أمل جديد لمرضى الخلايا المنجلية

مرض أنيميا الخلايا المنجلية Sickle cell anemia من أشهر أنواع الأنيميا التي تصيب الأطفال، وهى أنيميا مزمنة ويتسبب فيها خلل جيني يؤدي إلى تغير في شكل كريّة الدم الحمراء من الشكل الكروي إلى شكل مثل المنجل أو الهلال، ونتيجة لهذا التغير تصبح سهلة التكسير في وجود نقص للأكسجين وبالتالي تحدث الأنيميا. وتكمن المشكلة الأكبر في أنيميا الخلايا المنجلية في تجمع كريات الدم الحمراء والتصاقها ببعضها نتيجة لتغير شكلها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى حدوث جلطات في الجزء الذي يتم عنده الالتصاق ويحدث نتيجة لذلك ألم شديد وأيضا تلف للعضو. وهناك كثير من الدراسات التي حاولت إيجاد طرق علاجية تحسن من حالة المرضى وتساعدهم على الحياة بصورة طبيعية خاصة وأن الجلطات التي تحدث يمكن أن تؤدي إلى السكتة الدماغية إذا حدثت في المخ.

* نقل الدم
أحدث دراسة تناولت أنيميا الخلايا المنجلية والتي قام بتمويلها المعهد الوطني للصحة بالولايات المتحدة ونشرت في مجلة نيو إنغلاند للطب New England Journal of Medicine أعطت أملا جديدا لهؤلاء المرضى. ومن المعروف أن المرض يصيب الأفريقيين بشكل أكثر من غيرهم لسبب جيني، وتمثل هذه الظاهرة مشكلة صحية في البلاد التي يوجد بها كثير من المواطنين من أصل أفريقي مثل الولايات المتحدة، وهناك نحو 100 ألف مواطن أميركي يعانون من أنيميا الخلايا المنجلية معظمهم من الأميركيين الأفارقة.
وأشارت هذه الدراسة إلى أن نقل الدم المتكرر والمنتظم يمنع حدوث هذه الجلطات، خاصة المخية التي يمكن أن تصيب ثلث الأطفال ضحايا أنيميا الخلايا المنجلية. وتأتي هذه التوصيات خلافا لما كان متعارف عليه في أن نقل الدم يتم في حالة الضرورة فقط وفى الحالات المتوسطة والشديدة من الأنيميا وذلك تجنبا لأضرار تكرار نقل الدم باستمرار.
وبالنسبة للأطفال مرضى أنيميا الخلايا المنجلية يمكن أن يحدث ما يمكن وصفه بجلطات بسيطة أو خفيفة في المخ silent stroke وهو ما يعني أن حجم الجلطة لا يسبب أعراضا إكلينيكية واضحة من المتعارف عليها للجلطة الدماغية والتي تصل إلى مرحلة الشلل الكامل للعضو. ويتم تجاهل هذه الجلطات الخفيفة نظرا لأنها لا تلفت نظر الآباء ولا الأطفال بطبيعة الحال، خاصة وأن الطريقة الوحيدة لتشخيصها هي استخدام أشعة الرنين المغناطيسي على المخ، وهو في الأغلب لا يستخدم في الزيارة العادية للطبيب. وخطورة الجلطات الصامتة أو الخفيفة أنها تؤثر على الفهم والإدراك للطفل وتؤثر على مستواه الدراسي وتعامله اليومي. وفى حالة إذا تمكن الأطباء من تشخيص وعلاج هذه الجلطات بشكل مبكر، فإن ذلك سوف يساعد آلاف الأطفال في اللحاق بأقرانهم دراسيا، فضلا عن تحسن صحتهم
وفى هذه الدراسة كان المحور الأساسي للباحثين محاولة معرفة إذا كان نقل الدم بشكل منتظم كل شهر يمكن أن يمنع حدوث الجلطات البسيطة أو الصامتة التي تحدث في المخ، خاصة وأن هناك بعض الدراسات أشارت إلى أن نقل الدم - ولكن بشكل غير منتظم - يمكن أن يفيد في منع الجلطات بشكل عام، حيث إن نقل الدم يساعد في إمداد الجسم بكريات دم طبيعية تعوض كريات الدم المنجلية وهو ما ينعكس بالإيجاب على المريض.

* منع جلطة المخ
وكان الباحثون قد قاموا باختيار 1074 طفلا من المصابين بأنيميا الخلايا المنجلية وتم عمل أشعة رنين مغناطيسي لهم وكانت نسبة الذين يعانون من الجلطات الصامتة 35% من العينة وهو ما يعني 196 طفلا.
وقام الباحثون بنقل دم بشكل منتظم لهؤلاء الأطفال كل شهر لمدة 3 سنوات متتالية وكانت النتيجة أن نسبة حدوث الجلطات الصامتة قلت تماما أو اختفت وبينما كانت نسبة حدوث جلطات المخ في بقية الأطفال الذين لم يتم نقل الدم لهم تبلغ 14% كانت نسبة هذه الجلطات في الأطفال الذين تم نقل الدم لهم لا تزيد على 6% وهو ما يعني أن نقل الدم المنتظم منع حدوث هذه الجلطات الصامتة وغير الملحوظة.
وتشير هذه النتائج بوضوح إلى ضرورة أن يتم عمل مسح للأطفال الذين يعانون من أنيميا الخلايا المنجلية باستخدام أشعة الرنين المغناطيسي على الأقل قبل بداية مرحلة التعليم الأساسي للكشف عن الجلطات الصامتة والتي تبلغ نسبة حدوثها 30% من الأطفال وفى حالة وجودها يتم نقل الدم إليهم بشكل منتظم كل شهر.
وكانت الدراسة قد قامت بعمل موازنة بين فوائد نقل الدم المتكرر لهؤلاء الأطفال ومخاطر نقل الدم مثل حدوث حساسية أو زيادة نسبة الحديد أو إمكانية نقل عدوى عن طريق الدم، ولكن تبين أن فوائد الوقاية من خطر السكتة الدماغية الصامتة تتفوق على هذه المخاطر. ولذلك كانت التوصيات بضرورة نقل الدم مع الوضع في الاعتبار هذه المخاطر بتناول أدوية مضادة للحساسية مثل الحقن والإشراف الدقيق على الدم المستخدم، وأيضا هناك أدوية للتخلص من الحديد الزائد في الجسم.
وفضلا عن منع الجلطات الصامتة كانت هناك فوائد أخرى لنقل الدم بانتظام لهؤلاء الأطفال مثل منع نوبات الألم التي تحدث في حالات التصاق كريات الدم الحمراء ومنع سريان الدم، وأيضا منع حدوث عدوى الجهاز التنفسي باستمرار والشحوب الدائم لهم، وهو ما ينعكس بالإيجاب على نفسية هؤلاء الأطفال، حيث إن مظهرهم لن يكون مختلفا عن أقرانهم بما يشير إلى أنهم مرضى. وفى النهاية يجب التشخيص المبكر لهذه الجلطات حتى لا يتم تكرارها ولتلافى أخطار أكبر على المدى البعيد وللحفاظ على حياة طبيعية لهؤلاء الأطفال.

* استشاري طب الأطفال