وزير الري المصري لـ {الشرق الأوسط} : اتفقنا مع إثيوبيا على آلية دولية لحسم الخلافات

حسام مغازي أكد أن اتفاقيات مياه النيل السابقة مثل الحدود لا تملك الأنظمة المتعاقبة تغييرها

وزير الري المصري حسام مغازي («الشرق الأوسط»)
وزير الري المصري حسام مغازي («الشرق الأوسط»)
TT

وزير الري المصري لـ {الشرق الأوسط} : اتفقنا مع إثيوبيا على آلية دولية لحسم الخلافات

وزير الري المصري حسام مغازي («الشرق الأوسط»)
وزير الري المصري حسام مغازي («الشرق الأوسط»)

وصف وزير الري والموارد المائية المصري، حسام مغازي، الاتفاق الذي تم التوصل إليه في العاصمة السودانية الخرطوم في اجتماعات اللجنة الثلاثية لوزراء الري والموارد المائية في كل من مصر والسودان وإثيوبيا، بشأن إنفاذ توصيات لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بـ«سد النهضة» الإثيوبي، بـ«الإيجابي» وبأنه أنهى التعثر الذي ساد الجولات الثلاث السابقة.
وفيما يلي ابرز ما جاء في حواره مع «الشرق الأوسط».

قال إن وصيفه السوداني أبلغه بأن السودان موافق على ما تتفق عليه مصر وإثيوبيا، وطلب منه إعادة النظر في مبادرة حوض النيل لزيادة موارد النهر من المياه، وأنه وعد ببحث أمر عودة مصر للمبادرة على أعلى المستويات بمجرد عودته لبلاده. ورفض الوزير بشدة ما تطالب به بعض دول الحوض من إعادة النظر في اتفاقيات مياه النيل السابقة، ووصف تلك الاتفاقيات بأنها مثل الحدود لا تملك الأنظمة المتعاقبة تغييرها.
* جاءت مصر لاجتماع اللجنة الثلاثية في الخرطوم لتطالب بوقف العمل في بناء سد النهضة لحين اكتمال الدراسات الفنية، والاستعانة بخبراء دوليين بصفة محكمين، وهما الأمران اللذان ترفضهما إثيوبيا.. إلى ماذا توصلتم؟
- بدءا أشيد بدور السودان في المباحثات، وبالجو الإيجابي الذي ساد بيننا وبين إثيوبيا والسودان. وقد جاء الوفد المصري للوصول لاتفاق ينهي التعثر الذي ساد الجولات السابقة. ويمكنني القول إن الوفد المصري أتى للاتفاق على الجزء الأخير من السؤال ومطالب أخرى، بينها الاطمئنان إلى عدم وجود أضرار لإنشاء السد، وقد حقق الاجتماع كل هذه المطالب.
لقد اتفقنا على تحديد مكتب استشاري دولي يجري الدراسات اللازمة ويحدد سعة السد وعدد سنوات ملء البحيرة، بما لا يضر بمصر والسودان، وعلى خبراء دوليين للفصل في الاختلافات التي قد تنشب وفقا لتقرير المكتب الدولي، وسيحسم هؤلاء الخبراء الخلافات وقرارهم ملزم للجميع.
وحصلنا على تطمينات لشعبي مصر والسودان بأن إثيوبيا ستلتزم بالدراسات الجارية، ولسنا متخوفين من استمرار أعمال بناء السد، لأن العمل ما زال في مراحله الأولى، وتبدأ المرحلة الأولى من البناء قبل ديسمبر (كانون الأول) 2015، أي قبل التشغيل، رغم أن تقرير المكتب الاستشاري الدولي سيكتمل بنهاية مارس (آذار) المقبل بعد اكتمال الدراسات، ويمكننا تدارك أي شيء قبل بدء التشغيل.
لقد حققنا هدفا مزدوجا في هذه المباحثات: انتهاء اللجنة من عملها خلال ستة أشهر، ووجود خبراء دوليين ولجنة وطنية، تطلع على دراسات الدول الثلاث، وتزود المكتب الدولي بالبيانات المعتمدة من اللجنة الوطنية.
* لكن المرحلة الأولى هي المرحلة الإنشائية وتعد الأساس لبناء السد، والجانب الإثيوبي أعلن أنه لن يوقف البناء.. ماذا تفيد الدراسات التي ستجرى بعد ذلك، وما جدواها الهندسية؟
- هناك مجموعة دراسات وليست دراسة واحدة: دراسة خاصة بأمان السد، وهل هو آمن إنشائيا.. ودراسة عن كمية المياه التي تحجز في البحيرة، وثالثة تتعلق بالتأثيرات البيئية والاجتماعية للسد. ولكل دراسة مسار مختلف، فدراسة «أمان السد» للتأكد من اتزانه إنشائيا، وحتى لا تعطل استمرار البناء فإن إثيوبيا أعلنت أنها أكملت هذه الدراسة استنادا إلى توصيات لجنة الخبراء الدولية، وأنها ستتيح للوفد المصري في أول زيارة له للسد (الأسبوع المقبل، أوائل سبتمبر/ أيلول) الاطلاع عليها وتمحيصها والتحقق منها، فإذا اطمأن الوفد إلى أن السد آمن من الناحية الإنشائية، تكون هذه أول خطوة.
مخاوفنا لا تكمن في البناء في حد ذاته، بل في كمية المياه التي يتم تخزينها. ليست لدينا موانع من إنشاء أي سد حتى لو بلغ ارتفاعه عشرة أضعاف الارتفاع الحالي، لكن ما يرعبنا ويخيفنا هو كمية المياه التي تخزن. وسنطلع في الزيارة على الجوانب الفنية والإنشائية وموقع السد ومدى التقدم في إنشائه، لنبدأ بعدها خطوات بناء الثقة لدى الأطراف الثلاثة، وأتوقع أن يكون هناك تعاون إيجابي مكان الشك وعدم الوضوح الذي كان سائدا في السابق.
* رفع الإعلام المصري سقف التوقعات، وجعل شعب مصر يتوقع «وقف عمليات بناء السد».. ألا يمكن وصف الاتفاق الذي تم أول من أمس بـ«المحبط» للشعب المصري؟
- يعلم شعب مصر أننا لم نأت للتفاوض على عدد سنوات ملء بحيرة الخزان أو حجم السد، بل لوضع آلية لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية والوصول لخارطة طريق. ولو أننا دخلنا في مباحثات على عدد سنوات ملء بحيرة الخزان أو حجم المياه المخزنة فيها، فإننا سنختلف ونستغرق شهورا دون الوصول لحل، لذلك اتفقنا على حسم هذا الأمر بواسطة مكتب استشاري دولي، وكما هو معروف فعند اختلاف طرفين يتم اللجوء لطرف محايد للفصل بينهما، وهو أسلوب حضاري لحل المشاكل.
أطمئن الشعب المصري أن مصر لم توافق على حجم معين من المياه يتم تخزينه، ولم تحدد عدد سنوات معينة لملء بحيرة السد، ولم توقع على أي شيء يضر بمصالحها، وأننا حددنا خطوات لمتابعة عمل اللجان أسبوعيا لتنهي دراساتها في وقتها وعلى وجه الدقة. ولتكون الأمور واضحة، دورنا في ما تم من اتفاقيات لا يتضمن بحث المسائل الفنية، فقد تركناها للخبراء ليحددوا حجم التخزين وسنوات الملء، بحضور طرف محايد.
* هناك اعتقاد مصري أن دعم السودان لبناء السد مجرد «مكايدة سياسية».. ما رأيك؟
- السودان طرف أساسي في هذه القضية وليس وسيطا، ولا قدر الله فإذا تضرر البناء سيكون السودان أول المتضررين، وبالتالي فإن مخاوفنا تشمل السودان أيضا. أنا أعلم أن السودان يشاركنا الرأي حول أمان السد لأنه أول المتضررين، وفي الوقت ذاته نعلم أن للسد العديد من الفوائد للسودان وإثيوبيا، ونحن لسنا ضد استفادتهما منه، لكننا - كما قلت - قلقون بشأن كمية المياه المخزنة وأمان السد. ويعرف الشعب المصري أن السودان رعى هذا الاتفاق للوصول به إلى بر الأمان، ولعب دورا إيجابيا في التوصل له، ونحن حكومة وشعبا نثمن الدور السوداني في هذه الاتفاقيات ونحسبه له. وقد قلتها أكثر من مرة: لن ننسى هذا الموقف للسودان بالوصول بالمباحثات إلى بر الأمان.
* لكن موقف السودان المعلن هو مع بناء السد، هل أدرتم مباحثات ثنائية لتقريب المواقف بين البلدين؟
- لكل دولة رؤيتها الخاصة، فهناك خلاف بين مصر وإثيوبيا لجأنا بشأنه لمكتب استشاري دولي، وقد أخبرني الوزير السوداني بأن بلاده موافقة على ما تتفق عليه مصر وإثيوبيا. هذه روح إيجابية لأن السودان لا يريد تعقيد الأمور بل يسعى لتبسيطها ويعمل بحياد لتقريب وجهات النظر، ونحن نشيد بهذا الدور.
* أيهما أكثر إثارة لقلق مصر، سلامة السد أم سعته التخزينية؟
- كلاهما مقلق وخطر، فمن ناحية أمان وسلامة السد سنطلع على الوضع الأسبوع المقبل - بداية سبتمبر - وبعد الاطمئنان على ذلك تتبدد مخاوفنا بشأن سلامة السد، لنبدأ رحلة المخاوف الثانية من حجم المياه المخزنة، وهو موضوع سيتم التأكد منه خلال ستة أشهر - نهاية مارس المقبل.
* ظلت إثيوبيا على الدوام تردد أن السد لإنتاج الكهرباء، فيما نشرت وسائل إعلام مصرية دراسات تقول إنه سيستخدم لأغراض زراعية.. كيف تنظر وزارة الري المصرية لتلك الدراسات؟
- إثيوبيا أكدت أن هذا السد لإنتاج الكهرباء، وقال لي الوزير الإثيوبي إن المساحة المجاورة للسد غير صالحة للزراعة، وإن عملية الري صعبة فنيا خاصة بعد امتلاء البحيرة بسبب وجود مناطق وعرة يصعب الوصول إليها. على العموم عندما نشرع في إجراءات بناء الثقة ستتبدد كل هذه المخاوف.
* هل اتفقتم على إجراءات لبناء الثقة، مثلا وقف التصعيد الإعلامي؟
- طلبت من الوزير الإثيوبي توجيه رسائل إيجابية للشعب المصري تتضمن إتاحة الزيارات لوسائل الإعلام والفنيين المصريين لموقع السد من حين لآخر فوافق على الفكرة.
* تواجه مصر في الأصل عجزا في مواردها المائية.. علميا كيف يؤثر قيام السد على أنصبتها من المياه؟
- لن تكون هناك مشكلة إذا كشفت الدراسات المزمعة أن حجم المياه التي يختزنها السد لا يضر بنا، ونسعى إضافة لهذا للاستفادة من الفواقد في مياه النيل في جنوب السودان أو بعض أجزاء من إثيوبيا، وسنركز جميعنا على كيفية الاستفادة منها، مما يقود إلى بناء تعاون مع دول حوض النيل الأخرى لزيادة إيرادات النهر، وسنبدأ قريبا - إن شاء الله - بزيارات لإعادة الثقة مع هذه الدول، لتوضيح أن مصر لا تختزل الأمر على سد النهضة وحده.
* بهذه الرؤى.. هل تفكر مصر في الانضمام لاتفاقية عنتيبي؟
- طلب الوزير السوداني من مصر دراسة أمر العودة للانضمام لمبادرة حوض النيل بعد أن جمدت مشاركتها فيها للأسباب المعلومة للجميع، وبناء عليه سنبدأ النظر مرة أخرى في التواصل مع هذه المبادرة، وللسودان دور يلعبه في تقريب وجهات النظر، وأقول: كل شيء وارد.
* من حديثك فإن السودان ضمنيا وافق على «عنتيبي» ويدعو مصر للانضمام لها؟
- لا، أنا أتحدث عن مبادرة حوض النيل، والسودان منضم لها حاليا، وموقع مصر يؤثر على نشاط هذه المبادرة بما لها من ثقل فني، ويتطلع السودان لأن نعود إليها ليكون فيها الخير لكل دول الحوض، وبعد أن نعود للقاهرة سنطرح الموضوع للمناقشة على جميع المستويات.
* مصر ما زالت متمسكة باتفاقيتي مياه النيل 1929 و1959، في الوقت الذي تنظر فيه غالب دول الحوض لتلك الاتفاقات بأنها وقعت في عهد الاستعمار، وأن الحكومات الوطنية غير ملزمة بها.. هل تفكر مصر في إعادة النظر في هذه الاتفاقيات والبحث عن اتفاقيات جديدة لمعالجة هذه المشاكل؟
- نحن نتحدث عن المبادرة وغيرها من الاتفاقيات، وستتضح أشياء كثيرة، لكن موقف مصر القانوني يتمثل في أن الاتفاقيات لا تختلف باختلاف الأنظمة، مثلها مثل الحدود تورث ولا يمكن التنصل عنها. مصر ما زالت متمسكة بهذه الاتفاقيات، ولو أنها فتحت بابا للتحرر من اتفاق فإنها ستنفتح أبوابا كثيرة للاختلافات، فهي الأخرى كانت مستعمرة في 1929.
* هل ستكون هناك اجتماعات على مستوى الوزراء خلال فترة الأشهر الستة التي يتوقع أن يصدر خلالها تقرير لجنة الخبراء؟
- سيكون هناك اجتماع شهري لوزراء مياه الدول الثلاث لمتابعة تطور الملف، ومدى توافق الجدول الزمني مع ما يتم تحقيقه على الأرض، وقد وقع هذا في خارطة الطريق في المباحثات.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.