ليس عليه سوى أن يستقل القطار من محطة بادنغتون لقطارات الأنفاق في لندن. وخلال ساعة واحدة سيصل إلى بلدة وندسور، ولعيش الإحساس الملكي لا بدّ على الزّائر أن يستخدم القارب للوصول إلى الكوخ الرّبيعي.
يفتح الكوخ أبوابه للمناسبة يومين فقط، من 24 مايو إلى 26 منه.
ولمن يرغب في حجزه ليوم أو يومين ومحاكاة تجربة كاملة لملكة من التاريخ مرّت يوماً بغرفه، بل كان مخبؤها السّري على ضفة النهر، تهرب إليه مع أصدقاء مقربين إليها، فهو متاح من 20 مايو إلى 30 سبتمبر من العام الحالي.

«آيل أوف وايت»
تستعد «آيل أوف وايت» والقائمون على «منزل أوزبورن» المرتبط على نحو وثيق بالتراث الإنجليزي، للاحتفال أيضاً بالمناسبة. فقد بنى الزّوجان الملكيان المنزل على الجزيرة. ولطالما كان مكانهما المفضّل، وفيه كانا يقضيان إجازاتهما مع أولادهما التسعة. وقد شهد المنزل عقد كثير من الاحتفالات العائلية، تضمنت في الغالب مناظرات شعرية.
يشكّل المنزل الذي صممه زوج الملكة الأمير ألبرت على طراز عصر النهضة الإيطالي، تحفة فنّية ومكاناً هادئاً وصفه مايكل هنتر، أمين المتحف خلال جولة «الشرق الأوسط»، بـ«الجنة» للملكة وعائلتها، وبأنّك، سترى «قطعة من فينيسيا تختبئ في الرّيف البريطاني».
ويتابع هنتر قصته عن المنزل، قائلاً: إنّ «الأمير ألبرت وقع بغرام المكان»، فقرّر وزوجته الملكة شراء الأرض لبناء منزل أحلامهما. زيارة هذا المكان تحديداً، تعتبر زيارة لبقعة أرض عشقها الزوجان. يتزاوج في المكان هواء الرّيف العليل ونسمات البحر؛ إذ تلامس حدائقه في أسفلها مياه خليج أوزبورن الخاص بالعائلة المالكة، حيث كانوا يستمتعون بالسّباحة.
أثناء التجول في غرف المنزل، ستلاحظ مدى قرب غرفة نوم الملكة من غرف نوم أبنائها، ما يدلّ على تعلّقها واهتمامها بهم. وفي هذا المنزل وعلى سريرها توفيت الملكة في 22 يناير (كانون الثاني) 1901، ومن الغرف المميزة أيضاً، غرفة دوربار في الطّابق الأرضي، حيث سينتقل الزّائر إلى أرض الهند في ثوانٍ، فهي عبارة عن مجسّم صغير بنته الملكة لأرض أحلامها التي لم تزرها يوماً، وهنا يظهر اهتمامها الكبير بالهند وبشعبها. وفي ممراته صور للكثير من العاملين الهنود لديها، وتماثيل وصور لأصدقائها المقربين ومنهم محمد عبد الكريم، الذي وصفته بـ«الصديق الحقيقي».
سيذهب الزّائر في «أوزبورن هاوس» برحلة إلى ماضٍ ملكي لملكة أسطورية، وهو يتجوّل في ثنايا منزلها، فكلّ ما يحلم به إنسان موجود على هذه المساحة من الأرض. منزل ضخم، محاط بحدائق كبيرة تعلوها أشجار الصنوبر وتنتشر فيها أشجار الأرز التي أمر الأمير إحضارها من جبال لبنان موطنها الأصلي.
وفي 24 مايو، سيعرض المنزل الهدايا الخاصة بـ«المجموعة الملكية»، وهدايا عيد الميلاد. كما سيُسلّط القيّمون على الاحتفالات الضوء على أجزاء من كتابات الملكة اليومية، وهي متاحة حالياً عبر الإنترنت.
في حديقة المنزل يوجد الكوخ السويسري. بُني خصيصاً لأولاد الملكة لخوض تجربة الزرعة فكانوا يذهبون إليه لزرع الخضراوات والفاكهة والزهور.
في الجزيرة، تحديداً في بلدة فينتنور، يختبئ فندق غارق في التاريخ، وله قصة مميّزة مع الملكة فيكتوريا. فهو من أقدم الفنادق في «آيل أوف وايت». بُني عام 1832. كان منزلاً يأتيه سائقو عربات الخيل بانتظار تبديل أحصنتهم، بيد أنّ اسمه تغيّر بعد زيارات الملكة المتكرّرة، ليحمل صبغة ملكية وبات يُعرف بعد أن أصبح تحت رعايتها، باسم «ذا رويال أوتيل». كانت الملكة تذهب إليه لاحتساء شاي ما بعد الظهيرة مع صديقها سير جون هامبر.
جدير ذكره، أنّ فترة حكم فيكتوريا حملت معها عصراً ذهبياً لجزيرة وايت، فجذبت الكتّاب والشعراء والفنانين للعيش فيها. وتظهر اللمسات الفيكتورية جلية في بعض مدنها، مثل مدينة رايد. وقد صُوّر كثير من الأعمال التلفزيونية الدرامية التي تناولت حياة الملكة الرّاحلة على أرض الجزيرة.
وقد أعلنت مدينة إيست كاوز استضافتها عدداً من الفعاليات بين يومي 23 و27 مايو، احتفاءً بميلاد الملكة فيكتوريا.

كيف الوصول إليها من لندن؟
تقع «آيل أوف وايت» في جنوب السواحل البريطانية. وعلى الرّاغب بزيارتها أن يستقّل القطار من محطة يوستن في لندن إلى مدينة سَاوثهامْبتون ومينائها الرئيسي في هامبشاير، ليبحر بالعبارة إلى مدينة كاوز الواقعة في قلب جزيرة وايت. كما هناك جهة أخرى من محطة واترلو إلى مدينة بورتسموث، من ثمّ يستقل الزّائر العبارة إلى الجزيرة عبر ما يعرف باسم مضيق سولنت، وتستغرق عشرين دقيقة.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».