الإعلام سلاح ذو حدين... يفيد من يحسن التعامل معه

أخطاء يمكن تجنبها في التعامل مع الصحافيين

من المهام المنوطة بالصحافي تبسيط المعلومات وشرحها للقارئ وأحياناً تفشل الشركات في التواصل بالاعتماد على مصطلحات تقنية
من المهام المنوطة بالصحافي تبسيط المعلومات وشرحها للقارئ وأحياناً تفشل الشركات في التواصل بالاعتماد على مصطلحات تقنية
TT

الإعلام سلاح ذو حدين... يفيد من يحسن التعامل معه

من المهام المنوطة بالصحافي تبسيط المعلومات وشرحها للقارئ وأحياناً تفشل الشركات في التواصل بالاعتماد على مصطلحات تقنية
من المهام المنوطة بالصحافي تبسيط المعلومات وشرحها للقارئ وأحياناً تفشل الشركات في التواصل بالاعتماد على مصطلحات تقنية

هناك كثير من الأخطاء الجسيمة المرصودة من سوء التعامل مع الإعلام، ربما كان أسوأها ما قاله رئيس شركة «راتنر» البريطانية للحلي والمجوهرات، عندما أراد أن يثير الانتباه في مؤتمر عقد في معهد الإدارة البريطاني في عام 1991، بقوله: «هل تعرفون لماذا تبيع شركة (راتنر) الحلي بهذه الأسعار الرخيصة؟ لأن هذه الحلي رديئة!».
ومع نشر هذا التصريح الغريب، انهارت مبيعات الشركة التي كانت تسيطر على نصف سوق الحلي البريطاني، وتدهورت قيمة أسهمها بنحو 500 مليون إسترليني في أسبوع واحد، وانتهى الأمر بها إلى الإفلاس.
ليست التصريحات الغبية وحدها مسؤولة عن سوء العلاقة بين الشركات والإعلام، فهناك كثير من الأخطاء المنهجية التي تقبل عليها الشركات، أحياناً بلا وعي، مما ينتج عنه مناخ سلبي بينها وبين الإعلام، ينعكس في الغالب على نشاطها وموقعها في السوق.
وليست كل الأخطاء بحجم خطأ «راتنر»، فهناك أخطاء من نوع إرسال نشرات إعلامية أسلوبها ممل ودعائي، لا يجد الصحافي من خيار إلا إيداعها في سلة المهملات.
وقد تكون النشرات ذات محتوى جيد، إلا أنها مكتوبة بلغة رديئة، لأن الصحافي المشغول بكثير من الأخبار لن يضيع وقته وجهده في العمل على إعداد مادة علاقات عامة للنشر. ومن الأخطاء الشائعة أيضاً عدم الاستجابة السريعة لطلب الصحافيين، عند السؤال على معلومات معينة. والاستجابة المتأخرة تكون عديمة الفائدة، مثلما هو الحال مع عدم التجاوب مع طلبات المعلومات من الصحافيين.
ومن الأمثلة السيئة للتعامل مع الإعلام عدم الاستعداد الجيد للحوار الصحافي. وبدلاً من التركيز على المعلومات التي يريد المسؤول إيصالها إلى الإعلام، تكون الإجابات المقتضبة على أسئلة الصحافي. وإذا لم يسأل الصحافي السؤال الذي يعتبره المسؤول مهماً، فلا مانع من التطوع بالمعلومات. وأحياناً يكون تأجيل الحوار ساعة واحدة لحين الاستعداد الجيد أفضل من التسرع ثم الندم. وما يريده الصحافي من المسؤول أو المدير هو الوصول إلى النقاط المهمة أولاً، بدلاً من الاستغراق في التفاصيل.
ومن المهام المنوطة بالصحافي أيضاً تبسيط وشرح المعلومات للقارئ، وتفشل الشركات في التواصل بالاعتماد على مصطلحاتها وتعبيراتها التقنية التي قد يساء فهمها.
وقد ترى الشركات في أحد الصحافيين شخصاً مفضلاً عن غيره، ولذلك توجه له عناية خاصة في لقاءات عمل. ولكن ما يجب أن تفهمه الشركات هو أن الصحافي قد يهتم بمصادر المعلومات على المستوى الشخصي، ولكن في مجال العمل يبحث دوماً عن المعلومات المثيرة للقراء. وعلى الشركات التركيز على المعلومات التي تقدمها للصحافي، وليس على الصحافي نفسه. كما يجب التعامل على قدر من المساواة مع الإعلام، لأن الاهتمام بوسيلة إعلامية دون أخرى قد ينتج عنه تدهور العلاقات مع بعض وسائل الإعلام.
وهناك شركات تتواصل مع الإعلام فقط عندما تحتاج إليه، وتهمله بقية الوقت؛ والنتيجة هي عدم الاهتمام الإعلامي بالشركة، ولا بنشاطها. ويجب أن تعرف الشركات أن التعامل مع الإعلام هو شارع باتجاهين، والاهتمام بالتواصل الإعلامي حتى في الأوقات التي تهم الإعلام، وليس الشركة، من قواعد التعامل السليم مع الإعلام.
التوقيت السليم هو أحد الجوانب الحيوية التي يجب أن تركز عليها الشركات في التعامل مع الإعلام. فأفضل النشرات الصحافية قيمة تفقد بريقها، وتلقى في سلة المهملات، إذا وصلت متأخرة. والشركات التي تحسن التوقيت تفوز بأفضل تغطية لأخبارها. وإذا مرت أي شركة بتجربة إهمال أخبارها بسبب التوقيت السيئ أو المتأخر، يجب أن تتعلم من أخطائها، وتحسن من أدائها في المستقبل. والتنقيب عن أخطاء ما ينشر ليس في صالح الشركات، وبدلاً من المطالبة بالتصحيح، يمكن للشركات أن تطلب نشر مقابلة أخرى توضح فيها وجهة نظرها بطريقة إيجابية.
ولا تعرف الشركات أن الإعلام يتعامل يومياً مع عشرات، إن لم يكن مئات الأخبار، من المصادر كافة، ويهتم فقط بما يعده مهماً للقراء، من عناوين مثيرة وأخبار مقتضبة، دون الاستغراق في التفاصيل الفنية. ولا يجب على الشركات الشعور بالإحباط من عدم نشر أخبارها بالتفصيل، وعليها أن تتعلم أن تتواصل على هذا الأساس مع الإعلام بما هو جذاب، وتحتفظ بالتفاصيل لنفسها، إلى حين يطلبها الصحافي.
وإذا تعرضت الشركة لأزمة ما، فالسبيل الأمثل هو الاعتراف بوجود مشكلة، واعتماد الشفافية في أسلوب التعامل مع الإعلام، ومع المشكلة نفسها، وعدم محاولة إخفاء المشكلة، أو تحويل الأنظار عنها، لأن ظهور معلومات عن الأزمة من مصادر أخرى قد يكون أكثر إساءة إلى الشركة. ومن أمثلة ذلك تعامل شركة مياه معدنية سويسرية مع خبر تلوث منتجاتها بسحب المنتج من السوق حتى تتم معالجة التعامل مع المشكلة.
وتفضل بعض الشركات اللقاء مع الصحافيين، والإدلاء بتصريحات تقول عن بعضها إنه «ليس للنشر» (Off the record)، والأفضل في كل الأحوال اعتبار أن كل المعلومات التي يتم التصريح بها هي للنشر، لعدم خلط الأمور. والحديث الذي يتم التصريح به خارج إطار النشر سوف يتسرب في وقت لاحق ضمن تغطية إعلامية أخرى قد لا تستطيع الشركة المعنية أن تنفيها.
- أمثلة لأخطاء شركات في التعامل مع الإعلام
في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، لا تمر أخطاء الشركات بسهولة مثلما كان الحال في حقبات ماضية، إذ يتم تضخيم هذه الأخطاء بتداولها على نطاق واسع، واعتبارها نماذج على ما يجب على الشركات أن تتجنبه في المستقبل. ومن أشهر نماذج أخطاء الشركات:
> سوء تعامل شركة «بي بي» للنفط مع أكبر تسرب للنفط البحري قرب الشواطئ الأميركية، بعرض تعويض قدره 5 آلاف دولار للمتأثرين بالحادث، بشرط عدم اللجوء إلى القضاء. وتصريح رئيس الشركة في ذلك الوقت بأنه «يريد استعادة حياته»، من فرط الإجهاد في تسوية الأزمة، مما عرضه وعرض الشركة إلى كثير من الانتقاد.
> في جلسة حوار غير مخصص للنشر من مدير شركة تجارية مع عدد من الصحافيين العرب، نشر أحدهم الحوار، مع إشارة إلى أن «هذا الحوار غير مخصص للنشر».
> أعلنت شركة إطارات عن نوع جديد يوفر في استهلاك الوقود، مع رسم لعربي قبيح يريد تمزيق الإطار بخنجره. واضطرت الشركة إلى الاعتذار علناً عن الإعلان المسيء للعرب.
> رتبت شركة زيارة إلى مصانعها لمجموعة من الصحافيين العرب لكي تعلن عن منتج جديد لها، ولكنها اتخذت إجراءات شبه عسكرية للحفاظ على السرية، منها سحب الهواتف الجوالة منهم، ومنع التصوير والتسجيل. وفي نهاية الجولة، أضافت الشركة شرطاً آخر هو عدم النشر (Embargo) لمدة شهر بعد الزيارة، حتى يتوافق النشر مع طرح المنتج الجديد. وبعد شهر، لم يتذكر أي من الصحافيين تفاصيل الزيارة، لعدم وجود تسجيل للحوارات التي أجريت، ومر حدث تدشين المنتج بلا تغطية صحافية.


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
TT

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

في ظل صراعات وحروب إقليمية متصاعدة وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت في بعض الأحيان مهمات القوات العسكرية على الأرض؛ ما ألقى بظلال كثيفة على وسائل الإعلام الدولية. تزامن ذلك مع زيادة الاعتماد على «المؤثرين» ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار؛ ما دفع رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، إلى التحذير من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار.

وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، عدّت نهى دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار «خطأً مهنياً»، وقالت إن «صُناع المحتوى و(المؤثرين) على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون مواد دون التزام بمعايير مهنية. ودمجهم في غرف الأخبار كارثة مهنية».

وأشار تقرير نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، أخيراً، إلى «نمو في الاعتماد على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار». ومع هذا النمو باتت هناك مطالبات بإدماج صناع المحتوى في غرف الأخبار. لكن نهى تؤكد أن الحل ليس بدمج المؤثرين، وتقول: «يمكن تدريب الصحافيين على إنتاج أنواع من المحتوى تجذب الأجيال الجديدة، لكن يجب أن يكون صانع المحتوى الإعلامي صحافياً يمتلك الأدوات والمعايير المهنية».

وتعد نهى «الإعلام المؤسسي أحد أبرز ضحايا الحروب الأخيرة»، وتقول إن «الإعلام استُخدم باحة خلفية للصراع، وفي بعض الأحيان تَقدمَ القوات العسكرية، وأدى مهمات في الحروب الأخيرة، بدءاً من الحرب الروسية - الأوكرانية وصولاً إلى حرب غزة».

وتبدي نهى دهشتها من الأدوار التي لعبها الإعلام في الصراعات الأخيرة بعد «سنوات طويلة من تراكم النقاشات المهنية ورسوخ القيم والمبادئ التحريرية».

وتاريخياً، لعب الإعلام دوراً في تغطية الحروب والنزاعات، وهو دور وثّقته دراسات عدة، لكنه في الحروب الأخيرة «أصبح عنصراً فاعلاً في الحرب؛ ما جعله يدفع الثمن مرتين؛ أمام جمهوره وأمام الصحافيين العاملين به»، بحسب نهى التي تشير إلى «قتل واغتيال عدد كبير من الصحافيين، واستهداف مقرات عملهم في مناطق الصراع دون محاسبة للمسؤول عن ذلك، في سابقة لم تحدث تاريخياً، وتثبت عدم وجود إرادة دولية للدفاع عن الصحافيين».

وتقول نهى: «على الجانب الآخر، أدت ممارسات مؤسسات إعلامية دولية، كانت تعد نماذج في المهنية، إلى زعزعة الثقة في استقلالية الإعلام»، مشيرة إلى أن «دور الإعلام في الحروب والصراعات هو الإخبار ونقل معاناة المدنيين بحيادية قدر المستطاع، لا أن يصبح جزءاً من الحرب وينحاز لأحد طرفيها».

نهى النحاس

وترفض نهى «الصحافة المرافقة للقوات العسكرية»، وتعدها «صحافة مطعوناً في صدقيتها»، موضحة أن «الصحافي أو الإعلامي المرافق للقوات ينظر للمعركة بعين القوات العسكرية التي يرافقها؛ ما يعني أنه منحاز لأحد طرفَي الصراع». وتقول: «عندما ينخرط الصحافي مع جبهة من الجبهات لا يعود قادراً على نقل الحقائق».

وضعت الحروب الأخيرة الصحافيين في غرف الأخبار «أمام واقع جديد جعل أصواتهم غير مسموعة في مؤسساتهم، في بعض الأحيان»، وتوضح نهى ضاربة المثل بالرسالة المفتوحة التي وقّعها عدد من الصحافيين في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية ضد تغطية حرب غزة وتجاهل قتل عدد كبير من الصحافيين، والتي أدت في النهاية إلى إيقافهم عن تغطية حرب غزة.

زعزعت الانحيازات الإعلامية في التغطية، الثقة في استقلالية الإعلام، وأفقدت مؤسسات إعلامية كبرى مصداقيتها، بعد أن كانت حتى وقت قريب نماذج للالتزام بالمعايير المهنية. ورغم ما فقدته مؤسسات الإعلام الدولية من رصيد لدى الجمهور، لا تتوقع نهى أن «تقدم على تغيير سياستها؛ لأن ما حدث ليس مجرد خطأ مهني، بل أمر مرتبط بتشابك مصالح معقد في التمويل والملكية». ولفتت إلى أن «الحروب عطّلت مشروعات التطوير في غرف الأخبار، وأرهقت الصحافيين نفسياً ومهنياً».

وترى أن تراجع الثقة في نماذج الإعلام الدولية، يستدعي العمل على بناء مدارس إعلامية محلية تعكس الواقع في المجتمعات العربية، مشيرة إلى وجود مدارس صحافية مميزة في مصر ولبنان ودول الخليج لا بد من العمل على تطويرها وترسيخها بعيداً عن الاعتماد على استلهام الأفكار من نماذج غربية.

بناء تلك المدارس الإعلامية ليس بالأمر السهل؛ فهو بحسب نهى «يحتاج إلى نقاش وجهد كبير في التعليم وبناء الكوادر وترسيخ الإيمان بالإعلام المستقل». وهنا تؤكد أن «استقلالية الإعلام لا تعني بالضرورة تمويله من جهات مستقلة، بل أن تكون إدارته التحريرية مستقلة عن التمويل قدر الإمكان»، مشددة على أن «التمويل العام لوسائل الإعلام مهم ومرحّب به، لا سيما في لحظات الاستقطاب السياسي؛ حتى لا يلعب المال السياسي دوراً في تخريب مصداقية المؤسسة».

غيّرت الحروب غرف الأخبار وألقت بظلالها على طريقة عملها، لتعيد النقاشات الإعلامية إلى «الأسس والمعايير والأخلاقيات»، تزامناً مع تطورات تكنولوجية متسارعة، ترى نهى أنها «ضرورية لكن كأدوات لإيصال الرسالة الإعلامية بفاعلية».

من هذا المنطلق، ترفض نهى التوسع في مناقشة قضايا الذكاء الاصطناعي على حساب القضايا المهنية، وتقول: «نحتاج إلى إعادة تثبيت وترسيخ القواعد المهنية، ومن ثم الاهتمام بالأدوات التي تسهل وتطور الأداء، ومن بينها الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن إنكار أهميته».

وتضيف: «إذا كان الأساس به خلل، فإن الأداة لن تعالجه؛ لذلك لا بد من مناقشات في غرف الأخبار حول الأسس المهنية لاستعادة الجمهور الذي انصرف عن الأخبار».

وبالفعل، تشير دراسات عدة إلى تراجع الاهتمام بالأخبار بشكل مطرد، تزامناً مع تراجع الثقة في الإعلام منذ جائحة «كوفيد-19»، وتزايد ذلك مع الحرب الروسية - الأوكرانية. ووفقاً لمعهد «رويترز لدراسات الصحافة»، فإن «نحو 39 في المائة من الجمهور أصبحوا يتجنبون الأخبار».

وهنا تقول نهى إن «الثقة تتراجع في الإعلام بشكل مطرد؛ لأن الجمهور يشعر أن صوته لم يعد مسموعاً، إضافة إلى تشبع نسبة كبيرة من الجمهور بأخبار الحرب، إلى حد مطالبة البعض بنشر أخبار إيجابية». وتضيف أن «هذا التراجع امتزج مع صعود منصات التواصل التي أصبحت يُخلط بينها وبين الإعلام المؤسسي، لا سيما مع ما قدمته من متابعات للحروب والصراعات الأخيرة».

وتشير رئيسة «منتدى مصر للإعلام» إلى أن «الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة وضعت أعباء مالية، وفرضت محتوى مختلفاً على المؤسسات الإعلامية أدى إلى زيادة تجنب الجمهور للأخبار»، بحسب ما جاء في دراسة نشرها معهد «رويترز لدراسات الصحافة»؛ ما يستلزم البحث عن وسائل لإعادة جذبه، أو لـ«غرفة أخبار ثالثة» كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مستهدفة «جذب مزيد من القراء وزيادة الموارد».

وتستهدف «غرفة الأخبار الثالثة» إنشاء محتوى خاص لمنصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو قصيرة تتناول موضوعات متنوعة لجذب الأجيال المرتبطة بالهواتف الذكية.

ويعد التدريب واحداً من أدوار المنتديات الإعلامية، ومن بينها «منتدى مصر للإعلام». وأوضحت نهى، في هذا المجال، أن «المنتديات الإعلامية هي تعبير عن الواقع الإعلامي لدولةٍ أو منطقةٍ ما، ونقطة تلاقٍ لمناقشة قضايا ومعارف مهنية، وملاحقة التطورات التكنولوجية».

وكان من المقرر عقد النسخة الثالثة من «منتدى مصر للإعلام» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن تم تأجيلها «بسبب الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة والتي كانت ستؤثر على حضور بعض ضيوف (المنتدى)»، بحسب نهى التي تشير إلى أنه «سيتم عقد النسخة الثالثة من (المنتدى) منتصف 2025».

وتوضح أنه «يجري حالياً مراجعة أجندة (المنتدى) وتحديثها وتغييرها استعداداً للإعلان عنها في الربع الأول من العام المقبل»، مشيرة إلى أنه لم يتم الاستقرار بعدُ على عنوان النسخة الثالثة، وإن كان هناك احتمال للإبقاء على عنوان النسخة المؤجلة «يمين قليلاً... يسار قليلاً!».

وتقول نهى إن «منتدى مصر للإعلام» سيركز كعادته على المناقشات المهنية والتدريبات العملية، لا سيما «منصة سنة أولى صحافة» المخصصة لتقديم ورش تدريبية لطلاب الإعلام تتناول الأساسيات والمعايير المهنية.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بالمعايير المهنية هو الأساس لبقاء الإعلام المؤسسي، مجددة الدعوة لفتح نقاشات جادة بشأن مأسسة نماذج إعلام محلية في المنطقة العربية.