البشير من القصر رئيساً إلى السجن حبيساً

أرشيفية للرئيس السوداني المخلوع عمر البشير (رويترز)
أرشيفية للرئيس السوداني المخلوع عمر البشير (رويترز)
TT

البشير من القصر رئيساً إلى السجن حبيساً

أرشيفية للرئيس السوداني المخلوع عمر البشير (رويترز)
أرشيفية للرئيس السوداني المخلوع عمر البشير (رويترز)

لم يخطر على بال أفضل المتفائلين في السودان أن يتوقع ما آل إليه مصير الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير حالياً.
فالرجل كان يقبض على السلطة بقوة الحديد والنار، ولكن الضغوط الاقتصادية القاهرة والاحتجاجات التي تلتها، أنهت حكمه الممتد لثلاثة عقود.
وأجبرت الضغوط الشعبية أيضاً المجلس العسكري الانتقالي بالسودان على ترحيله من «بيت الضيافة بالقيادة العامة للجيش»، حيث تحفظت عليه بادئ الأمر، إلى «زنزانة انفرادية» في سجن في كوبر بالخرطوم بحري الخميس الماضي.
ومن مفارقات الأقدار، أن البشير الذي أودع آلاف السودانيين السجون والمعتقلات، منذ استيلائه على السلطة بانقلاب عسكري في عام 1989 وحتى سقوط 11 أبريل (نيسان) الماضي، وجد نفسه داخل واحد من هذه السجون.
يقول معتقلون سابقون: «كنا نقول للنظام حسنوا السجون، فلربما تدخلوها ونخرج منها».
مفارقة التاريخ تتكرر، فعند تسلم البشير السلطة في ليلة 30 يونيو (حزيران) 1989، قال له الدكتور حسن عبد الله الترابي المدبر والمخطط الفعلي للانقلاب، مقولته الشهيرة: «اذهب إلى القصر رئيساً، وسأذهب إلى السجن حبيساً»، على سبيل التمويه حول هوية الانقلاب الإسلامية، لكن بعد مرور 30 عاماً، ها هو البشير يذهب من القصر المنيف عند ضفة النيل الأزرق الشمالية، إلى سجن كوبر على ضفته الغربية.
البشير يعيش في «كوبر» حالة سجين «مميز»، فقد أخبر مصدر «الشرق الأوسط»، أنه محبوس في «الزنزانة» التي كان يحتجز فيها زعيم الإسلاميين الراحل «حسن الترابي»، ويطلق عليها «زنزانة الترابي». وهي الغرفة ذاتها التي سجن فيها البشير الترابي يوم 22 فبراير (شباط) 2001، على إثر توقيعه مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل الدكتور جون قرنق، ها هو يدخلها مجرماً ليس بجرائم محلية فقط بل بجرائم دولية.
يواصل المصدر: «أخلت إدارة السجن هذه الزنزانة للبشير، وتقع في حوش منفصل وبها تكييف هواء، وكان يشغلها النزيل السابق عبد الغفار الشريف مدير الإدارة السياسية بجهاز الأمن والمخابرات السابق المحكوم بجرائم فساد واستغلال سلطات».
وكيل النيابة الأعلى معتصم عبد الله المكلف، أمر من قبل المجلس العسكري الانتقالي بالإشراف على قضايا الفساد والقبض على الرئيس المعزول عمر البشير، وفتح بلاغات في مواجهته.
ويخضع البشير للمحاكمة على قضايا فساد، عثرت بموجبها قوة من الاستخبارات العسكرية والشرطة على مبالغ مالية ضخمة بإحدى الغرف في «بيت الضيافة بالقيادة العامة»، وهو المقر السكني الرئاسي، و«حرزت» أكثر من 6 ملايين يورو، وأكثر من 351 ألف دولار، و5 مليارات جنيه سوداني.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن النيابة دونت بلاغات ضد البشير تحت المواد 6 - 9 من قانون النقد الأجنبي، والمادة 39 من قانون غسل الأموال، وتصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات، ضمن سلسلة بلاغات ينتظر أن يواجهها البشير قريباً.
وبحسب مصدر «الشرق الأوسط» فإن النيابة العامة تعمل على جمع المزيد من البيانات قبل الشروع في استجواب البشير، وقالت إن الاستجواب مرتبط بإجراءات تتعلق بصدور الإذن من المجلس العسكري الانتقالي، لكن المصادر لم تحدد بدقة موعد بدء استجواب البشير.
البشير لا يواجه جرائم داخلية فقط، إذ تنتظره مذكرتا قبض صادرتان من المحكمة الجنائية الدولية، بتهم تتعلق بجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية والتصفية العرقية في إقليم دارفور بغرب البلاد، وهو ما دفع منظمة العفو الدولية، للمطالبة بتسليمه فوراً للمحكمة الجنائية الدولية.
كما تحمله المعارضة وأجهزته الأمنية المسؤولية عن كل الجرائم التي ارتكبت في البلاد منذ يونيو 1989، بما فيها مقتل نحو 100 شخص خلال الاحتجاجات الأخيرة التي أدت لسقوطه، وترفض بعضها تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتطالب بمحاكمته داخل السودان.
يقول رئيس الجبهة الوطنية العريضة المحامي على محمود حسنين، إن المحكمة الجنائية الدولية ستحاكم البشير على جرائم الحرب والإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية فقط، ولا يوجد بها حكم بالإعدام، ويضيف: «لا بد من أن يمثل أمام المحاكم الوطنية، لمحاسبته على الكثير من جرائم القتل والانتهاكات ضد الإنسانية».
وطالب سفير بريطانيا لدى السودان عرفان صديق، المجلس العسكري الانتقالي، الاثنين الماضي، بتوضيح مكان الرئيس المخلوع وكبار رموز النظام السابق، للتحقيق معهم في الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت خلال الاحتجاجات.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.