تنازلات جديدة ومشاورات بحثاً عن اتفاق في السودان

مليونية للضغط لتسليم السلطة للمدنيين بعد استقالة 3 جنرالات... والدقير لـ«الشرق الأوسط»: اللقاء مع {العسكري» كان مثمراً

حشود هائلة تتظاهر أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (تصوير: مصطفى عمر)
حشود هائلة تتظاهر أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (تصوير: مصطفى عمر)
TT

تنازلات جديدة ومشاورات بحثاً عن اتفاق في السودان

حشود هائلة تتظاهر أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (تصوير: مصطفى عمر)
حشود هائلة تتظاهر أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (تصوير: مصطفى عمر)

احتشد أكثر من مليون أمام قيادة الجيش السوداني بالخرطوم، استجابة لدعوة المعارضة الممثلة في «قوى الحرية والتغيير»، مواصلة للمزيد من الضغوط على المجلس العسكري الانتقالي، رغم اتفاقه وقادة المعارضة على تكوين لجنة مشتركة لتقريب وجهات النظر حول القضايا الخلافية.
ونقلت تسريبات صحافية أن قوى الحرية والتغيير، شرعت في الدفع بمرشحيها للهياكل الثلاثة، وينتظر أن تكون قد أكملتها يوم أمس، لتقدمها للمجلس العسكري الانتقالي.
بيد أن رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير قال لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن المشاورات جارية بين قوى الحرية والتغيير للاتفاق على مرشحيهم للجنة المشتركة بينهم وبين المجلس العسكري، وتوقع أن تكتمل المشاورات في وقت قريب. وأوضح الدقير الذي شارك في اجتماع قوى الحرية والتغيير بالمجلس العسكري أول من أمس، أن اللقاء كان «مثمراً» وإيجابياً، واستطاع تعزيز الثقة بين الطرفين، فيما نقلت تقارير عن المتحدث باسم المجلس أمس، أن الطرفين لم يصلا «مرحلة تقديم الأسماء، بل توصلا لتفاهمات بشأن الهياكل».
وتبعاً لاعتراف المجلس بقوى «إعلان الحرية والتغيير» التي تقود الثوار، باعتبارهم الممثلين للمعارضة، والتوصل معهم لتفاهمات وصفها الطرفان بأنها «مهمة» ليل الأربعاء، قررت الأخيرة إرجاء إعلان أسماء مرشحيها للحكومة المدنية الانتقالية، بعد أن كانت قد قررت إعلانها أمس، فيما قرر «الثوار» مواصلة الاعتصام لحين تحقيق «أهداف الثورة».
وقال بيان صادر عن «قوى الحرية والتغيير» أمس، إنه «بناءً على هذه المستجدات، وما تم من اتفاق حول الخطوات القادمة مع المجلس العسكري الانتقالي، رأت قوى الحرية والتغيير تأجيل إعلان أسماء مرشحيها للسلطة المدنية الانتقالية، سعياً للوصول إلى اتفاق شامل وكامل مع المجلس العسكري الانتقالي يمهد للإعلان عن كل مستويات السلطة الانتقالية المدنية».
واعتبر البيان اجتماع الأربعاء مع المجلس العسكري الانتقالي خطوة تجاه بناء الثقة بينه وبين قوى المعارضة، وشدد على أهمية العمل المشترك للوصول بالبلاد للسلام والاستقرار والتحول الديمقراطي، وتحقيق تطلعات الشعب عن طريق العمل المشترك والتعاون.
وأوضح البيان أن «قوى إعلان الحرية والتغيير» والمجلس العسكري اتفقا على «تكوين لجنة مشتركة» لمناقشة القضايا الخلافية، وأن المجلس تعهد باتخاذ خطوات إيجابية من شأنها تعزيز الثقة لاستمرار التعاون.
وقال البيان إن قوى الحرية والتغيير تحصلت على وعود من المجلس العسكري بإسقاط العقوبات والأحكام الصادرة ضد قادة الحركات المسلحة، وإطلاق سراح أسرى الحرب الأهلية، وكشف أن المجلس أبلغ المعارضة بشروعه عبر اللجنة القانونية في اتخاذ تلك القرارات في غضون أيام.
وفي السياق توافد مئات الآلاف إلى مكان الاعتصام أمام قيادة الجيش ووزارة الدفاع، ونظموا «مسيرة مليونية»، لممارسة مزيد من الضغوط على المجلس العسكري لتسليم السلطة إلى إدارة مدنية، أطلقوا عليها «مليونية السلطة المدنية»، مع التأكيد على استمرار الاعتصام حتى تحقيق مطالب الثورة كاملة.
وشاركت في مليونية السلطة المدنية، حشود تقدر أعدادها بأكثر من مليون، جاءوا من مدن العاصمة الخرطوم الثلاثة، ومدن «رفاعة، المناقل، شندي، كوستي، سنجة، دنقلا، شندي»، إضافة إلى مواكب المهنيين: «العاملين بشركات الكهرباء، التجمع المهني للطيران، طلاب كلية الطب جامعة دنقلا، العاملين بشركات التأمين، تجمع الكيميائيين السودانيين، طلاب الشهادة السودانية، شرفاء القضاء السوداني، القضاة الأحرار، الزراعيين السودانيين، العاملين بشركات النفط والغاز، شهداء الحركة الطلابية، قضاة السودان، مواكب المعتقلين، شبكة الصحافيين، موكب المهندسين الزراعيين»، فضلا عن مواكب أخرى عديدة بينها مواكب نسوية.
يشار إلى أن المتظاهرين حملوا لافتات تنادي برفض الحكم العسكري، وجابوا شوارع الخرطوم في طريقهم قبل الوصول إلى ساحات قيادة الجيش مقر الاعتصام.
وانضم القضاة للاعتصام للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السودانية في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقالوا إن مشاركتهم تأتي لدعم التغيير وسيادة حكم القانون، واستقلال القضاء.
وشهد القصر الرئاسي ليل الأربعاء اجتماعا بين المجلس العسكري الانتقالي، وقادة الاحتجاجات الممثلين في قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين الذي نظم الحراك الذي أسقط حكم الرئيس البشير.
وقال المتحدث باسم المجلس العسكري الفريق شمس الدين كباشي للصحافيين بعد الاجتماع، إن الطرفين التقيا في كثير من مذكرة تحالف قوى الحرية والتغيير، التي قدمتها له في وقت سابق أمس، وهو ما أكده ممثل تجمع المهنيين أحمد ربيع الذي شدد على أهمية التعاون المشترك بين الطرفين.
وأعلن المجلس العسكري الانتقالي، بعد وقت قصير من انتهاء الاجتماع الأربعاء، في نشرة صحافية أن أعضاءه الثلاثة الذين تطالب المعارضة استبعادهم تقدموا باستقالات من عضوية المجلس، وهم: «الفريق أول ركن عمر زين العابدين، الفريق أول جلال الدين الشيخ، والفريق أول شرطة الطيب بابكر». بيد أن كباشي قال في تصريحات صحافية أمس، إن مجلسه لم يبت رسميا بشأن استقالات أعضائه الثلاثة بعد، وقال: «قوى الحرية والتغيير، كان لها بعض التحفظات على المسؤولين الثلاثة، ونحن نسعى للخروج بالسودان إلى بر الأمان، فتقدموا باستقالاتهم».
وكان تجمع المهنيين السودانيين قد دعا مؤيديه قبل اجتماع المعارضة بالمجلس العسكري، إلى استمرار الاعتصام، وتطوير العمل المقاوم إلى «إضراب عام وعصيان مدني شامل»، بمواجهة ما أسموه وقتها تعنت المجلس العسكري. وقال الكباشي إن المجلس سيحتفظ بالسلطة السيادية فقط وإن المدنيين سيتولون رئاسة الوزراء وكل الوزارات الحكومية. وأضاف «يكون المجلس العسكري الانتقالي له السلطة السيادية فقط دون ذلك مستوى رئاسة مجلس الوزراء والحكومة المدنية وكل السلطة التنفيذية هي مدنية بالكامل».
من جهته، حذر الزعيم المعارض الصادق المهدي، من انقلاب مضاد حال الفشل في التوصل لاتفاق بشأن تسليم السلطة للمدنيين، وذلك بحسب وكالة أنباء «رويترز»، وقال المهدي إن الأجنحة المتشددة في حزب المؤتمر الوطني الذي كان ينتمي له البشير، قد ينفذون انقلاباً بالتعاون مع حلفائها في الجيش، حال فشل المجلس العسكري والمعارضة في تحقيق تقدم في المحادثات.
وتوقع المهدي أن يسلم العسكر السلطة للمدنيين، ووصف رجال الجيش الذين أطاحوا بالبشير بأنهم «ذوو نوايا طيبة، وليسوا مهتمين بتشكيل حكومة عسكرية».
وقطع المهدي بأنه لا يفكر في المشاركة إبان الفترة الانتقالية، بيد أنه لم يستبعد ترشحه للرئاسة بعد انتهاء الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات بعدها.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».