عند مغادرة المنزل، يحمل الناس عادة المفاتيح والهاتف الذكي والمحفظة. ولكن هل سيعتبر نسيانهم لهذه الأخيرة كارثة؟ قد لا يكون الأمر كذلك في المستقبل القريب لأنّ المحفظة التقليدية دخلت في مرحلة ما قبل الانقراض.
الهاتف المحفظة
يوفّر الهاتف الذكي يوماً بعد يوم، المزيد من الخدمات التي شكّلت الأسباب الرئيسية لحمل المحفظة، ولكن بصيغة رقمية، من عرض للصور إلى الدفع بواسطة الهاتف.
فكّروا في الأمر. في المطار، تقدّمون جهاز الآيفون أو الآندرويد بدل المستندات الورقية لموظّف الأمن الذي سيتحقق من بطاقة الصعود على الطائرة ويمسحها بجهاز الماسحة. يمكنكم أيضاً مسح بطاقات المباريات الرياضية أو السينما والحفلات الموسيقية.
تسمح معظم الولايات الأميركية الآن للسائقين بتقديم نسخة رقمية من بطاقة تأمين المركبة في نقطة لتفتيش السيارات على الطرقات.
وعمّا قريب، سيصبح بإمكان طلّاب جامعات ديوك، ألاباما، أوكلاهوما، تمبل، جونز هوبكنز، وسانتا كلارا من استخدام تطبيق «واليت» Wallet app المتوفر على أجهزة الآيفون لتقديم بطاقة جامعية رقمية (لا تتطلّب احتكاكاً، أي اتصالا مباشرا)، ومن المتوقع أن تحذو الجامعات الأخرى حذوها.
ولعلّكم لن تنتظروا كثيراً قبل استخدام هواتفكم على شكل بطاقة تعريف مهنية أيضاً، كما يفعل موظفو آبل في مقرّ الشركة «آبل بارك». ونعم، ستعتمدون على هواتفكم الذكية أكثر كبديل للبطاقات المصرفية بكلّ أنواعها لإتمام خدمات الدفع عبر تطبيقات كـ«آبل باي» و«غوغل باي» و«سامسونغ باي» و«كاش آب» و«فينمو» و«باي بال» وغيرها من التطبيقات.
قالت تيفاني كونواي، مديرة قسم التسويق في البرامج الحكومية في «جيمالتو»، الشركة الأمنية العالمية المسؤولة عن إصدار رخص القيادة الرقمية: «لقد أصبحنا قريبين من نقطة التحوّل الزمنية نحو تفضيل الوسائل الرقمية للدفع والتعريف».
مخاوف أمنية
الأكيد أنّ زوال المحفظة التقليدية ليس قريباً، خاصة أن العادات الاستهلاكية غالباً ما تكون صعبة الكسر، فضلاً عن أن استخدام بعض أنواع المحافظ وبطاقات الدفع وغيرها من المقتنيات متجذّر ويعود إلى عصور قديمة. ورغم كلّ الأحاديث الدائرة عن المجتمعات غير النقدية، فلا بدّ من التأكيد على أنّ العملة الورقية لن تختفي في وقت قريب.
وقد أظهر استطلاع أخير أجرته شركة «سورفي مونكي أودينس» بالنيابة عن موقع «يو إس إي توداي» الشهر الفائت، أنّ 68 في المائة من 1218 مستخدما للهاتف الذكي شاركوا في الاستطلاع، يرجّحون حلول الهاتف أخيراً كليّاً محلّ المحفظة التقليدية، بينما يعتقد 45 في المائة منهم أنّ المحافظ ستنقرض بشكل كامل خلال خمس سنوات أو ربّما قبل.
لا تزال هذه النهاية بعيدة جداً عن سيث بوشوالتر، مدير العلاقات العامة في شركة «سباركلوفت ميديا» في بورتلاند، أوريغون. إذ يستخدم بوشوالتر تطبيقي «فينمو» و«آبل باي» على هاتفه الآيفون، ولكنّه في الوقت نفسه، يشكّل مثالاً للمستهلك الذي لا يزال يشعر بالتردد حيال التخلّص نهائياً من محفظته.
يقول بوشوالتر إنّ «الناس معتادون على فقدان وتحطيم هاتفهم أو على نفاد بطارية الجهاز. لذا فإن امتلاك خطة احتياطية تتمثّل بأموال نقدية أو بطاقات مصرفية في محفظتهم يشكّل نوعاً ما شبكة أمان لهم».
تعتبر المخاوف الأمنية سبباً أساسياً لعدم شعور الناس بالراحة لفكرة التخلّي عن محافظهم. فقد عبّر 58 في المائة من المشاركين في استطلاع «سورفي مونكي» عن رغبتهم بالحصول على المزيد من الأمان على هواتفهم قبل الاستغناء عن محافظهم التقليدية. تقول لورا ورونسكي، باحثة أساسية في «سورفي مونكي» والتي قادت الاستطلاع: «تتمتّع الهواتف الذكية بميزة أساسية هي سهولة الاستخدام، مقابل نقطة ضعف مؤثرة وهي الأمن. ويبدو أن المستخدمين يعون بوضوح وجوب التنازل عن إحدى هاتين الميزتين للحصول على الأخرى».
ولكنّ هذه المخاوف الأمنية قد لا يكون لها أساس منطقي. إذ يقول إلياس غيرّا، المدير التنفيذي لمشروع «بوب واليت» التابع لشركة «بي 2 بي» للمحافظ الخلوية في نيويورك: «لنفترض أنني أعطيت هاتفي الذكي لشخص أعطاني في المقابل بطاقته المصرفية، من سيحالفه الحظّ أكثر في الاستفادة من بعض المال؟ الأكيد أنّ هذا الشخص لن يستطيع فكّ قفل هاتفي واستخدامه لأي مدفوعات، أمّا أنا الذي أحمل بطاقته المصرفية، فسأتمكّن من استخدامها قبل أن يتمكّن من الاتصال بالمصرف وإبطالها».
رخص القيادة وبطاقات النقل
هناك أيضاً بعض العوامل الأخرى التي تمنعنا من التخلّص نهائياً من محافظنا، فقد عبّر 43 في المائة من المستطلعين عن رغبتهم بالحصول على خدمة بطارية أطول قبل التوقف عن الاعتماد على المحفظة التقليدية.
كما صرّح ما يقارب نصف المشاركين عن حاجتهم لإمكانية تخزين جوازات سفرهم ورخص القيادة وغيرها من بطاقات التعريف على الهاتف. هذه الرخص الرقمية قد تشمل أيضاً رخص صيد الأسماك والحيوانات وغيرها من الأوراق الثبوتية التي تصدرها السلطات الرسمية.
تشمل المحفظة الرقمية خيارا مهمّا آخر هو بطاقات وسائل النقل، ولكنّ العمل على تطويرها لا يزال بطيئا وخاصة في الولايات المتحدة. اليوم، يستطيع المستهلكون استخدام «آبل باي» و«غوغل باي» و«سامسونغ باي» على هواتفهم لركوب الحافلات والقطارات في شيكاغو وبورتلاند، أوريغون.
وفي مايو (أيار) المقبل، تعتزم هيئة النقل الحضري في نيويورك إطلاق نظام جديد يتيح استخدام المحافظ الخلوية على متن الحافلات والقطارات، مع استمرار التزامها بنظام الدفع «مترو كارد» القائم حالياً.
في المقابل، سحبت هيئة النقل في ولاية يوتاه، الربيع الماضي، دعمها لتطبيقات «آبل باي» و«غوغل باي» وجميع البطاقات المصرفية التي تعمل دون احتكاك، بسبب نسبة استخدامها المنخفضة جداً، وملايين الدولارات التي يتطلبها تحديث النظام ليستمر في استقبال هذا النوع من المدفوعات.