حراك صامت لثني كتل سياسية عراقية عن التوجه للمعارضة

خشية إسقاط حكومة عبد المهدي

TT

حراك صامت لثني كتل سياسية عراقية عن التوجه للمعارضة

لا يبدو على رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الاكتراث لما يدور داخل أروقة الكتل السياسية المكونة لحكومته. فالحكومة التي لاتزال غير مكتملة والتي نالت الثقة قبل نحو ستة أشهر تمارس مهامها بصورة أكثر من طبيعية سواء على صعيد متابعة ملفات الداخل، وهي كثيرة وليس أقلها الفيضانات والسيول، أو توقيع المزيد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع دول الجوار.
منظر عبد المهدي ومعه 11 وزيراً من أصل 18 وزيراً وهم بثياب الإحرام يطوفون بالبيت العتيق على هامش الزيارة إلى المملكة العربية السعودية يبدو في غاية الاطمئنان بأن هذه الوزارة مرشحة لإكمال السنوات الأربع المقبلة برغم تهديدات قوى سياسية وبرلمانية التوجه إلى المعارضة تمهيداً لتشكيل كتلة أكبر يمكن أن تسحب الثقة منها. حتى هذا الافتراض المعمول به في كل الديمقراطيات في العالم يجري تطويقه الآن لكن ليس من عبد المهدي أو فريقه الحكومي المنسجم برغم ملاحقة بعض الوزراء بتهم مختلفة، بل من القوى السياسية نفسها التي تخشى على الحكومة أكثر من خشية الحكومة نفسها.
ويرجع سياسي عراقي مستقل السبب في ذلك إلى أن «مصدر قوة رئيس وزراء عادل عبد المهدي أمران متداخلان، الأول عدم تشكيل كتلة أكبر داخل قبة البرلمان يكون رئيس الوزراء مسؤولاً أمامها والثاني عدم وجود توافق تام بين الكتلتين الرئيسيتين في البرلمان حالياً وهما (الإصلاح) و(البناء)». ويضيف السياسي العراقي لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم الإشارة إلى اسمه، أن «هذين الأمرين جعلا من عبد المهدي رئيس وزراء ضرورة لعدم وجود بديل أفضل منه حالياً ولعدم القدرة على اختيار البديل خلال فترة قريبة من قبل هذه الكتل المتصارعة».
وحول ما إذا كان رئيس الوزراء مطمئناً إلى التعامل مع هذا الحال، يقول السياسي العراقي إن «عبد المهدي ليس راضياً عما يجري لأنه أولاً لا يحب المشاكل أو يلعب على التناقضات، بل هو يريد أن يعمل بإخلاص، وثانياً هو يدرك أنه ليس هو سبب عرقلة إكمال الحكومة أو مساعدتها في تنفيذ البرنامج الحكومي»، مبيناً أن «الجميع بات يدرك أن أداء الرجل جيد، خصوصاً على مستوى العلاقات الخارجية سواء مع الجيران أو مع الولايات المتحدة الأميركية».
إلى ذلك، حفز التفاهم بين كتلة «سائرون» المنضوية في تحالف الإصلاح وكتلة «الفتح» المنضوية في تحالف البناء كتلاً أخرى في كلا التحالفين لإجراء مباحثات فيما بينها باتجاه بلورة رؤية قد تجعلهم يذهبون إلى المعارضة. وطبقاً للمعلومات المتداولة فإن أبرز الكتل التي خاضت في غضون الفترة الماضية مفاوضات بهذا الاتجاه هي «الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، و«النصر» بزعامة حيدر العبادي و«دولة القانون» بزعامة نوري المالكي. وبرغم الانتقادات التي وجهها قيادي بارز في تيار الحكمة الوطني لما أسماه «اختزال التحالف بكتلتين»، في إشارة إلى «سائرون» و«الفتح»، فإن أطرافاً سياسية مختلفة عملت على تهدئة مخاوف هذه الكتل باتجاه منحها مشاركة أوسع في الحكومة وإداراتها المختلفة خلال المرحلة المقبلة بعيداً عن محاولات الاستئثار بالمواقع والمناصب من قبل كتل معينة. ويقول صلاح العرباوي القيادي في تيار الحكمة في تصريح: «إن تحالف الإصلاح والإعمار هو تحالف مؤسساتي بكل معنى الكلمة؛ لكن هناك إشكالات في بعض التحالفات السياسية ونحن نحترم القرارات وآراءهم، ولكن ليس على حساب التزامات التحالف». وأضاف العرباوي أن «ائتلاف سائرون في الفترة الماضية كانت له رؤية بالذهاب إلى ائتلاف الفتح وعلى هذا الأساس شكلت حكومة 2018»، مشيراً إلى أن «مثلث الحاكمية في 2018 («سائرون» و«الفتح» وعبد المهدي) قد اختلف عن السابق، وسيكون لـ(الحكمة) قراراً مختلفاً عن جميع القرارات السابقة، ولكن (سائرون) لا يزال يؤكد تمسكه بتحالف الإصلاح». ولفت إلى أن «المعارضة خيار قائم، وهو راجح شعبياً، وبعض القوى السياسية لا تجد نفسها في الحكومة، ومن حقها التوجه إلى هذا الخيار وهذه حالة صحية في تقويم الحكومة».
في السياق نفسه، يقول الدكتور عامر حسن فياض، عميد كلية العلوم السياسية في جامعة النهرين ببغداد، لـ«الشرق الأوسط»: «إن أخطر ما تواجهه الديمقراطية هو أن تمارس من دون ديمقراطيين»، مبيناً أن «الحالة العراقية هي مصداق لهذا المثال، حيث إننا نجد أن لدينا ديمقراطية عبر الأحزاب والانتخابات والتداول السلمي للسلطة لكن دون وجود من يؤمن بالديمقراطية أو في أفضل الأحوال تبدو ممارسة الديمقراطية مشوهة بالكامل». ورداً على سؤال بشأن مخاوف الكتل السياسية من ذهاب بعضها نحو المعارضة وإغرائها بالبقاء في السلطة مع زيادة حصصها في الحكومة بمختلف مؤسساتها، يقول فياض إن «هؤلاء السياسيين لو كانوا ديمقراطيين لكانوا قد سعوا إلى أن تكون هناك قوى مساندة للحكومة وأخرى معارضة، بيد أن المشكلة تكمن في ثقافة العقل السياسي العراقي التي هي ليست ثقافة ديمقراطية»، مشيراً إلى أن «جوهر الديمقراطية هو الإقرار بالتعددية وقبول المعارضة وشيوع ثقافة الاستقالة، وما إلى ذلك من ممارسات إيجابية».
وأوضح فياض أن «الجميع يخلط بين التوازن وبين المحاصصة، حيث إن التوازن يتحقق حين لا تحضر المحاصصة التي تقوم على أساس تمثيل المكونات بينما التوازن يتحقق عبر أحزاب سياسية تشارك في الحكومة لكن دون أن تدعي تمثيل المكونات أو اختزالها بها».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».