رئيس الحكومة الفرنسية يشارك في «اليوم الوطني لذكرى إبادة الأرمن»

الأحزاب الأرمنية في لبنان أحيتها بمسيرات حاشدة

رئيس الحكومة الفرنسية يشارك في «اليوم الوطني لذكرى إبادة الأرمن»
TT

رئيس الحكومة الفرنسية يشارك في «اليوم الوطني لذكرى إبادة الأرمن»

رئيس الحكومة الفرنسية يشارك في «اليوم الوطني لذكرى إبادة الأرمن»

إذا كانت العلاقات الفرنسية - التركية بحاجة إلى وقود إضافي كي يزداد توترها، فإن احتفال فرنسا بأول «يوم وطني لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن»، أمس (الأربعاء)، بحضور رئيس الحكومة إدوار فيليب، يوفر هذا الوقود، حيث لم تتأخر أنقرة في توجيه الانتقادات اللاذعة لفرنسا. لكن ردة الفعل التركية كانت منتظرة، وباريس كانت تعيها، إلا أن الاحتفال كان وعداً قطعه الرئيس ماكرون في العام 2017. وقد حرص على الوفاء به بعد أن أعاد التأكيد عليه لممثلي الجالية الأرمنية النافذة في فرنسا.
ولم يقتصر الاحتفال على باريس وحدها، بل حصل في كثير من المدن الكبرى، منها مرسيليا ونيس وليون وأورليان وفالونس، وفي كثير من المدن المحيطة بالعاصمة. وتعكس مشاركة إدوار فيليب الرسمية اهتمام السلطات بهذه الجالية؛ خصوصاً أن فرنسا تقف على عتبة الانتخابات الأوروبية، التي ستجرى في 26 مايو (أيار) المقبل.
ومنذ العام 2001، اعترفت فرنسا بمذبحة الأرمن على أيدي الأتراك في العام 1915 وصنّفتها عملية إبادة جماعية في قانون أقرّه البرلمان الفرنسي. لكن تحويل ذلك إلى «يوم وطني رسمي» جاء بمبادرة من الرئيس ماكرون. واختيار يوم 24 أبريل (نيسان) مردّه إلى أنه في ذاك اليوم من العام 1915، تم الإجهاز على 600 مثقف أرمني في القسطنطينية «إسطنبول»، وكانت إشارة البدء بالمذبحة التي يؤكد الأرمن أنها قضت على 1.2 مليون أرمني، أي ما يساوي ثلثي الأرمن الذين كانوا يعيشون في السلطنة العثمانية. كذلك، تم تشريد مئات الآلاف منهم، ما يفسّر وجود جاليات أرمنية في كثير من بلدان العالم، منها لبنان وفرنسا والولايات المتحدة، بيد أن السلطات التركية والأتراك بشكل عام يرفضون هذه الرواية، ويدعون إلى إنشاء لجان دولية من أجل القيام بأبحاث لجلاء هذه المسألة.
ويرى المؤرخ فانسان دوكليرت، الذي عمل كثيراً على «المسألة الأرمنية»، أن «التعبئة الاجتماعية» التي يوفّرها «اليوم الوطني» في فرنسا يمكن أن تكون «وسيلة ضغط وسلاحاً فعالاً» يمكن إشهاره بوجه تركيا المستمرة في «نكران» المجزرة المرتكبة بحق الأرمن. ويقدر عدد الأرمن في فرنسا بـ600 ألف شخص، ولهم حضور اقتصادي وثقافي وسياسي مرموق. وكان أبرز شخصية أرمنية فرنسية هو المغني المتوفى شارل أزنافور، واسمه الحقيقي «أزنافوريان».
وفي لبنان، سار مئات من أصول أرمنية، أمس، في مسيرة نظمتها الأحزاب الأرمنية الثلاثة، الطاشناق والهنشاك والرامغافار، في ذكرى الإبادة الأرمنية، وانطلقت من برج حمود باتجاه أنطلياس؛ حيث أقيم احتفال ديني وسياسي.
وتضامن السياسيون اللبنانيون، أمس، مع الأرمن في ذكرى الإبادة، وقال وزير الخارجية جبران باسيل: «لا يستقيم التاريخ بالمساواة بين الظالم والمظلوم»، فيما قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط: «الإبادة الأرمنية، لن ينسى التاريخ تضحيات هذا الشعب الكبير. التحية كل التحية لشهدائه الأبرار».
وغرّد وزير السياحة، أفيديس كيدانيان، عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «24 أبريل ذكرى أبشع ما ارتكبه الإنسان تجاه أخيه الإنسان. 24 أبريل ذكرى انتصار إرادة شعب، كتب له البعض الموت، فأبى إلا أن يحيا. 24 أبريل، التاريخ سوف يشهد، والمستقبل سوف يسجل، الأتراك سوف يعترفون، والأرمن سوف ينتصرون».
من جهته، غرّد عضو كتلة «الكتائب» النائب إلياس حنكش، عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «اضطهاد وتهجير ومقاومة... صمود وقيامة ‏على أمل إقرار اقتراح القانون الذي قدمناه، الرامي إلى تكريس 24 أبريل يوماً وطنياً لذكرى الإبادة الأرمنية والمجازر السريانية، الآشورية والكلدانية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟