تزايد الإقبال على الأطعمة النباتية هذا العام بنسب قياسية إلى درجة أن المطاعم لا تكاد تخلو قوائم الطعام فيها من الخيارات النباتية. ولاحظت المطاعم هذا التحول الذي بدأ في العام الماضي فلحقت بالموجة التي تشمل الآن آلاف المطاعم، خصوصاً في لندن. وتقول إحصاءات من الصناعة إن التحول إلى وجبات نباتية زاد 360 في المائة خلال العقد الأخير.
ويقود الشباب تحت عمر 35 عاماً هذا التحول النباتي الذي لا يكتفي بتجنب اللحوم وحدها وإنما يمتد أيضا إلى الأسماك والبيض ومنتجات الألبان وحتى عسل النحل. ويسمى أصحاب هذا التوجه بـ«نباتيين ملتزمين» (Vegans) للتفرقة بينهم وبين النباتيين العاديين (Vegetarians).
ويوجد الكثير من الأسباب لهذا التحول إلى البديل النباتي على نطاق واسع.
- الحفاظ على الصحة: يختار النباتيون تجنب أكل اللحوم من أجل الفوائد الصحية المكتسبة، رغم أن هذا التحول يحتاج لدعم بالفيتامينات والمعادن والبروتين. ويعترض النباتيون على أن الإنسان يحتاج إلى اللحوم من أجل الحصول على العناصر الغذائية التي يحتاجها. وتتميز الأغذية النباتية بأنها قليلة الدهون والكوليسترول وغنية بالألياف والبوتاسيوم والفيتامينات. ويقول الأطباء إن النباتيين لديهم معدلات منخفضة من الكوليسترول الضار ويتمتعون بضغط دم منخفض واحتمال أقل بالإصابة بالجلطات والصدمات القلبية والسرطان.
- منع القسوة ضد الحيوان: الكثير من النباتيين توجهوا إلى هذا الخيار لعدم رغبتهم في ذبح الحيوانات على نطاق واسع لتغذية الإنسان. ويقول الكثير منهم إن الحيوانات أيضا لها حق الحياة وإن قتلها من أجل الغذاء هو أمر بدائي ويحتاج إلى مراجعة. ويعترض كثيرون على أسلوب معاملة الحيوانات في المزارع الصناعية التي يعتبرونها غير إنسانية. ولا يقتصر الأمر على ذبح الحيوانات بل يتخطاها إلى إنتاج الحليب والبيض من مزارع لا تراعي أبسط قواعد الرفق بالحيوان.
- التأثير السلبي على البيئة: يتحول كثيرون إلى الخيار النباتي لخفض التأثير السلبي على البيئة. حيث تحتاج تربية الحيوانات إلى تخصيص مساحات أرض شاسعة من أجل توفير العلف. ويساهم هذا التوجه في قطع أشجار الغابات الاستوائية واستهلاك المياه والضغط على الأراضي الزراعية بالمبيدات الحشرية. وهذه مشاكل يمكن تجنبها جميعا بتخصيص الأراضي الزراعية لاحتياجات الغذاء الإنساني وحدها. وتتسبب حيوانات الحقل في نسب كبيرة من إفراز غازات الاحتباس الحراري تفوق ما تفرزه السيارات الحديثة.
- تأثير وسائط التواصل الاجتماعي: ساهمت وسائط التواصل الاجتماعي في جمع شمل النباتيين عن طريق تبادل الأفكار حول الوجبات النباتية وتنظيم معارض غذائية وتقديم برامج فيديو ووصفات على «يوتيوب». وقبل نشوء الإنترنت كان النباتيون يعيشون فيما يشبه الفقاعة المعزولة ولا يجدون دعما أو سندا من صناعة الغذاء أو من المطاعم. وهناك «نجوم» نباتيون على وسائط التواصل لديهم الملايين من المعجبين وهم يتابعون كل جديد وينشرون أخباراً عن أي إضافة نباتية جديدة في الأسواق أو محلات السوبرماركت أو المطاعم. وهناك موقع على «فيسبوك» يقدمه شيف اسمه هنري فيرث يوفر لمتابعيه طرق تحضير وجبات نباتية. ويتابع هذا البرنامج وحده نحو 1.4 مليون مشاهد. ويقول مقدم البرنامج إن لديه رغبة قوية في تعريف العالم بسهولة التحول إلى الغذاء النباتي.
- وجود البدائل المتاحة: تنتشر الوجبات النباتية الآن في الأسواق الشعبية وتقدمها مطاعم وعربات مأكولات الشوارع. وفي لندن يتوجه النباتيون أسبوعياً إلى سوق «هاكني داونز» الذي يوفر جميع لوازم المطبخ النباتي. وبالإضافة إلى زيادة انتشار المأكولات النباتية انتبهت الشركات الكبرى لأهمية هذا القطاع المتنامي في أسواق الغذاء وبدأت أيضاً في تقديم بدائل نباتية تباع في أسواق السوبرماركت منها منتجات الصويا وحليب جوز الهند وغيرهما. وساهم أيضا في انتشار الأغذية النباتية دعم الكثير من المشاهير الذين يوضحون لمتابعيهم أن من الممكن الحفاظ على الصحة واللياقة بالاعتماد على نظم غذائية خالية من اللحوم. كما ساهم اختلاط مشهد المطاعم في مدن دولية مثل لندن بالثقافات الأخرى من آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية في توفير المزيد من الخيارات النباتية. وبدأت وجبات شعبية مثل الفلافل والكشري تظهر في مطاعم متنوعة موجهة إلى الاستهلاك العام.
ويوضح موقع إلكتروني اسمه «فيجيتريان تايمز» أن هناك الكثير من الأسباب التي تدفع المزيد نحو تناول الأغذية النباتية والابتعاد عن استهلاك اللحوم. وأحد أهم الأسباب هو الرغبة في ممارسة حياة صحية وطويلة أو للحفاظ على البيئة والرفق بالحيوان.
ويحذر الموقع من أن 70 في المائة من الأمراض لها علاقة بما يتناوله المرء من غذاء، وأن التحول إلى الغذاء النباتي يخفض فرص الإصابة بأمراض القلب وبعض أنواع السرطان.
وبالإضافة إلى الحفاظ على الصحة يتمتع النباتيون بقوام رشيق وخالٍ من الشحوم. وتعد الرشاقة من أهم مقومات الحياة الصحية خصوصاً أن الإحصاءات الغربية تشير حالياً إلى أن نسبة المصابين بالسمنة في الغرب تصل إلى 64 في المائة بين البالغين و15 في المائة بين الأطفال.
وفي بحث أميركي قام به الطبيب دين أورنيش في كاليفورنيا عبر 6 سنوات اتضح أن التحول إلى الحمية النباتية من زائدي الوزن ينتج عنه انخفاض الوزن بنحو 10 كيلوغرامات خلال سنة مع الاحتفاظ بالوزن المنخفض في السنوات الخمس التالية. ويمكن تحقيق ذلك من دون اللجوء إلى حساب السعرات الحرارية ولا الشعور بالجوع.
كما ذكر بحث قام به الدكتور مايكل رويزن وضمنه في كتابه بعنوان «حمية العصر الحديث» أن الإنسان يمكن أن يحافظ على شبابه فترة أطول بالتحول إلى الغذاء النباتي. وأضاف أن «هؤلاء الذين يستهلكون الدهون المشبعة من مصادر تمشي على أربعة سيقان يعيشون حياة أقصر ويعانون من العجز في سنوات عمرهم المتأخرة». وهو يؤكد أن المنتجات الحيوانية تسد الشرايين وتستهلك الطاقة وتضعف جهاز المناعة في الجسم.
وهو يضرب المثل بسكان جزيرة أوكيناوا اليابانية الذين يحققون أرقاما قياسية في طول عمرهم، حيث كشف بحث استمر 30 عاما وشمل 600 شخص تزيد أعمارهم على المائة عام أن سر الحياة الطويلة هو الاعتماد على حمية قليلة السعرات تعتمد أساسا على الخضراوات والفواكه وفول الصويا.
وتوفر الأغذية النباتية عناصر غذائية مهمة للجسم مثل الكالسيوم والفوسفور والماغنيسيوم وفيتامين «ج»، وهي مصادر متاحة في البقول والتوفو وحليب الصويا والخضراوات الخضراء مثل البروكلي والكيل والسبانخ. كما تحذر إدارة الغذاء والدواء الأميركية من انتقال العدوى من مصادر الغذاء المعتمدة على اللحوم والطيور والأسماك التي تسبب 76 مليون إصابة سنويا في الولايات المتحدة وحدها ينتج عنها دخول المستشفيات لعدد يبلغ 325 ألف نسمة ووفاة خمسة آلاف شخص سنويا.
ويشرح الدكتور رويزن أن استهلاك الطعام النباتي يوفر نسبة أكبر من الطاقة. أما انتشار الدهون في الجسم فهو يعني ضيق الشرايين وعدم حصول العضلات على النسبة الكافية من الاوكسيجين. والنتيجة هي الشعور الدائم بالتعب. كما يتجنب الشخص النباتي استهلاك المبيدات الحشرية التي توجد بنسبة 95 في المائة في اللحوم والأسماك من جراء البيئة التي تعيش فيها حيوانات الحقل والأسماك النهرية. كما توجد في اللحوم ومنتجات الألبان بقايا هرمونات ومنشطات كيميائية.
وعلى نطاق عالمي، تساهم الحمية النباتية في توفير الغذاء للملايين في العالم، حيث تتوجه نسبة 70 في المائة من محاصيل الحبوب في الولايات المتحدة إلى غذاء الحيوانات المعدة للذبح التي يصل تعدادها إلى 7 مليارات حيوان. وتستهلك هذه الحيوانات خمسة أضعاف ما يستهلكه الإنسان من المحاصيل الزراعية. وإذا توجهت هذه المحاصيل إلى تغذية الإنسان فيمكنها أن تغطي احتياجات 800 مليون نسمة، وفقاً للدكتور ديفيد بيمنتل من جامعة كورنيل. وهو يؤكد أن قيمة هذه المحاصيل المستهلكة حيوانياً يصل إلى نحو 80 مليار دولار إذا صدرتها الولايات المتحدة بدلاً من استهلاكها علفاً للحيوانات.
أفضل مطاعم نباتية في لندن في 2019
كان العام الماضي هو عام انتشار الأغذية النباتية في لندن بحيث يمكن العثور عليها بسهولة سواء في المطاعم النباتية أو المطاعم العامة التي تخصص ركناً في قوائم الطعام التي تقدمها للوجبات النباتية. ومن أشهر المطاعم النباتية في لندن هذا العام النخبة التالية المنتقاة من مصادر متعددة اعتمدت على تقييم رواد هذه المطاعم:
> «222 فيجي فيغان»: وهو يقع غرب لندن ويقدم وجبات نباتية طازجة. ويشتهر الشارع الذي يقع فيه المطعم، وهو «نورث آند رود» بأنه خالٍ من منتجات اللحوم وبه سوبرماركت نباتي.
> «بيفز جاك شاك»: وهو يقدم أفكاراً جديدة لوجبات نباتية لها شكل وطعم اللحوم منها البرغر وأجنحة الدجاج. وتقع عربة جاك في سوق برودواي وهو ينتقل بها بين أحياء لندن وأسواقها على مدار الأسبوع.
> «جينيسيس»: وهو يقع في «كوميرشيال ستريت» شرق لندن ويتخصص في الوجبات الماليزية النباتية خصوصا وجبات النودل والتاكو. وهو يقدم أنواع آيس كريم نباتية أيضا.
> «شوغر»: وهو مطعم هندي له فروع متعددة في لندن منها هامرسميث وكوفنت غاردن وهارو وغرب لندن. وهو يتخصص في الكاري النباتي. ويقبل النباتيون وغيرهم على المطعم بفضل الوجبات الجذابة والتنوع في الأصناف التي يقدمها.
> «ميلدردز»: وله أيضاً عدة فروع ويعمل من حي سوهو منذ عام 1988 وهو يقدم أحد أفضل أنواع البرغر النباتي في لندن وله موقع على الإنترنت يمكن منه طلب الوجبات للتوصيل المنزلي أيضا.