المهمشون في اليمن... وقود آخر لحرب الميليشيات الحوثية

يمنيون أمام مباني المدينة القديمة في صنعاء (رويترز)
يمنيون أمام مباني المدينة القديمة في صنعاء (رويترز)
TT

المهمشون في اليمن... وقود آخر لحرب الميليشيات الحوثية

يمنيون أمام مباني المدينة القديمة في صنعاء (رويترز)
يمنيون أمام مباني المدينة القديمة في صنعاء (رويترز)

منذ 12 عاماً اعتادت لولة برفقة زوجها شاهر الخروج في الصباح الباكر ضمن عمال النظافة، وكانت تعمل في جهة من الشارع وزوجها في الجهة المقابلة ينظفان شوارع وأزقة صنعاء ويستمتعان بقربهما معاً في العمل.
اليوم وبعد الانقلاب الحوثي غدت تخرج وحيدة لتنظيف صنعاء فيما زوجها مختفٍ منذ سنتين. تقول لولة لـ«الشرق الأوسط»: «أفتقد زوجي ولا أدري هل لا يزال حياً وهل سيعود أم لا؟».
وتضيف لولة وهي في العقد الثلاثيني من العمر وأم لخمسة أبناء: «وقع زوجي تحت تأثير الدورات التي تقيمها جماعة الحوثي وأغروه بتوفير القات له إذا ذهب معهم إلى الجبهة ووعدوه بأن يظل راتبه مستمراً لأبنائه في غيابه لكنهم سلموني راتب شهرين وبعدها أوقفوه».
شاهر كغيره من فئة المهمشين في اليمن، وقع ضحية لسطوة الميليشيات الحوثية التي حوّلت المئات إلى وقود إضافي لحرب الجماعة وتعزيز سلطة انقلابها الدامي. وحسب مصادر محلية في صنعاء، قامت الميليشيات بتعيين مشرفين من أفرادها في كل «محوى» (المحوى هو تجمع سكاني عشوائي من الصفيح يسكنه المهمشون) فيما يقوم المشرف بتعيين نائب له من سكان المحوى.
يقول مانع: «عيّن الحوثيون في كل (محوى) شخصاً يقوم باستقطاب الشباب والرجال والأطفال إلى دورات يقولون عنها إنها توعوية لكن أغلب من يذهبون لا يرجعون وفي حالة عادوا لا يستمر وجودهم سوى أسابيع ليختفوا مجدداً ملتحقين بالجبهات».
ويضيف مانع: «يعطون كل واحد يذهب معهم 500 ريال يمني (توازي دولاراً) طيلة فترة الدورة الطائفية التي تستمر ما بين أسبوع إلى ثلاثة أسابيع». وعن الخدع التي تمارسها الميليشيات الحوثية لاستقطاب أبناء هذه الفئة يقول بسام خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يشِيعون في البداية أنهم يصرفون معونات غذائية وأن نجمع الأسماء لهم وأرقام الهواتف ولكن بعد ذلك لا شيء يحدث من ذلك».
ويفصح سالم من جهته عن بعض الممارسات لجماعة الحوثي ويقول: «نواجه الذل والحرمان، ونعاني الفقر وغياب الحقوق وتسلط الجماعة التي قطعت مرتباتنا وتسوّف في صرفها رغم أنها لا تكفي لشيء في ظل الغلاء وإجبارنا على الخروج في المظاهرات والذهاب إلى الجبهات».
ويضيف سالم: «تسعى ميليشيات الحوثي إلى حجز أجور العاملين بالنظافة من المهمشين وإبقائهم رهن العوز والفاقة كما أنها تكرس إطلاق لفظ (الأخدام) على ذوي البشرة السوداء ونحن منها، وأخيراً يُغْرون مَن يذهب إلى القتال بأنه من (أحفاد بلال) الصحابي الجليل».
ويعيش أغلب المهمشين بسبب اللون في اليمن في أعمال النظافة أو احتراف التسول أو ممارسة بعض المهن البسيطة، وهو ما أوجد فيهم بيئة مناسبة للميليشيات لاستغلالهم في أعمال التحشيد والزج بهم في الجبهات، حسب ما يقوله سكان صنعاء.
ولا تتجاوز أجور مَن يعمل منهم في النظافة ما يعادل دولارين في اليوم، ومن دون أي ضمانات أو حقوق في الضمان الاجتماعي أسوةً بغيرهم من موظفين ودون وجود ضمانات صحية وتأمينية تجاه الإصابات والأضرار فيما تتفشي الأمية وينعدم الوعي الحقوقي والصحي في أوساطهم.
ويشير المختصون الاجتماعيون إلى أن الجهل والفقر المدقع لهذه الفئة مكّن جماعة الحوثي من التحكم بها واستغلالها لمصلحة أعمالها الطائفية.
ويستنكر عفيف وهو أحد سكان «المحوى» في سعوان، القمع الذي يواجهونه من الجماعة بقوله: «جاء الحوثيون يقولون لي ممنوع الاختلاط وممنوع رفع صوت المسجلة أو الرقص أو إقامة أي حفل يخصنا إلا بعد إبلاغهم!».
ويضيف عفيف: «حياتنا بسيطة جداً، ونحن نكافح من أجل البقاء على قيد الحياة ونحب المرح ونعيش حياتنا كأننا نملك الدنيا، ونحن متكيفون على هذه الحالة».
أما مشتاق وهو يعمل «إسكافياً» فيقول: «أقوم بإعالة أسرة من سبعة أطفال من هذه المهنة، أحياناً أعود بـ500 ريال وقد تصل إلى ألف ريال (الدولار نحو 500 ريال) وغالب أيام الأسبوع أعود إلى البيت ولا أملك ما يسد رمق أطفالي».
ويضيف: «لم يعد أحد يهتم بتلميع حذائه وإذا كان الحذاء يحتاج إلى خياطة فالمقابل قليل جداً لا يكفي لتسديد الضرائب الحوثية وإيجار الرصيف الذي أجلس عليه».
وكانت فئة المهمشين قد حظيت باهتمام المنظمات الحقوقية والإنسانية، حيث قامت ببناء عدد قليل من المباني والوحدات السكنية المناسبة المزودة بالمياه النظيفة والكهرباء وتقديم الخدمات الصحية لهم، كما تم خلال مؤتمر الحوار الوطني اقتراح «كوتا» لهم بواقع 10% في المناصب الحكومية.
وشارك ممثلون عنهم في مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد في صنعاء 2013 كما دعا بعض قادتهم إلى تشكيل تيارات سياسية وأحزاب واتحادات مثل تيار «الأحرار السود» وكذلك اتحاد المهمشين، ومع مجيء الانقلابيين الحوثيين حاولوا في البداية استقطاب شخصيات من المهمشين البارزين من أجل السيطرة على هذه الفئة وحشد أفرادها إلى الجبهات فتم تعيين محمد القيرعي عضواً في اللجنة الثورية العليا، وهي حينها كانت أعلى سلطة انقلابية.ولم يشفع للقيرعي التجييش الذي قدمه للميليشيات فقد فرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله بعد احتجازه أكثر من 75 يوماً حتى واتته الفرصة أخيراً للهروب إلى عدن من ظلم الميليشيات الحوثية، حيث فضح لوسائل إعلام محلية مدى الخداع والاستغلال الذي تمارسه ميليشيات الحوثي لهذه الفئة التي تعد الأكثر أمية من بين عامة الشعب اليمني.
وتقدّر مصادر يمنية أن الميليشيات نجحت في تجنيد المئات من المهمشين في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها عبر أساليب متعددة منها الترغيب والاستغلال وأحياناً التهديد.
وحين يلتحق هؤلاء بجبهات القتال الحوثية يجدون أنفسهم في آخر سلم اهتمامات قادة الجماعة، فغالباً ما يتم الزج بهم في المقدمة والتخلي عنهم حين يصابون، حسبما أفاد عدد من الأشخاص الذين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» في صنعاء.
يقول مبارك -صادفناه يتسول المارة في شارع تعز جنوب صنعاء- لـ«الشرق الأوسط» إنه عاد من الجبهة قبل خمسة أشهر بعد أن فقد قدميه خلال المعارك، مشيراً إلى أن الجماعة الحوثية منحته في البداية بندقية آلية ومبلغ 10 آلاف ريال، وهو ما جعله فرحاً بحصوله على بندقية.
ويروي مبارك قصته: «بعد إصابتي في الجبهة شعرت بأنهم سيتركونني كما يفعلون مع الأغلبية الذين يصابون قبل أن أستحلف المشرف الحوثي على مجموعتنا ألا يتركني، لكنه رفض قبل أن أعود لأستحلفه برأس زعيم الجماعة الحوثي، ما جعله يقول بتأفف آمراً مرافقيه: ارجموا هذا الخدمي في مؤخرة الطقم».
ويتابع مبارك: «كل من أُصيب في أثناء المواجهات من (المهمشين) كانت جماعة الحوثي تتركه إذا غادرت موقعاً أو تتخلص منه حتى لو كانت إصابته غير خطيرة وعندما تسيطر الشرعية على الموقع قد يؤخذ أسيراً».
ويكشف عن أن الأولوية دائماً ما تكون لإنقاذ المنتمين إلى سلالة الحوثي أو المقربين منهم إذا أصيبوا في الجبهات.
ويقول عبد الحبيب القباطي، وهو ناشط وحقوقي: «نحن نعيش مع ميليشيات تنظر إلى السلالة كمعيار للإنسانية من عدمها فكيف تتوقع من جماعة تنظر إلى الآخرين كعبيد وزنابيل فما بالك بـ(فئة المهمشين) الذين يعيشون حالة تهميش متأصلة من عهد حكم الإمامة». ويردف القباطي: «عملت الإمامة على تكريس الطبقية والعنصرية بين أفراد الشعب والآن جماعة الحوثي تعيد إحياءها على مستوى شرائح وفئات المجتمع».
ويبني المهمشون اليمنيون مساكنهم عشوائياً من الصفيح أو الكرتون أو العلب الفارغة، وفي المناطق الحارة تكون من القش أو أعواد الشجر، وغالباً ما يكون المنزل غرفة واحدة يسكنها بضعة أشخاص أو غرفتان تسكن فيهما عائلة كبيرة من الأبناء وزوجاتهم.
وحسب إحصائيات محلية يمنية لهذه الفئة الاجتماعية المهمشة، فإنها تزيد على المليون نسمة ويعيشون في تجمعات سكنية منعزلة داخل وعلى أطراف المدن ولا تكاد تخلو مدينة يمنية منهم. وتعد العاصمة صنعاء من أكثر المناطق التي يقطنها المهمشون وتتوزع مناطق وجودهم في أحياء عصر والصافية وباب اليمن والتحرير ومنطقة سعوان ودار سلم.


مقالات ذات صلة

آلاف اليمنيين في معتقلات الحوثيين لاحتفالهم بـ«26 سبتمبر»

العالم العربي مسلحون حوثيون في صنعاء عشية ذكرى ثورة سبتمبر يستعدون لقمع الاحتفالات (فيسبوك)

آلاف اليمنيين في معتقلات الحوثيين لاحتفالهم بـ«26 سبتمبر»

بدأت الجماعة الحوثية الإفراج عن بعض المختطفين بسبب احتفالهم بذكرى ثورة سبتمبر (أيلول)، في حين تقدر أعداد المختطفين بالآلاف في مختلف مناطق سيطرة الجماعة.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من سلسلة مبانٍ تتبع جامعة البيضاء الخاضعة لسيطرة للجماعة الحوثية (إكس)

الحوثيون يخضعون 1000 طالب وأكاديمي وموظف لتدريبات عسكرية

الجماعة الحوثية تجبر طلاباً وأكاديميين وموظفين في جامعة البيضاء على التعبئة القتالية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي النيران تشتعل في الناقلة «سونيون» بالبحر الأحمر بعد هجوم سابق من قبل الجماعة الحوثية (رويترز)

هجمات حوثية على إسرائيل واستهداف سفينتين في البحر الأحمر

الحوثيون يعلنون عن هجمات على إسرائيل واستهداف سفينتين في البحر الأحمر بالتزامن مع تولي قوات أسترالية قيادة قوات البحرية المشتركة لحماية الأمن البحري في المنطقة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي تعرُّض سفينتين لأضرار في هجمات قبالة ميناء الحديدة اليمني

تعرُّض سفينتين لأضرار في هجمات قبالة ميناء الحديدة اليمني

أفادت وكالة أمن بحري بريطانية، الثلاثاء، بأن طائرة مسيَّرة أصابت سفينة قبالة سواحل اليمن، حيث يشنّ المتمردون الحوثيون منذ أشهر هجمات على سفن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي احتمالات ضعيفة جداً أن تتولى الجماعة الحوثية سد الفراغ الناتج عن تحجيم قوة «حزب الله» (رويترز)

ماذا ينتظر الجماعة الحوثية بعد اغتيال نصر الله؟

يناقش خبراء وباحثون سياسيون تأثير اغتيال حسن نصر الله على الجماعة الحوثية، وردود فعلها بعد الضربات الكبيرة التي يتلقاها «حزب الله» خلال الأيام الأخيرة.

وضاح الجليل (عدن)

وزير خارجية فرنسا يتوجه إلى الشرق الأوسط ويبدأ زيارته بالسعودية

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
TT

وزير خارجية فرنسا يتوجه إلى الشرق الأوسط ويبدأ زيارته بالسعودية

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)

يتوجه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى السعودية، مساء الجمعة، في مستهل جولة تستمر أربعة أيام تنتهي في إسرائيل والضفة الغربية، في إطار سعي باريس لإنعاش الجهود الدبلوماسية في المنطقة.

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن بارو سيزور السعودية وقطر والأردن، قبل أن يصل إلى إسرائيل قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حين تحيي إسرائيل ذكرى مرور عام على الهجوم الذي شنته حركة «حماس» على جنوب البلاد. ومن المقرر أن يزور بارو الضفة الغربية أيضاً، وفقاً لوكالة «رويترز» للأنباء.

وأجرى جان نويل بارو، زيارة رسمية إلى بيروت، الاثنين، التقى خلالها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.