الجزائريون يواصلون التظاهر... وقائد الجيش يتشبث بالخيار الدستوري

بينما طوى حزب «جبهة التحرير الوطني»، صاحب الأغلبية بالجزائر، صفحة قائده معاذ بوشارب بتنظيم اجتماع طارئ لاختيار خليفة له، هاجم رئيس أركان الجيش قايد صالح، الحراك المعارض لرموز النظام من جديد، ورفض النزول عند مطالبه، المتمثلة في رحيل الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي، وإلغاء رئاسية الرابع من يوليو (تموز) المقبل.
وخلال المظاهرات التي عرفتها العاصمة الجزائرية أمس، وقف الناشطون بالحراك على قائد الجيش الذي خاطبهم من «الناحية العسكرية الأولى» (وسط)، كخصم سياسي عنيد، تملص من تعهدات سابقة قطعها، تتعلق بـ«التماهي مع كل مطالب الشعب». وقد ترقب قطاع واسع من الجزائريين منذ الجمعة الماضي رد فعل الضابط العسكري الكبير، على تمسك المتظاهرين بمطلب رحيل «بقايا النظام البوتفليقي»، لكن الجواب جاءهم أمس مخيبا للآمال.
وقال قايد صالح في كلمة نشرتها وزارة الدفاع، وتابعها عدد كبير من الضباط والجنود: «سجلنا ظهور بعض الأصوات التي لا تبغي الخير للجزائر، تدعو إلى التعنت والتمسك بالمواقف نفسها، دون الأخذ بعين الاعتبار كل ما تحقق، ورفض كل المبادرات ومقاطعة كل الخطوات، بما في ذلك مبادرة الحوار، التي تعتبر من الآليات الراقية التي يجب تثمينها، لا سيما في ظل الظروف الخاصة التي تمر بها بلادنا». في إشارة إلى المقاطعة الكبيرة التي شهدها «الاجتماع التشاوري»، الذي نظمته رئاسة الدولة أول من أمس، بغرض بحث إطلاق «هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات»، والتحضير لرئاسية شهر يوليو.
وبدا صالح متذمرا من عدم مشاركة أحزاب المعارضة، وبعض أحزاب الموالاة في اللقاء، ودعا إلى «استغلال كل الفرص المتاحة للتوصل إلى توافق في الرؤى، وتقارب في وجهات النظر، تفضي لإيجاد حلول للأزمة، في أقرب وقت ممكن، لأن استمرار هذا الوضع ستكون له آثار وخيمة على الاقتصاد الوطني، وعلى القدرة الشرائية للمواطنين، لا سيما ونحن على أبواب شهر رمضان الفضيل، وكل هذا يؤكد أن هذه الأصوات والمواقف المتعنتة تعمل على الدفع بالبلاد إلى فخ الفراغ الدستوري، والدخول في دوامة العنف والفوضى، وهو ما يرفضه أي مواطن مخلص لوطنه، ويرفضه الجيش الوطني الشعبي قطعا».
ويوجد إجماع لدى الطبقة السياسية، بمختلف انتماءاتها، على أن الحل الدستوري، الذي يدعمه الجيش، يبقي على رموز النظام الذين يرفضهم الحراك الثائر عليهم منذ شهرين كاملين. لكن قيادة الجيش متمسكة به وترفض الخروج عنه، ويتمثل في استمرار بن صالح رئيسا للدولة، خلفا للرئيس المستقيل، وفي تنظيم انتخابات في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ استقالة بوتفليقة (2 أبريل «نيسان» الحالي). ويطالب الحراك بإطلاق «هيئة رئاسية» تتكون من شخصيات لا علاقة لهم بالنظام السابق.
وبحسب صالح، فإن الجزائر «طالما كانت عُرضة للمؤامرات الدنيئة لزعزعة استقرارها وتهديد أمنها، جراء مواقفها الثابتة وقرارها السيد الرافض لكل الإملاءات، وقد توصلنا إلى معلومات مؤكدة حول التخطيط الخبيث للوصول بالبلاد إلى حالة الانسداد، الذي تعود بوادره إلى سنة 2015».
ولم يذكر صالح ما هي «المؤامرات» ولا مصدرها. أما حديثه عن «الانسداد» الذي بدأ في 2015، فهو إشارة إلى عزل مدير المخابرات محمد مدين في هذا العام، وهو يحمله كل المشاكل السياسية، التي وقعت في البلاد. وقال بهذا الخصوص: «لقد تم كشف خيوط هذه المؤامرة وخلفياتها، ونحن نعمل بكل هدوء وصبر على تفكيك الألغام، التي زرعها أولئك الفاسدون المفسدون في مختلف القطاعات والهياكل الحيوية للدولة، وسيتم تطهير هذه القطاعات بفضل تضافر جهود جميع الخيّرين، ثم بفضل وعي الشعب الجزائري الغيور على وطنه، وجاهزية أبنائه وإخوانه في الجيش الوطني الشعبي المرابطين على ثغور الوطن، والحريصين على استرجاع هيبة الدولة ومصداقية المؤسسات وسيرها الطبيعي».
في غضون ذلك، أعلن قائد الجيش، الذي يعد حاليا القائد الفعلي للبلاد، صراحة أنه يقف وراء سجن المليارديرات الخمسة بتهم الفساد (يسعد ربراب والإخوة كونيناف الأربعة)، وقال بهذا الخصوص: «دعوت جهاز العدالة بأن يسرّع من وتيرة متابعة قضايا الفساد ونهب المال العام، ومحاسبة كل من امتدت يده إلى أموال الشعب، وفي هذا الصدد خاصة، أثمن استجابة جهاز العدالة لهذا النداء، الذي جسد جانباً مهماً من المطالب المشروعة للجزائريين، وهو ما من شأنه طمأنة الشعب بأن أمواله المنهوبة ستسترجع بقوة القانون وبالصرامة اللازمة». لكن مراقبين عدوا كلام صالح تدخلا في شؤون القضاء، يمنعه الدستور.
ورفض صالح بحدة، صور ملاحقة وزراء ومسؤولين حكوميين في الشارع من طرف عدد كبير من الأشخاص بدافع رفض كل رجال النظام، وذكّر بأن «التحريض على عرقلة عمل مؤسسات الدولة، ومنع المسؤولين من أداء مهامهم، تصرفات منافية لقوانين الجمهورية، لا يقبلها الشعب ولا الجيش، الذي تعهد بمرافقة هذه المؤسسات وفقا للدستور».
في سياق ذلك، أودع رئيس ومدير عام مجموعة «سيفيتال» يسعد ربراب، الذي يعتبر أغنى رجل في الجزائر، السجن ليل أول من أمس، إثر مثوله أمام النيابة في إطار تحقيق يتصل بمكافحة الفساد، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أمس.
وذكر التلفزيون الرسمي أنه تم توقيف ربراب (74 عاما) «للاشتباه بتورطه في التصريح الكاذب المتعلق بحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج»، إضافة إلى «شبهة بتضخيم فواتير استيراد عتاد مستعمل، رغم استفادته من امتيازات مصرفية وجمركية وضريبية».
من جهة ثانية، عقدت «اللجنة المركزية» لـ«جبهة التحرير» اجتماعا استثنائيا بالعاصمة، لاختيار أمين عام جديد، بعد تنحية «منسق الحزب» معاذ بوشارب، وهو في الوقت نفسه رئيس «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى). وسادت بداية اللقاء حالة من الفوضى، وتوتر الأعصاب بين مجموعة من المتنافسين، أشهرهم أحمد بومهدي وعبد الحميد سي عفيف وأحمد بدعيدة. واستمر الاجتماع إلى ساعة متأخرة لكن دون التوصل إلى اختيار أمين عام جديد.