الجذور الفكرية للنازية

هتلر
هتلر
TT

الجذور الفكرية للنازية

هتلر
هتلر

مرت منذ ثلاثة أيام الذكرى المائة والثلاثون على مولد الزعيم الألماني «هتلر»، ذلك الرجل الذي كبد العالم عشرات الملايين من الضحايا وأكبر خراب شهده العالم، وكان وراء الرجل آيديولوجية معروفة «بالنازية» أو «الاشتراكية القومية»، ومثل الفاشية الإيطالية فالنازية كانت المحرك الفكري للرايخ الألماني الثالث، الذي استغل هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى والانهيار الاقتصادي وضعف حكومة «الفيمار» المنكسرة سياسياً للترويج لنفسها، والواقع أن الفلسفة «النازية» كانت أكثر عمقاً، مقارنة بالفاشية ولكنها ظلت بكل تأكيد أدنى فكراً، مقارنة بالآيديولوجيتين الدوليتين المنافستين آنذاك، ألا وهما الليبرالية والاشتراكية.
حقيقة الأمر أن الأرضية الفكرية «للاشتراكية القومية» مثلت زواجاً سياسياً على أرضية طلاق فلسفي بسبب التناقض والاختلاف الفكري والتطبيقي بين ركنيها، فالقومية الألمانية لها تاريخ ممتد وثابت لدى الألمان بما يسبق التوحيد الفعلي للدولة على أيدي العبقري «بسمارك» في 1871. فللفكر القومي جذور ممتدة في كتابات مفكرين من أمثال «فيشت» و«هيغل» و«شوبنهاور» و«نيتشي» وآخرون، فمن «فيشت» أُخذ مفهوم روح الدولة الألمانية والذي تم تطويره من مفهومه التقليدي «للفولك Volk» أو الشعب عقب احتلال «نابليون» للولايات الألمانية، ومن المفكر «بروك» اُقتبس مفهوم «الرايخ الثالث» أو «المملكة أو الدولة الثالثة» نسبة لكتابه بنفس الاسم، وعندما توحدت ألمانيا كانت الروح الألمانية حية ولها دورها المباشر في سياسة الدولة، خاصة بعد الحرب، ولكن التفسير النازي للقومية حُرف عملياً ليُصبغ على النظام الشرعية ومركزية وشمولية الحكم المطلق للحزب باعتباره يمثل القومية الألمانية.
أما الآيديولوجية الاشتراكية فكانت خارجة عن المنظومة الفكرية للقومية لأنها اعتمدت على مفهوم العالمية، فضلاً عن ارتباطها بمفهوم صراع الطبقات وضرورة تسيد طبقة العمال مقابل الطبقة البرجوازية أو «الجونكر» فضلاً عن اختلافات مفاهيمية واسعة قضت على أي فرص لقواسم عملية مشتركة بين الآيديولوجيتين، ومع ذلك استطاع الفكر النازي الترويج لنفسه بتزويج المفهومين عبر آلة الدعاية تمهيداً للانقضاض على الحكم، مستغلين الظروف الاقتصادية الصعبة وأزمة الكساد العالمي حتى آلت لهم السلطة، فقد برع النازيون في تطويع مفاهيم الاشتراكية لصالحهم ففسروها على اعتبارها إعادة توزيع للثروة في ألمانيا والسيطرة على الطبقة البرجوازية والإشراف المباشر للدولة على الأنشطة الاقتصادية، أما «ديكتاتورية البروليتاريا» فقد ترجمها النازيون على اعتبارها ديكتاتورية الدولة من خلال السيطرة على النقابات والمؤسسات العمالية، وهكذا لعبت النازية على أوتار مفاهيمية متناقضة.
وقد فرض النازيون سيطرتهم المطلقة على الدولة ومفاصلها فألغوا الحياة النيابية والديمقراطية والحريات، وطوعوا المفاهيم الفكرية للقضاء على أي معارضة من طبقة «الجونكر»، كما تمكنوا من ضمان اصطفاف الطبقة العاملة معهم في هدف واحد وهو السلطة المطلقة للدولة، ولكن سرعان ما تخلوا عنهم بعد الصعود للحكم، وهكذا بدأت الفسيفساء الفكرية المتناثرة والمتناقضة تنسج لوحة قبيحة من ألوان التطرف الفكري والتي ولَدت لنا مع الممارسة النازية واحداً من أقبح الأنظمة السياسية التي عرفها العالم إن لم يكن أقبحها على الإطلاق، فكان الطلاق العملي والفكري متوقعاً بين الآيديولوجيتين المكونتين للفكر النازي فظهر الفكر النازي على حقيقته وأخذ ألمانيا لنظام شمولي متطرف بآلته العسكرية التوسعية.
لقد أفرزت الممارسة النازية مفاهيم فكرية كريهة وغير إنسانية، فقد شيد النازيون رؤيتهم للتفوق العرقي الألماني الذي استند إلى مفاهيم المفكر الألماني «سبانجلر» الذي طرح مفهوم «صراع الثقافات» في 1918 باعتباره صراعاً عرقياً أو جغرافياً، مؤكداً الدور الألماني الهام لحماية الثقافة الغربية، ولكن أهم ما اقتبسته النازية من هذا المفكر كانت رؤيته العدائية تجاه الديمقراطية والتي رأى فيها نتاجاً للانحطاط الناتج عن ظهور الطبقة الصناعية و«فجور المثقفين» ودعوته لأن تتبع هذه المرحلة حالة من الديكتاتورية المتشددة تستطيع أن تدفع نحو إصلاح البيت الداخلي حماية للثقافة الغربية والتوسع الألماني الخارجي، فتم على الفور تطوير نظرية «مكان للحياة» أو Lebensraum» وهي النظرية التي طورها الجغرافي - السياسي الألماني «راتزل» في 1897 والتي طالب فيها بحق الشعب الألماني في إيجاد المكان المناسب للتوسع الشعبي لأن حدوده القائمة غير قادرة على استيعاب تطوره الطبيعي وامتداده ورسالته، وهو ما برر التوسع النازي واندلاع الحرب العالمية الثانية.
ولعل أخطر ما أفرزته الآلة السياسية النازية كانت «النظرية العامة للعرق»، التي تبنت مفهوم «الانتقاء الطبيعي» للمفكر «داروين» كمنهجية لتبرير تسيد العرق الألماني الممثل للآرية Arian، مقارنة بغيره، وقد وصف الآريين بأنهم «صناع الثقافة»، ووصف غيرهم «بحملة الثقافة» أي مستوردي الثقافة الآرية، إضافة إلى فئة «مدمري الثقافة»، فوضع فيها اليهود ضمن آخرين، ولم نكن نحن العرب بعيدين عنهم بكثير، وقد وصل بهم الإفساد الفكري لاعتبار السيد المسيح من الآريين، ولعل هذا ما شرعن القتل والعنف والتصفية العرقية التي اتبعها النازيون مع الغير.
حقيقة الأمر أن «النازية» بكل بغضها مثلت تركيبة غير متناسقة لانحرافات مفاهيمية تجمعت لصالح تثبيت شرعية نظام سياسي وتبرير سياساته، وهي تظل حفيدة الفوضى السياسية وابنة الانهيار الاقتصادي تحت سقف خيبة الرجاء الشعبي... وهكذا يسود التطرف المجتمعات والأنظمة السياسية.



انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
TT

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)

انطلقت فعاليات النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بعنوان «عقول مبدعة بلا حدود» في العاصمة السعودية الرياض، الأحد، الذي يجمع نخبةً من الخبراء والموهوبين في مجالات العلوم والتقنية والابتكار، ويشارك فيه أكثر من 300 موهوب ومتحدثون محليون ودوليون من أكثر من 50 دولةً، وذلك برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. ونيابة عنه، افتتح الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر الذي تنظمه مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة»، في مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية «كابسارك» بالعاصمة السعودية، وشهد توقيع عدد من الاتفاقيات بين «موهبة» وعدد من الجهات.

أمير الرياض خلال افتتاحه فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر (واس)

ورفع أمين عام «موهبة» المكلف الدكتور خالد الشريف، كلمة رفع فيها الشكر لخادم الحرمين الشريفين على رعايته للمؤتمر، ودعمه المستمر لكل ما يُعزز ريادة السعودية في إطلاق المبادرات النوعية التي تمثل قيمة مضافة لمستقبل الإنسانية، مثمناً حضور وتشريف أمير منطقة الرياض لحفل الافتتاح.

وقال الدكتور الشريف: «إن قيادة السعودية تؤمن بأهمية الاستثمار برعاية الموهوبين والمبدعين باعتبارهم الركيزة الأساسية لازدهار الأوطان والطاقة الكامنة التي تصنع آفاقاً مستقبلية لخدمة البشرية»، مشيراً إلى أن العالم شاهد على الحراك الشامل لمنظومة تنمية القدرات البشرية في المملكة لبناء قدرات الإنسان والاستثمار في إمكاناته، في ظل «رؤية السعودية 2030»، بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي رئيس لجنة برنامج تنمية القدرات البشرية.

وأكد الدكتور الشريف أن هذا الحراك يواكب ما يزخر به وطننا من طاقات بشرية شابة موهوبة ومبدعة في شتى المجالات، يتجاوز إبداعها حدود بلادنا ليصل إلى العالمية، وهو ما مكن المملكة من أن تصبح حاضنة لألمع العقول العالمية الموهوبة والمبدعة، وحاضرة إنسانية واقتصادية واعدة بمستقبل زاهر ينعكس على العالم أجمع.

وأوضح أن المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بنسخته الثالثة يشكّل منصةً ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم، لتستلهم معاً حلولاً مبتكرة تعزز جودة الحياة في مجتمعاتنا، وتبرز الفرص، وتعزز التعاون الإبداعي بين الشعوب.

انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي (واس)

ولفت النظر إلى أن انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي؛ حيث أمضت 25 عاماً في دعم الرؤى بعيدة المدى للموهبة والإبداع، وباتت مشاركاً رئيسياً في المنظومة الداعمة لاكتشاف ورعاية الطاقات الشابة الموهوبة والمبدعة، بمنهجية تُعد الأكثر شمولاً على مستوى العالم لرعاية الأداء العالي والإبداع.

عقب ذلك شاهد أمير منطقة الرياض والحضور عرضاً مرئياً بمناسبة اليوبيل الفضي لإنشائها، وإنجازاتها الوطنية خلال الـ25 عاماً الماضية، ثم دشن «استراتيجية موهبة 2030» وهويتها المؤسسية الجديدة، كما دشن منصة «موهبة ميتا مايندز» (M3)، وهي منصة عالمية مصممة لربط ودعم وتمكين الأفراد الموهوبين في البيئات الأكاديمية أو قطاعات الأعمال، إلى جانب تدشين الموقع الإلكتروني الجديد لـ«موهبة»، الذي تواصل المؤسسة من خلاله تقديم خدماتها لجميع مستفيديها من الموهوبين وأولياء الأمور.

ويهدف المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع إلى إظهار إمكانات الموهوبين، وتطوير نظام رعاية شامل ومتكامل للموهوبين، وتعزيز التكامل والشراكات الاستراتيجية، وتحسين وتعزيز فرص التبادل والتعاون الدولي، ويشتمل المؤتمر على 6 جلساتٍ حوارية، و8 ورش عمل، وكرياثون الإبداع بمساراته الـ4، ومتحدثين رئيسيين؛ حيث يسعى المشاركون فيها إلى إيجاد الحلول الإبداعية المبتكرة للتحديات المعاصرة، إلى جانب فعاليات مصاحبة، تشمل معرضاً وزياراتٍ ثقافيةً متنوعةً على هامش المؤتمر.