تشكيلي مصري يستعين ببراءة الطفولة للهروب من أزمات الواقع

عصمت داوستاشي «يرسم كل ما يحبه» في معرض جديد

أعاد تقديم لوحة بنت بحري برؤية جديدة  -  لوحة لعصمت  -  من أعمال الفنان عصمت داوستاشي بغاليري «ضي»
أعاد تقديم لوحة بنت بحري برؤية جديدة - لوحة لعصمت - من أعمال الفنان عصمت داوستاشي بغاليري «ضي»
TT

تشكيلي مصري يستعين ببراءة الطفولة للهروب من أزمات الواقع

أعاد تقديم لوحة بنت بحري برؤية جديدة  -  لوحة لعصمت  -  من أعمال الفنان عصمت داوستاشي بغاليري «ضي»
أعاد تقديم لوحة بنت بحري برؤية جديدة - لوحة لعصمت - من أعمال الفنان عصمت داوستاشي بغاليري «ضي»

في محاولة للهروب من عالم يسوده «الزيف والخداع والفوضى»، اختار التشكيلي المصري القدير عصمت داوستاشي العودة إلى الطفولة، لعلها تكون قارباً للنجاة له ولجمهوره من هذا الواقع... ففي معرضه «أنا أرسم كل ما أحبه»، المقام حالياً بغاليري «ضي» في القاهرة، ويستمر حتى 10 مايو (أيار) المقبل، يقدم 50 لوحة تنطلق من مفهوم طفولي وأسلوب فطري.
وبالفعل يضم المعرض كل ما أراد داوستاشي رسمه، دون تردد، فكان من الواضح أنه يرسم كل ما يجسد به الأفكار التي تطارده، والمشاعر التي تسيطر على وجدانه، إلى جانب الذكريات التي تسهم في تدفئة أيامه، ولذلك تتنوع أعماله ما بين رسم جدته بتأثيرها الطاغي على حياته، وأستاذته الفنانة الراحلة عفت ناجي، ونجم كرة القدم محمد صلاح، ووجه فتاة من «وجوه الفيوم»، والفلاحة التي تحمل البلاص على رأسها، والأم التي تحتضن طفلها، والسيدة الأرستقراطية، كما جاءت لوحته «الممرضة الفلسطينية» لتنقل إحساسه بمرارة الحزن على واقعة قتلها على يد الإسرائيليين في أثناء أداء عملها.
ولم يكتفِ داوستاشي برسم لوحات جديدة يلتقط فيها شخوصاً وأحداثاً من واقع حياته، لكن بتلقائية شديدة وبأسلوب فطري قام بإعادة رسم لوحات له من مقتنيات خاصة، كأنه شعر بالحنين إليها، فأراد أن يراها من جديد في شكل جديد. الأكثر من ذلك أنه أعاد رسم لوحات أحبها لفنانين آخرين مثل لوحة «بنت بحري» برؤية فنية مختلفة، كأنه طفل يعبث بالريشة والألوان ويرسم بها ما يحلو له.
يقول داوستاشي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يضم المعرض أعمالي الجديدة التي لم تُعرض من قبل، رسمتها انطلاقاً من مفهوم طفولي، ألخصه في جملة واحدة هي (أنا أرسم كل ما أحبه)، وتأتي هذه الأعمال لتساعدني على الاستمرار في الحياة، رغم هذه الأجواء التي يسودها للأسف الجهل والخداع والعشوائية والحقد».
ولكي ندرك عمق إحساسه بهذه الأجواء علينا أن نعود بالذاكرة إلى الماضي، حيث عشق داوستاشي الإسكندرية منذ أن فتح عينيه كطفل صغير، يصحبه «ريس» مركب شراعي بناءً على طلب جده الذي كان يعمل بمقهى بحي «بحري» الشهير بالمدينة، للتنزه في «الرملة البيضاء» ذلك الشاطئ المفروش بالرمال، ويتوسط الميناء الغربي لمدينة الإسكندرية، ويقع خلفه مباشرةً فنار المدينة الذي يهدي السفن إليها، وبجواره جزيرة «رأس التين»، حيث قصر الملك فاروق، أي في قلب مدينته الساحرة.
وعندما عشق الفن انتقل للإقامة إلى حي العجمي بحثاً عن الهدوء، إلى أن شهد الحي ما شهده من تطورات سببت له وجعاً وحسرة لا ينتهيان، ويبدو أن داوستاشي قد أراد التخلص من كل هذه الأجواء عبر الإبداع، وبما يزخر به فنه وأعمال الآخرين من جمال وفكر وثراء إنساني، بعيداً عن هذه الأجواء التي تعاني منها مدينته بكل تاريخها وثقافتها وتفردها وهدوئها لا سيما حي العجمي، الذي يقطنه منذ نحو أربعين سنة، والذي تحول إلى مكان يضج بالازدحام ويبعث على الإحباط بالنسبة إلى فنان يعشق الجمال ويتزود به، ولذلك تستطيع أن تبحر من خلال لوحاته في عالم يمزج فيه بين الجمال والصدق، و«ما أروع الإبحار في مثل هذا العالم، حين نعاني من العيش في واقع يعز فيه الجمال والصدق»، وفق داوستاشي.
في السياق ذاته، إذا كنا قد شاهدنا من قبل داوستاشي يحرّك الأسهم في خلفيات لوحاته لتحرك معها الأفكار والرؤى والمعاني، فإنه في لوحات هذا المعرض جعل الأسهم تتصدر العمل الفني، كما جعلها أكثر سمكاً ووضوحاً وحضوراً، مما كانت عليه في أعماله السابقة، فقد أراد هذه المرة أن يصدر صرخات تحذير من تغير الأوضاع والعالم من حولنا. وهو في ذلك يخص المرأة التي يعدها محور المجتمع باهتمام أكبر.
كما يصر الفنان المصري على أن يلفت انتباه المرأة العصرية إلى رموز النجاح السابقة، عبر الإشارة إلى الفلاحة المصرية حيث الأصالة والجذور، في بعض أعماله، بينما تسكن خلفية اللوحات الحروف العربية ومفرداتها المتنوعة والأصيلة التي يبرع في توظيفها مثل الزخارف والبحر والنخيل والثعبان، والرسوم الفرعونية، والسمكة والطائر والأحجية، بما يحمله كل منها من دلالات ورموز. كما قام الفنان بالمزج بين الرسم والكولاج، وهي تقنية مارسها في الكثير من تجاربه الفنية محققاً التنوع والثراء البصري في طريقة تناوله مساحة العمل، وقدرته الفائقة على شغل واستخدام الفراغات والمساحات الملونة.
ولأن المعرض يقدم تجربة الجمع بين الفنان عصمت داوستاشي، وأستاذته عفت ناجي، فإنه يضم مجموعة من لوحات عفت ناجي، يقول الفنان: «أردت أن أقدم تحية لها من خلال وجود بعض أعمالها في معرضي، لقد تعلمت منها كيف يكون عطاء الفنان، واستلهمت من فنها توهج الإبداع، وأصالة التراث المصري والفولكلور الشعبي».



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.