تحذير روسي من توسع «الأطلسي»... ودعوة إلى إنشاء منظومة أمنية دولية جديدة

انطلقت، أمس، في موسكو، أعمال الدورة الثامنة لمؤتمر الأمن الدولي، الذي تنظمه وزارة الدفاع الروسية سنوياً. ولم يخفِ المسؤولون الروس ارتياحهم لحجم ومستوى الحضور في المؤتمر لهذا العام، وأعلن نائب وزير الدفاع ألكسندر فومين أن ممثلين عن 111 بلداً شاركوا في أعمال المؤتمر، بينهم 35 وزير دفاع وعشرات من رؤساء الأركان والمسؤولين البارزين في المؤسسات العسكرية للبلدان الحاضرة. وكان للحضور العربي أهمية خاصة، مع تمثيل 16 بلداً عربياً في المؤتمر.
ولفت مسؤولون روس إلى أن النجاح في حشد هذا الحضور الكبير، شكّل رسالة مباشرة إلى حلف شمال الأطلسي وإلى الولايات المتحدة، علماً بأن الطرفين شاركا في أعمال المؤتمر على مستوى متدنٍّ، إذ تم تمثيل بلدان الحلف الغربي على مستوى السفراء أو الملحقين العسكريين في السفارات.
ومع ذلك، كان الأطلسي «الغائب الأكثر حضوراً» في مناقشات اليوم الأول من المؤتمر الذي حمل في دورته هذا العام عنوان «الأمن في العالم المعاصر: الحقائق والظواهر الإقليمية والدولية»، إذ دارت غالبية النقاشات من جانب المتحدثين الروس حول سياسات العسكرة و«تأجيج سباق التسلح»، على حد قولهم، ومساعي توسيع الحلف شرقاً، ونشر أسلحة متطورة في أوروبا.
وقال سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، إن «منظومة التكتلات العسكرية التي تشكلت خلال فترة الحرب الباردة قد تآكلت». وزاد أن التمسك بالأحلاف القديمة بات يشكل خطراً على السلام. ودعا باتروشيف إلى تشكيل «منظومة أمنية دولية شاملة وحقيقية»، مؤكداً أن روسيا مستعدة لتقديم الكثير في هذا المجال.
وأكد باتروشيف أن تزايد الإقبال على هذا المؤتمر دليل على ضرورة وأهمية ما يتمّ طرحه، مشيراً إلى وجود إرادة حقيقية لدى غالبية بلدان العالم لمحاربة الإرهاب والمحافظة على الأمن العالمي. كما دعا «الشركاء في الغرب إلى عدم الانجرار وراء (أوهام القوة) وجعل أوروبا ساحة للأمن بدلاً من أن تكون ساحة للصراع. وزاد أن العالم يشهد حالياً «عودة لغة الإنذارات وقرقعة الأسلحة والشوفينية إلى أوروبا. وأود أن أناشد زملاءنا الغربيين بقلب الوضع. وجعل أوروبا معيار الأمن الإقليمي لصالح قوتنا ومصالحنا المشتركة».
وكان لافتاً تركيز المسؤول الروسي على أفريقيا في كلمته، وهو أمر تكرر بعد ذلك في خطابات المسؤولين العسكريين الروس، إذ اتهم من وصفهم بـ«لاعبين خارجيين» بالسعي إلى «إعادة رسم موازين القوى في أفريقيا» في إشارة بدت لافتة، ورأى فيها البعض تلميحاً إلى الوضع في السودان وليبيا وبلدان أفريقيا الجنوبية.
وقال المسؤول: «نلاحظ زيادة عدم الاستقرار في أفريقيا، إذ اندلع القتال على مواردها الطبيعية. علاوة على ذلك، نرى غالباً محاولات من لاعبين غير إقليميين لإعادة رسم القارة من دون مراعاة إرادة الأفارقة أنفسهم».
وفي الكلمة الرئيسية، أعرب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، عن استعداد موسكو للتعاون مع بلدان أفريقيا وأميركا اللاتينية، مشدداً على أن «العلاقات العسكرية لروسيا قد تعززت مع الدول الأفريقية». وقال شويغو: «أود أن أؤكد لشركائنا التقليديين في أفريقيا، والجزائر، وأنغولا، وجمهورية غينيا، ومصر، وزيمبابوي، والكاميرون، وجمهورية الكونغو، ومالي، ومدغشقر، وموزمبيق، وناميبيا، ونيجيريا، والسودان، وأوغندا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب أفريقيا، أننا منفتحون لتوسيع الاتصالات في جميع الاتجاهات».
كما أعلن وزير الدفاع الروسي عزم بلاده على تعزيز علاقاتها مع دول أميركا اللاتينية، مشيراً إلى أن لدى روسيا «العديد من الأصدقاء والحلفاء التقليديين في المنطقة، وهم: كوبا، ونيكاراغوا، وفنزويلا، والبرازيل، وبوليفيا، والمكسيك، وأوروغواي، وباراغواي، وتشيلي»، وزاد: «نثمّن مستوى الثقة الذي تحقق، وسنعمل على تعزيزه».
وتحدث عن التعاون المتزايد لروسيا مع وزارات الدفاع لدول منطقة آسيا والمحيط الهادي وعلاقات الشراكة الاستراتيجية مع الصين، كذلك وصف التعاون العسكري التقني مع الهند بـ«المميز والآخذ في التوسع»، لا سيما بعد سنوات كثيرة من التعاون في المجال النووي.
وفي مقابل تذكيره بحلفاء موسكو، هاجم شويغو بعنف مساعي حلف شمال الأطلسي (الناتو) للتوسع شرقاً، مشيراً إلى أن الحلف «بات يوسع وجوده قرب الحدود الروسية، وهذا الأمر مرفوض، ولدينا الحق في الرد الحازم».
وأضاف وزير الدفاع الروسي أن الولايات المتحدة توسع وتنشر منظومات صاروخية مع «الناتو»، مشيراً إلى أنها موجهة ضد روسيا والصين. وانتقد السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة، والتي تحاول واشنطن من خلالها «إقحام الجميع في سباق تسلح».
في السياق ذاته، حذر مسؤول بارز في الوزارة من «تنامي القناعة بأن نشاط الولايات المتحدة لنشر وسائل الدرع الصاروخية قرب حدود روسيا، يمهد لتمكينها من توجيه ضربة صاروخية نووية مباغتة ضدنا».
وقال الفريق فيكتور بوزنيخير، النائب الأول لرئيس إدارة العمليات العامة في هيئة الأركان إن الولايات المتحدة تسعى أيضاً، عبر نشر الدرع الصاروخية العالمية، للحصول على إمكانية استهداف أي دولة غير مرحَّب بها في نظر واشنطن من دون أن تكون لهذه الدولة إمكانية الرد.
وحذر بوزنيخير الدول التي تقدم أراضيها لنشر أنظمة الدرع الصاروخية الأميركية من «أخطار قد تلحق بها»، في إشارة إلى إعلان موسكو عزمها توجيه صواريخها نحو المدن الأوروبية التي تنشر فيها واشنطن أسلحة دفاع صاروخية.
إلى ذلك، دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كلمته أمام مؤتمر «حلف الأطلسي» إلى «الحد من تأجيج المواجهة في أوروبا». وقال لافروف إن «التوسع المستمر لـ(حلف الناتو)، وزيادة قدرته المضادة للصواريخ وبنيته التحتية في الجبهة الشرقية أدى إلى ظهور أزمة ثقة جدية في المنطقة الأوروأطلسية. وندعو، بإلحاح، زملاءنا للتخلي عن تأجيج المواجهة ومراعاة الالتزامات التي تعهدوا بها في قمم منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس روسيا - (الناتو) بشأن عدم تعزيز أمنهم على حساب الآخرين».
ونبه الوزير الروسي إلى أن «ثمن الخطأ غير المقصود أو سوء الفهم سيكون مرتفعاً جداً، خصوصاً في حال انعدام الحوار العسكري بين روسيا و(حلف الناتو)».
واتهم الوزير الولايات المتحدة بالسعي عبر نشر الدرع الصاروخية إلى ضمان التفوق العالمي لواشنطن.
وأوضح أن الخطوات غير المسؤولة لواشنطن، وبينها خروجها من الاتفاق النووي مع إيران ومن معاهدة إزالة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى بالتزامن مع نشرها لدرعها الصاروخية التي تهدف لضمان التفوق العسكري العالمي «ألحقت ضرراً جدياً بالاستقرار الاستراتيجي في العالم».