تعتبر نهاية فصل الشتاء وبداية فصل الربيع من الفترات التي تكثر فيها الإصابة بنزلات البرد. وهناك كثير من أدوية البرد حول العالم ولكن بالطبع أشهرها هو عقار «التاميفلو» (Tamiflu).
ورغم ظهوره منذ نحو 20 عاماً على وجه التقريب، فإن العقار لم يكتسب هذه الشهرة الكبيرة بين الجمهور إلا وقت ظهور مرض إنفلونزا الخنازير (swine flu) في عام 2009، الذي صاحبه ذعر وخوف شديدان في جميع أنحاء العالم نظراً لتسببه في حدوث كثير من حالات الوفيات بشكل غير مألوف لمرض مثل الإنفلونزا. وكانت التوصيات بضرورة استخدامه في حالة التأكد من إيجابية الإصابة أو حتى تناوله على سبيل الوقاية عند الشعور بأي أعراض باعتباره العلاج الأمثل للمرض، الأمر الذي أدى إلى تداول الاسم بشكل غير مسبوق.
مضاد الفيروسات
بدأ استخدام «التاميفلو» بشكل موسع للأطفال منذ عام 2012 بعد أن نال موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) على استخدامه في العلاج حتى في الأطفال أقل من عام، وبداية من أسبوعين فقط (لكن لم يتم التصريح باستخدامه وقاية في هذه الفئة العمرية) بجرعة معينة حسب وزن كل طفل على حدة لأقل من عام عكس الأطفال الأكبر عمراً الذين يتم إعطاؤهم جرعة ثابتة بغض النظر عن العمر والوزن.
ويكون العقار عبارة عن مسحوق يتم تخفيفه بالماء لصنع محلول «معلّق» يتم تناوله بجرعة 6 غرامات لكل ملليلتر، مرتين في اليوم. ومن المعروف أن الأطفال أقل من 6 شهور هم أكثر الفئات عرضة للحجز في المستشفيات جراء الإصابة بالإنفلونزا.
يختلف «التاميفلو» عن أدوية الإنفلونزا الأخرى في أنه مضاد للفيروس (antiviral drug) وليس مجرد ملطف لأعراضه ويعمل من خلال تثبيط إنزيم معين في جسم الفيروس مسؤول عن تضاعف وتكاثر نموه في جسم الإنسان وبالتالي يحد من تأثيره. ولذلك تم استخدامه في الوقاية وقت انتشار الإنفلونزا بشكل وبائي (إنفلونزا الخنازير). ويجب أن نعرف أن الاستخدام الأمثل لـ«التاميفلو» يكون في خلال أول 48 ساعة من الإصابة، وأيضاً في الإنفلونزا الحقيقية وليس مجرد نزلات البرد. هناك فرق بين مرض الإنفلونزا ونزلات البرد رغم تشابه الأعراض في كلتا الحالتين، ولكن الإنفلونزا تكون أعراضها أكثر حدة، وفي الأغلب تنتهي بمضاعفات وتستغرق وقتاً أطول في التماثل للشفاء ربما يصل إلى مدة أسبوع.
محاذير الاستخدام
ربما يعتقد الآباء نظراً لشهرة العقار أنه قادر على علاج الإنفلونزا والقضاء عليها بشكل حاسم وفي كل الأمور إذا لم يفد الطفل على الأقل لن يضره، حيث إنه مصرح باستخدامه للأطفال. وبالفعل فإن الدواء حقق نجاحاً كبيراً في الحد من إنفلونزا الخنازير.
ولكن الحقيقة أن هذا التصور غير صحيح علمياً وأن العقار يقلل فترة الاعتلال فقط بمقدار يوم ونصف اليوم أو يومين فقط مقارنة بأدوية البرد العادية، بجانب أن له كثيراً من الأعراض الجانبية، كما يجب أن يوضع في الحسبان أن العقار لا يشفي من المرض، ولكن فقط يخفف من حدته ويجب استخدامه في الأطفال بحذر، ويكون مقصوراً على الأطفال الذين يعانون من الخطورة الكبيرة لاحتمالية الإصابة بالمضاعفات، مثل الأطفال المصابين بالأورام أو خلل في الجهاز المناعي أو أمراض القلب.
ويمكن أيضاً استخدامه في الأطفال الذين يعانون من أعراض شديدة الحدة وليس لمجرد نزلات البرد العادية، نظراً لأعراضه الجانبية على الجهاز الهضمي مثل القيء والغثيان، ولذلك يفضل أن يتم تناوله مع الطعام للتقليل من الأعراض الجانبية. وهناك بعض الأعراض الأخرى البسيطة مثل الإجهاد ونزيف الأنف وأيضاً بعض المضاعفات الخطيرة ولكن نادرة الحدوث ويجب أن يتم عرضها على الطبيب بشكل فوري مثل تورم الوجه أو اللسان وصعوبة التنفس أو صعوبة البلع وتغير الصوت (hoarseness) أو ظهور أعراض تتعلق بالاتزان النفسي العصبي، خصوصاً في الأطفال الأقل من 16 عاماً مثل خلل في الكلام وعدم المقدرة على التعبير الصحيح ولعثمة أو عدم التركيز وحركات لا إرادية أو هلاوس.
يجب ألا يتم إعطاء عقار «التاميفلو» إلا من خلال الطبيب فقط، حيث يحدد مقدار استفادة الطفل من تناوله مقابل أعراضه الجانبية تبعاً لحالة كل طفل على حدة وتاريخه المرضي. ويكون العقار مفيداً بالنسبة للأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل البول السكري من الدرجة الأولى أو مرضى الجهاز التنفسي مثل الأزمة الربوية أو أمراض الكلى المزمنة وكذلك الأمراض التي يكون فيها خلل عصبي عضلي. ويجب على الآباء خصوصاً في الدول التي يمكن فيها الحصول على العقار من دون وصفة طبية ألا يتعاملوا مع العقار مثل أدوية البرد الأخرى التي يتم إعطاؤها للطفل في الأغلب قبل الذهاب للطبيب.
من الأمور التي يجب على الآباء معرفتها أن «التاميفلو» ليس بديلاً عن تطعيم الإنفلونزا الموسمية الذي يمثل نوعاً من الوقاية الحقيقية الممتدة للأطفال بعكس التاميفلو الذي يمثل وقاية مؤقتة مرتبطة فقط باستمرار تناول العقار. وفي النهاية يجب أن تتم الموازنة بين فوائد الدواء وأعراضه الجانبية، خصوصاً أنه غالي السعر مقارنة بالأدوية الأخرى، كما أن نزلات البرد العادية تعتبر من الأمراض التي تتحسن من تلقاء نفسها مع تناول السوائل الدافئة والراحة وبعض الأدوية البسيطة مثل خوافض الحرارة ومضادات الهيستامين التي تخفف أعراض الرشح والسعال.
- استشاري طب الأطفال