سانتشيز يكسب الرهان الانتخابي ويبحث عن حلفاء لتشكيل الحكومة

اليمين المتطرف يدخل البرلمان للمرة الأولى بعد وفاة فرانكو بـ24 مقعداً

سانتشيز يكسب الرهان الانتخابي ويبحث عن حلفاء لتشكيل الحكومة
TT

سانتشيز يكسب الرهان الانتخابي ويبحث عن حلفاء لتشكيل الحكومة

سانتشيز يكسب الرهان الانتخابي ويبحث عن حلفاء لتشكيل الحكومة

من المقولات الراسخة في السياسة الإسبانية منذ بدايات النظام الديمقراطي، أن «اليمين لا يفوز إلّا عندما يبقى اليسار في المنزل». هذا ما حصل في الانتخابات العامة أول من أمس، عندما استعاد الاشتراكيّون صدارة المشهد السياسي للمرة الأولى منذ تسع سنوات، ومُني الحزب الشعبي المحافظ بهزيمة نكراء وفشل اليمين مجتمعاً في رهانه على تجاوز القوى اليسارية والعودة إلى الحكم.
كثيرة هي العِبَر التي يمكن استخلاصها من نتائج هذه الانتخابات، التي لا شك في أنها ستكون حاضرة عندما يتوجّه الأوروبيّون أواخر الشهر المقبل إلى الموعد الحاسم لتجديد عضويّة البرلمان الأوروبي المهددة بتغيير جذري بعد صعود الأحزاب الشعبويّهّ واليمينية المتطرفة. لكن أهمّها أن نسبة المشاركة في الانتخابات خلال هذه المرحلة التي فقدت فيها الأحزاب الكثير من صدقيتها، وعزف المواطنون عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، هي شرط أساسي لوقف الجنوح نحو الأفكار التي تولّدت منها الكوابيس الأوروبية في القرن الماضي.
75.75 ٪ كانت نسبة المشاركة في الانتخابات التي ذهب إليها الإسبان للمرة الثالثة في أقلّ من أربع سنوات، محطّمة كل الأرقام القياسية السابقة وفاتحة نافذة واسعة على الأمل بالنسبة للخائفين على مسار المشروع الأوروبي الذي تحاصره القوى اليمينية المتطرفة من الداخل.

رفع الاشتراكيون رصيدهم من 85 إلى 123 نائباً في مجلس النوّاب، وحصلوا على أغلبية مقاعد مجلس الشيوخ للمرة الأولى منذ العام 1993، بينما خسر الحزب الشعبي المحافظ أكثر من نصف مقاعده، متراجعاً من 137 إلى 66 مقعداً، على مسافة ضئيلة من حزب «مواطنون» الذي بات قاب قوسين من تصدّر المشهد اليميني الذي برز فيه حزب «فوكس» المتطرف الذي سيجلس نوابه الأربعة والعشرون للمرة الأولى في البرلمان منذ وفاة الجنرال فرانكو.
لم تحمل هذه النتائج مفاجآت كبيرة مقارنة باستطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات، باستثناء انهيار الحزب الشعبي الذي تناوب على الحكم مع الاشتراكيين منذ عودة النظام الديمقراطي أواخر سبعينات القرن الماضي، والذي يرجّح أن تؤدي هذه الهزيمة إلى تأجيج صراعاته الداخلية النائمة بعد تولّي قيادته الجديدة ورهانها على مغادرة المشهد الوسطي واتخاذ مواقف يمينية أكثر تشددا. أما الدخول الذي كان متوقعاً لليمين المتطرف إلى البرلمان، فقد أُحيط باهتمام كبير قارب المبالغة في معظم وسائل الإعلام الدولية، لكنه يبقى في الوقت الراهن ضمن معادلة إعادة توزيع القوى اليمينية نتيجة التحدّي الانفصالي الكاتالوني الذي لعب دور الصاعق الذي هزّ دعائم النـظام السياسي الإسباني، وما زال يرخي بثقله على خيارات التموضع والتحالفات الممكنة لتشكيل الحكومة الجديدة.
رمزيّة دخول «فوكس» إلى البرلمان الإسباني ليست مقصورة على كون إسبانيا الدولة الأوروبية الوحيدة التي لم يكن لليمين المتطرف ممثلون في برلمانها، بل لكونها الوحيدة التي حكمها اليمين المتطرف حتى أواخر العام 1976 عندما كانت لا تزال خارج المجموعة الأوروبية وأنظمتها الديمقراطية الراسخة. والجانب الذي ينبغي التوقف عنده في حالة هذا الحزب الذي ما زال بعيداً عن نظرائه في الدول الأوروبية الأخرى، ليست نسبة التأييد التي حصل عليها (10.8٪) وعدد نوابه في البرلمان (24)، ولا المهرجانات الحاشدة التي تمكّن من تنظيمها، بل نسبة الرفض التي تلاقيها طروحاته والتي بلغت 77٪، وهي نسبة عالية جداً وغير مألوفة في مثل هذه الاستطلاعات. ويرى المحللون أن المواقف المتطرفة لهذا الحزب من الهجرة والتمازج الثقافي والمرأة ونظام الأحكام الذاتية، ستكون حائلا دون مواصلة صعوده على المستوى الوطني وحاجزاً في وجه التحالف مع القوى والأحزاب الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن السمة الملازمة لظهور هذا الحزب وصعوده لم تكن أزمة الهجرة، وإن تزامن مع مراحلها الأخيرة كما حصل بالنسبة للأحزاب اليمينية المتطرفة الأخرى في أوروبا، بل الأزمة الانفصالية في كاتالونيا وفشل الأحزاب التقليدية في التوافق حول مقاربة واحدة لمعالجتها. ويرجّح أن تبقى هذه الأزمة الرحى التي سيدور حولها نشاطه في المرحلة المقبلة، وليس مستبعداً أن يكون من بين أهدافه التمدد في مساحة الحزب الشعبي الذي دخل في نفق مظلم بعد هزيمته الكبيرة.
أما السبب الرئيسي الذي أدّى إلى عودة الاشتراكيين إلى صدارة المشهد السياسي الإسباني بهذه السهولة النسبية، وفشل اليمين مجتمعاً في الفوز على اليسار، فيكمن في أن اليمين بجناحيه المعتدل والمتطرف حصر معركته ورهاناته في المعسكر اليميني وأهمل معسكر الوسط الواسع الذي غرف منه الحزب الاشتراكي انتصاره، والذي يبقى الخزّان الرئيسي للأصوات التي ترجّح كفّة الفوز في معظم الانتخابات الأوروبية.
النتائج في إقليم كاتالونيا تبعث بدورها على بعض التفاؤل في تنفيس الاحتقان الذي ساد الأجواء السياسية الإسبانية في الفترة الأخيرة. فقد تمكّن حزب اليسار الجمهوري، وهو انفصالي الاتجاه، من الفوز بالمركز الأول للمرة الأولى، متجاوزاً بفارق كبير الحزب الذي يتزّعمه رئيس الحكومة الإقليمية السابق كارلي بوتشيمون الذي ما زال فاراً من العدالة. وكان حزب اليسار الجمهوري، الذي يمثل زعيمه حاليّا للمحاكمة في مدريد، قد نحى في الفترة الأخيرة إلى مواقف أكثر اعتدالاً في الملف الانفصالي، معلناً رفضه المضي في مشروع إعلان الاستقلال من طرف واحد ومواصلة تصعيد المواجهة مع مدريد، ومراهناً على الاهتمام أكثر بالأوضاع الاجتماعية التي شهدت تدهوراً ملحوظاً في كاتالونيا خلال الفترة الأخيرة.
التكليف بتشكيل الحكومة الجديدة معقود لزعيم الحزب الاشتراكي ورئيس الحكومة المستقيلة بيدرو سانتشيز الذي يتوّج بهذا الانتصار عودته إلى قيادة الحزب، بعد أن تنكّرت له غالبية قياداته التاريخية وراهنت على سقوطه السريع، ويعزز الأمل بنهضة طال انتظارها للتيّار التقدّمي في القارة الأوروبية. لكن من المستبعد أن يبدأ الحزب الاشتراكي مفاوضات التأليف قبل نهاية الشهر المقبل، بعد الانتخابات الأوروبية المتزامنة مع الانتخابات الإقليمية والبلدية في إسبانيا. وكانت نائبة رئيس الحكومة المستقيلة، والذراع اليمنى لسانتشيز، كارمن كالفو، قد أعلنت بعد ساعات من إعلان نتائج الانتخابات أن الاشتراكيين سيحاولون تشكيل حكومة من غير اللجوء إلى تحالفات، رغم أنهم لا يملكون الأغلبية اللازمة، حتى بتحالفهم مع حزب «بوديموس» اليساري الذي يطالب بدخول الحكومة كشرط لتقديم الدعم البرلماني لسانتشيز.
الأرقام وحدها لن تكون كافية لكي يجسّد سانتشيز انتصاره الذي ضاعف فيه مقاعد خصمه، لكنها قد تساعده على تفادي الاتكاء على دعم الانفصاليين الكاتالونيين إذا نجح في التفاهم مع «بوديموس» والحزب القومي الباسكي، الذي لا يطرح مطالب انفصالية، وبعض الأحزاب الإقليمية الصغيرة. وتجمع هذه الأحزاب الأغلبية اللازمة لدعمه في البرلمان، والتي يمكن أن توفّر عليه كأس ابتزازات الإقليميين الكاتالونيين التي كانت نقطة الضعف الرئيسية خلال حكومته القصيرة، والسبب الذي دفعه إلى إجراء الانتخابات المسبقة.



توافق أممي نادر في مجلس الأمن حول سوريا

فاسيلي نيبينزيا مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة (رويترز)
فاسيلي نيبينزيا مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة (رويترز)
TT

توافق أممي نادر في مجلس الأمن حول سوريا

فاسيلي نيبينزيا مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة (رويترز)
فاسيلي نيبينزيا مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة (رويترز)

قال دبلوماسيون أميركيون وروس، يوم الاثنين، إن أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سيعملون على إعداد بيان بشأن سوريا في الأيام المقبلة، وذلك بعد اجتماع مغلق بشأن سيطرة قوات المعارضة على العاصمة دمشق والإطاحة بالرئيس بشار الأسد.

وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا للصحفيين بعد اجتماع المجلس المؤلف من 15 عضوا "أعتقد أن المجلس كان متحدا إلى حد ما بشأن الحاجة إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها، وضمان حماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحتاجين". وأكد نائب السفير الأميركي روبرت وود أن أغلب الأعضاء تحدثوا عن هذه القضايا، وقال للصحفيين إن المجلس سيعمل على إصدار بيان. وتتولى الولايات المتحدة رئاسة المجلس في ديسمبر (كانون الأول). وقال وود "إنها لحظة لا تصدق بالنسبة للشعب السوري. والآن نركز حقا على محاولة معرفة إلى أين يتجه الوضع. هل يمكن أن تكون هناك سلطة حاكمة في سوريا تحترم حقوق وكرامة الشعب السوري؟"

وقال السفير السوري لدى الأمم المتحدة قصي الضحاك للصحفيين خارج المجلس إن بعثته وكل السفارات السورية في الخارج تلقت تعليمات بمواصلة القيام بعملها والحفاظ على مؤسسات الدولة خلال الفترة الانتقالية. وقال "نحن الآن ننتظر الحكومة الجديدة ولكن في الوقت نفسه نواصل العمل مع الحكومة الحالية والقيادة الحالية"، مضيفا أن وزير الخارجية السوري بسام صباغ - المعين من قبل الأسد - لا يزال في دمشق. وقال للصحفيين خارج المجلس "نحن مع الشعب السوري. وسنواصل الدفاع عن الشعب السوري والعمل من أجله. لذلك سنواصل عملنا حتى إشعار آخر". وأضاف "السوريون يتطلعون إلى إقامة دولة الحرية والمساواة وسيادة القانون والديمقراطية، وسوف نتكاتف في سبيل إعادة بناء بلدنا، وإعادة بناء ما دمر، وبناء المستقبل، مستقبل سوريا الأفضل".

وتحدث نيبينزيا وود عن مدى عدم توقع الأحداث التي وقعت هذا الأسبوع في سوريا. وقال نيبينزيا "لقد فوجئ الجميع، بما في ذلك أعضاء المجلس. لذلك يتعين علينا أن ننتظر ونرى ونراقب ... ونقيم كيف سيتطور الوضع". ووفرت روسيا الحماية الدبلوماسية لحليفها الأسد خلال الحرب، واستخدمت حق النقض أكثر من 12 مرة في مجلس الأمن، وفي العديد من المناسبات بدعم من الصين. واجتمع المجلس عدة مرات شهريا طوال الحرب لمناقشة الوضع السياسي والإنساني في سوريا والأسلحة الكيميائية.

وقال السفير الصيني لدى الأمم المتحدة فو كونغ بعد اجتماع المجلس "الوضع يحتاج إلى الاستقرار ويجب أن تكون هناك عملية سياسية شاملة، كما يجب ألا يكون هناك عودة للقوى الإرهابية". وبدأت هيئة تحرير الشام الهجوم الذي أطاح بالأسد. وكانت تُعرف سابقا باسم جبهة النصرة التي كانت الجناح الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا حتى قطعت صلتها به في عام 2016. وتخضع الجماعة لعقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقال دبلوماسيون إنه لم تحدث أي نقاشات بشأن رفع هيئة تحرير الشام من قائمة العقوبات.