سنغافورة من ميناء للصيادين إلى أحد أهم المراكز المالية في العالم

تجربتها استقت منها الصين الشعبية معادلة «الاشتراكية الرأسمالية» في صعودها الاقتصادي

حي المال والأعمال في سنغافورة كما يبدو من كورنيش {مارينا باي} (أ.ف.ب)
حي المال والأعمال في سنغافورة كما يبدو من كورنيش {مارينا باي} (أ.ف.ب)
TT

سنغافورة من ميناء للصيادين إلى أحد أهم المراكز المالية في العالم

حي المال والأعمال في سنغافورة كما يبدو من كورنيش {مارينا باي} (أ.ف.ب)
حي المال والأعمال في سنغافورة كما يبدو من كورنيش {مارينا باي} (أ.ف.ب)

يصعب جداً على الناظر إلى سنغافورة اليوم أن يتخيّل كيف تحولت هذه «الجزيرة» من ميناء صغير للصيّادين تحت الاستعمار البريطاني أواسط القرن التاسع عشر، ومدينة صغيرة وفقيرة شبه مدمّرة بعد أن احتلّها الجيش الياباني في الحرب العالمية الثانية، إلى إحدى أغنى الدول في العالم ورائدة في مجالات الصحة والتعليم والبيئة والتنمية المستدامة والاستقرار السياسي وشفافية المؤسسات العامة، وإلى نظام اقتصادي يقتدى به ويدرّس في أرقى الجامعات... وذلك في فترة لا تتجاوز خمسة عقود. الحديث عن سنغافورة التي لا تزيد مساحتها عن 700 كيلومتر مربّع ولا يتجاوز عدد سكّانها الخمسة ملايين، يقتضي اللجوء باستمرار إلى صيغة أفعل التفضيل: فهي من أصغر دول العالم، وأغناها من حيث دخل الفرد، وأغلاها، وأفقرها بالموارد الطبيعية، وأرقاها من حيث المستوى التعليمي والخدمات الصحيّة، وأكثرها تطورا في مجال الحفاظ على البيئة والابتكار في الصناعات التكنولوجية المتطورة، وأحد أهم المراكز المالية إلى جانب نيويورك ولندن وطوكيو.
السؤال عن المسار الذي تحققت عبره هذه «المعجزة» يقود دائما إلى رجل واحد: لي كوان يو، الأب المؤسس الذي وضع أسس المخطط الإنمائي وقاد البلاد منذ العام 1959. أي قبل انضمامها إلى الاتحاد الماليزي في العام 1963 ثم انفصالها عنه بعد سنتين، إلى العام 1990 عندما تنحّى عن رئاسة الحكومة واحتفظ بحقيبة وزارية حتى العام 2004 قبل أربع سنوات من وفاته.
القاعدة الأساسية التي اعتمدها كوان يو كشرط لنجاح مشروعه كانت النأي عن الصراعات الإقليمية والدولية التي خلّفت دماراً واسعاً في المنطقة الآسيوية، فأعلن حياد البلاد ووقف على مسافة واحدة من الصين والولايات المتحدة محافظاً على علاقات جيّدة مع الاثنتين حتى اليوم. ثم اعتمد الإنجليزية كلغة رسمية لتيسير الحركة التجارية والحيلولة دون نشوب نزاعات عرقية بين المجموعات السكّانية المختلفة المتحدرة من أصول صينية وماليزية وهندية، وركّز جهود المرحلة الأولى من مشروعه على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلّي وخفض الدين العام وتحسين ميزان المدفوعات ورفع مستوى الادّخار لجذب الاستثمارات الخارجية.
في أواسط ستينات القرن الماضي بدأت مرحلة الإنتاج الصناعي المتخصص الذي يعتمد على عدد محدود من الأيدي العاملة، ووضع قوانين لحماية الصناعات المحليّة بفرض رسوم جمركية عالية على الواردات، وعندما توطّد القطاع الصناعي وصار قادراً على المنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية، فتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية وبدأت مرحلة التركيز على الصناعات التكنولوجية الرائدة ذات القيمة المضافة العالية التي تتفوّق فيها سنغافورة اليوم.
في موازاة ذلك أولى كوان يو عناية كبيرة لقطاع التعليم والتدريب المهني وحققت نتائج مذهلة على صعيد توفير موارد بشرية عالية الكفاءة ويد عاملة متخصصة جذبت الاستثمارات الخارجية من كل أنحاء العالم. في العام 1983 بدأ خبراء البنك الدولي بوضع دراسة دولية سنوية مقارنة حول العلوم وتأثيرها في الاقتصاد شملت 25 دولة احتلّت سنغافورة يومها المرتبة السادسة عشرة بينها. بعد عشر سنوات أظهرت الدراسة أن سنغافورة تحتلّ المركز الأوّل الذي ما زالت تحتفظ به إلى اليوم.
لكن لعلّ الجانب الأهمّ في المخطط الإنمائي الشامل وطويل الأمد الذي وضعه «الأب المؤسس»، والذي يجمع الخبراء على أنه كان حاسما في تحقيق هذه النتائج الاقتصادية والاجتماعية المذهلة، كان استقرار النظام والمؤسسات السياسية، إلى جانب كفاءة القطاع العام خلافاً لما هو سائد في معظم البلدان النامية. وقد ساعد ذلك على وضع نظام ضريبي يقوم على قواعد واضحة، ومنظومة تشريعية وطيدة تحفظ حقوق المستثمرين وتعاقب الفساد بقسوة غير معهودة، مما ساعد المؤسسات والأجهزة العامة على الحفاظ على استقلاليتها وإبعادها عن تأثير جماعات الضغط والمصالح الاقتصادية والمالية.
ألهمت تجربة كوان يو بلدانا عديدة في الجوار أصبحت تعرف لاحقاً بالنمور الآسيوية، وكانت، بإجماع الخبراء، النموذج الذي استقت منه الصين الشعبية معادلة «الاشتراكية الرأسمالية» التي وضعتها في سنوات معدودة على سكّة الصعود نحو القوة الاقتصادية الأولى في العالم. لكن هذه التجربة التي نقلت ميناء الصيادين إلى مصاف أحدث الدول في العالم وأكثرها استقراراً وازدهاراً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ما زالت ضنينة بمضمونها الثقافي وراسبة في امتحان الحريّات الفردية والسياسية، مما يولّد من حين لآخر حركات ومظاهرات احتجاجية لم تخرج بعد عن إطار قدرة الأجهزة الأمنية على استيعابها.
الأب المؤسس كان واضحاً في موقفه من الحريّات العامة عندما قال «الامتحان في نهاية المطاف هو في الجواب عن السؤال التالي: هل أن المجتمع السنغافوري اليوم أفضل مما كان عليه، أو أسوأ؟». وهو كان يعتبر «أن حريّة وسائل الإعلام يجب أن تخضع لاحتياجات ومصالح المجتمع العليا، وللأهداف التي تنتخب على أساسها الحكومات».



حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
TT

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)

ضرب الإعصار «شيدو» صباح اليوم السبت أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي حيث أُعلنت حالة التأهب القصوى مع توقع اشتداد الرياح المصاحبة له والتي تجاوزت سرعتها 180 كيلومترا في الساعة.

وضرب الإعصار جزيرة بوتيت تير في شرق الأرخبيل حيث يخشى أن تصل سرعة الرياح «إلى 200 و230 كلم/ساعة»، بحسب آخر نشرة للأرصاد الجوية الفرنسية، متوقعة رياحا مدمرة أشد من تلك التي صاحبت الإعصار «كاميسي» عام 1984.

وتسببت الرياح بانقطاع الكهرباء مع سقوط أعمدة كهرباء واقتلاع أشجار وتطاير أسقف منازل مصنوعة من الصفيح.

غيوم في سماء مايوت (أ.ف.ب)

وفي مدينة أوانغاني، قال رئيس البلدية يوسف أمبدي إنه يخشى «الأسوأ... لا يمكننا الخروج ولكن ما نشاهده يفوق الوصف».

ومنذ الصباح الباكر، أصدرت السلطات تحذيرا أرجوانيا وهو ما يعني لزوم جميع السكان منازلهم وعدم الخروج بما يشمل أجهزة الطوارئ والأمن وجميع عناصر الإنقاذ.

وقالت فاطمة التي تعيش في ماجيكافو-كوروبا وما زالت تذكر الإعصار الذي ضرب جزر القمر المجاورة عندما كانت طفلة «نحن خائفون جدا».

وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية أمطارا شديدة الغزارة مع خطر تشكل السيول والفيضانات وارتفاع أمواج البحر التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الساحل.

وحُظرت حركة المرور على الطرق العامة في جزيرتي غراند تير وبوتيت تير، وأغلق مطار دزاوودزي منذ مساء الجمعة.

ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية الفرنسية تحسنا في الأحوال الجوية خلال اليوم، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.