الصين تتعهد احترام قواعد المنافسة التجارية... وترمب يعلن لقاءً قريباً مع شي

ألمانيا ترحب بانفتاح بكين وتطالب بمزيد من الإصلاحات

الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال حديثه أمام قمة «طريق الحرير» الجديدة في بكين أمس (رويترز)
الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال حديثه أمام قمة «طريق الحرير» الجديدة في بكين أمس (رويترز)
TT

الصين تتعهد احترام قواعد المنافسة التجارية... وترمب يعلن لقاءً قريباً مع شي

الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال حديثه أمام قمة «طريق الحرير» الجديدة في بكين أمس (رويترز)
الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال حديثه أمام قمة «طريق الحرير» الجديدة في بكين أمس (رويترز)

فيما يبدو تقارباً جديداً بين واشنطن وبكين، تعهد الرئيس الصيني شي جينبينغ، الجمعة، بإلغاء الدعم المالي الحكومي للشركات العامة، الذي «يُخلّ بقواعد المنافسة»، مستجيباً بذلك لطلب الولايات المتحدة التي تتّهم بكين بممارسات تجاريّة غير عادلة، فيما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه سيستقبل شي في البيت الأبيض «قريباً»، في وقت يُرتقب إجراء جلسة مفاوضات جديدة بين البلدين في بكين.
من جانبه، وعد شي خلال خطاب ألقاه في بكين لمناسبة القمة الثانية المتعلقة بالبنية التحتية لمشروع «طرق الحرير» الجديد، أيضاً بزيادة الواردات الصينية، وبعدم خفض سعر صرف اليوان، وبحظر نقل التكنولوجيا المفروض على الشركات الأجنبية.
ويُعدّ الدعم المالي الهائل الذي تقدّمه بكين لشركاتها العامة أحد نقاط الخلاف بين الصين والولايات المتحدة. وبالإضافة إلى معالجة الخلل التجاري بين البلدين، تُطالب واشنطن، بكين، بإصلاحات جذرية. وتعتبر إدارة ترمب أنّ الشركات الصينية المملوكة للدولة منافسٌ يتلقّى مساعدة غير عادلة من الدولة لغزو الأسواق العالمية. وقال شي: «سنتعامل مع جميع الشّركات بشكل منصف، لتعزيز ظهور بيئة تجاريّة قائمة على السوق والقانون»، داعياً إلى رفض الحمائية.
ومن المتوقع أن يصل وفد أميركي إلى بكين في 30 أبريل (نيسان) الحالي. وأعلن الرئيس الأميركي، الخميس، أنه سيستقبل نظيره الصيني في البيت الأبيض «قريباً». ويتحدث ترمب منذ أسابيع عدة عن لقاء مرتقب مع شي، لكنه لم يعلن عن موعد له بعد. وتتفاوض الولايات المتحدة والصين منذ يناير (كانون الثاني) للتوصل إلى اتفاق تجاري شامل يضع حداً للحرب التجارية بينهما.
وقال الرئيس الأميركي: «سيأتي الرئيس الصيني شي قريباً»، من دون أن يعطي مزيداً من التفاصيل. ويندد ترمب باستمرار بالخلل في الميزان التجاري بين البلدين. وتضخم عجز الولايات المتحدة التجاري مع الصين العام الماضي بنسبة 11.9 في المائة، ليبلغ 419.16 مليار دولار.
في غضون ذلك، أعرب وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير، عن أمله في نهاية وشيكة للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وقال ألتماير، الجمعة، في بكين، خلال مؤتمر صحافي على هامش قمة «طريق الحرير الجديد»، «من مصلحة أوروبا وألمانيا إنهاء هذا النزاع».
وذكر ألتماير أن هناك مئات من الشركات الألمانية التي تنتج للسوق الأميركية والصينية أيضاً، موضحاً أن النزاع الذي لم يُحل حتى الآن يُثقل كاهل نمو الاقتصاد العالمي. وأضاف أن الحكومة الألمانية تأمل لذلك في التمكن من تسوية النزاع التجاري الذي تخوضه الولايات المتحدة مع الصين والاتحاد الأوروبي أيضاً، خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
ومن المقرر أن يلتقي الوزير الألماني خلال زيارته للصين، السبت، نائب رئيس الوزراء الصيني المختص بالشؤون الاقتصادية، ليو هي، الذي يتولى المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة.
كما رحب ألتماير بإعلان الرئيس الصيني عن مزيد من الانفتاح في السياسة الاقتصادية. وفي المقابل، أوضح أنه يرى أن الصين ملزمة الآن بتطبيق إصلاحات، وقال: «المهم بالنسبة لي أن الرئيس الصيني قدم على نحو واضح اعترافاً بالتجارة العالمية الحرة والتعددية والاستدامة... سنأخذ هذه الوعود على محمل الجد»، مضيفاً أن بلاده ستقدم أيضاً مقترحات لتطبيقها.
ووصف ألتماير تصريحات الرئيس الصيني بأنها «مشجعة للغاية»، مضيفاً أنه إذا تم تطبيق تعهدات الرئيس تدريجياً، فستكون هناك فرصة لوضع أطر مستقرة لمزيد من التنمية للاقتصاد العالمي مع فرص للنمو. وأكد أن الهدف يتعين أن يكون ممارسة تجارة حرة ونزيهة على أساس شروط منافسة متساوية، والتزام بحماية المناخ وحقوق الإنسان، مشيراً إلى أن الصين لم تضمن حتى الآن على نحو كافٍ حماية الملكية الفكرية.
وقال ألتماير إن الصين شريك ومنافس في الوقت نفسه، مؤكداً ضرورة أن يضع الاتحاد الأوروبي استراتيجية تصنيع خاصة به في ظل تزايد منافسة الشركات الصينية.
تجدر الإشارة إلى أن المبادرة الصينية لإنشاء «طريق الحرير الجديد» تواجه انتقادات من ألمانيا ومعظم الدول الكبيرة في الاتحاد الأوروبي، حيث لا تلتزم الصين بمعايير، كما ستستفيد الشركات الصينية على وجه الخصوص من طرق النقل الجديدة بين آسيا وأوروبا، على حد تعبير ألتماير. وانتقد ألتماير اتخاذ قرارات منفردة بشأن المبادرة، مثل قرار إيطاليا بالانضمام لها، وقال: «نعتقد أنه لا يمكننا تطبيق مواقفنا إلا على نحو مشترك».



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.