محمد اشتيه... أكاديمي يعوِّل عليه «الفتحاويون»

صحافي دخل عالم السياسة الفلسطينية من أوسع الأبواب

محمد اشتيه... أكاديمي يعوِّل عليه «الفتحاويون»
TT

محمد اشتيه... أكاديمي يعوِّل عليه «الفتحاويون»

محمد اشتيه... أكاديمي يعوِّل عليه «الفتحاويون»

لم يختر رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمد اشتيه الذهاب إلى مكتبه في أول يوم عمل رسمي سيراً على الأقدام حباً في ممارسة هذا النوع من الرياضة، بل أراد بذكائه المعهود إرسال رسالة رئيسية من خلال صورة واحدة فقط «هذا عهد جديد». ولم يخفِ اشتيه أنه يشكل هذه المرة حكومة غير تقليدية أقرب للناس. وليس سراً أن سلفه رامي الحمد الله كان مبالغاً في الإجراءات الأمنية... حراس كثيرون ومواكب تسابق الريح... واحتياطات لم يتخذها أسلافه، ضمن سياسة أشمل جعلته أبعد عن الناس الذين يودّ اشتيه أن يقربهم مرة أخرى. لقد اختار اشتيه أن يرسم صورة مختلفة، وهي صورة سرعان ما ضجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي لمتفاعلين «هللوا» لرئيس الوزراء «الزاهد»، في حين لم يرَ آخرون فيما فعله شيئاً استثنائياً يُشكر عليه لأنه أمر طبيعي. أما البقية الباقية فراحت تشكك أو تتدارس الصورة «يا ترى كم مشى؟ وأين كانت الحراسات؟ ومن أين وإلى أين وماذا يريد؟».
لقد نجح الدكتور محمد اشتيه، رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد، في إثارة نقاش مهم في أول دقيقة بدأ فيه يومه الأول في مقر الماصيون الراقي في رام الله، وعلى الأغلب، هذا ما أراده بالضبط. لكن الرجل نفسه هو أفضل من يتحدث عن نفسه.

حدس الصحافي
يعرف اشتيه أن أمامه مهمات كثيرة معقدة: إعادة غزة، الوحدة الوطنية، الوضع المالي الصعب، بناء المؤسسات، مواجهة السياسات الإسرائيلية، وأشياء أخرى كثيرة معقدة، لكنه كان ذكياً حين قال إنه لا يملك عصا سحرية. إلا أن مسألة واحدة ركز عليها اشتيه بقوله: «الحكومة جاءت لخدمة الناس، والذهاب إليهم أينما كانوا». وأضاف: «هذه حكومة الكل الفلسطيني، وستكون مفتوحة للجميع، وسيتم تشكيل البرنامج بعد الاستماع لأولويات المواطنين». وتابع: «سنحمل المسؤولية لكل من هو في موقع المسؤولية». ثم تابع بشكل يكشف عن طريقة تفكيره: «كل شيء ليس له لزوم وكل ما يؤذي مشاعر الناس لن يكون موجوداً، ولا نريد المبالغة في شيء... نريد أن ندير البلاد بأقل تكلفة وبأفضل نجاعة»، مشيراً إلى أنه منتبه لمساعي إسرائيل «لتوسيع الفجوة بين القيادة وشعبنا».
وبشكل يترجم ما يفكر به اشتيه، فإنه كتب على «فيسبوك» بعد اختيار الوزراء وأدائهم اليمين الدستورية: «أجدد تمنياتي عليكم، أخواتي وإخواني، تجنب نشر التهاني المدفوعة بالصحف والمواقع الإلكترونية وغيرها، للوزراء الجدد أو لي بمناسبة أداء اليمين القانونية، والاستعاضة عنها بالتبرع للمؤسسات التي تخدم المحتاجين». وأردف: «دعونا نعزّز ثقافة يوقن فيها المسؤول أن واجبه يحتّم عليه خدمة المواطن، وتلمّس احتياجاته، والبقاء قريباً من نبض الشارع». ثم استطرد: «أحد أهداف الحكومة، هو إعادة الثقة بين الحكومة والمواطنين»، داعياً إلى تعزيز صمود الفلسطينيين في ظل الأزمات السياسية، والاقتصادية، والصحية، والتعليمية التي ستواجهها حكومته. إذن، جاء الرجل كي يكون قريباً من الناس، وهي مهمة يعرف أنها ستكون الأسهل من بين كل مهمات الحكومة الأخرى، في بلد منقسم ويعيش تحت الاحتلال. ربما كان هذا حدس الصحافي الذي سبق السياسي، فقد عمل اشتيه في مهنة المتاعب قبل أن يلج إلى مهنة فن الممكن.

بطاقة هوية
وُلد محمد إبراهيم اشتيه في قرية تل القريبة من مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، عام 1958. وأنهى دراسته في القرية الصغيرة، ثم انتقل إلى جامعة بيرزيت ليحصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد وإدارة الأعمال عام 1976. فوراً انتقل بعدها إلى بريطانيا، حيث حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه في دراسات التنمية الاقتصادية من جامعة ساسكس، قبل أن يعود إلى الأراضي الفلسطينية في أواخر عام 1980. عمل اشتيه بعد عودته من بريطانيا محرراً في جريدة «الشعب» التي كانت تصدر في القدس وتموّلها منظمة التحرير الفلسطينية، ثم صار أستاذاً وعميداً في جامعة بيرزيت.
في بداية التسعينات شارك اشتيه في عضوية وفد منظمة التحرير إلى مفاوضات مدريد ومباحثات واشنطن والمفاوضات الاقتصادية مع إسرائيل. بعد أعوام طويلة تقلّد مناصب وزارية عدة، وترأس «المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار» (بكدار)، كما شغل رئاسة مجلس أمناء الجامعة العربية الأميركية، وعضوية مجالس أمناء جامعات القدس والنجاح والاستقلال.
كان محمد اشتيه أحد مؤسسي «المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار» (بكدار) عام 1994، الذي يعدّ المؤسسة الأولى على طريق تشكيل السياسات التنموية في فلسطين ووضع البناء الأساسي الذي تستطيع السلطة الفلسطينية من خلاله القيام بمسؤولياتها نحو دولة فلسطين المستقبلية. ثم تولى مهمة الإدارة العامة لهذه المؤسسة في بداية عام 1996 حين عيّنه الرئيس الراحل ياسر عرفات ليكون المدير العام، ولاحقاً أصبح رئيساً لـ«بكدار».
وفي مارس (آذار) 2002 شهد اشتيه إنشاء «نادي موناكو» الذي يرأسه الأمير رينيه، وأصبح عضواً فيه. وهذا النادي ذو الطابع غير الرسمي يضم أفراداً وشخصيات لها وزن سياسي في العالم. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2002 نال عضوية مؤسسة الإبداع العالمي World Innovation Foundation التي تركز على التعاون العالمي من خلال التعاون الاقتصادي العلمي، ومعظم أعضاء هذه المؤسسة من الحائزين جوائز نوبل.

مواقع سياسية
انتُخب محمد اشتيه عضواً في اللجنة المركزية لحركة «فتح» في عام 2009، وشارك في إطلاق مفاوضات الحل النهائي في واشنطن عام 2010، وقبل ذلك عام 2005 شغل منصب وزير للأشغال العامة والإسكان وبقي حتى 2009. وكان السكرتير العام للجنة الانتخابات الفلسطينية 1996 - 2004. وفي 2016 أُعيد انتخابه مرة ثانية في اللجنة المركزية للحركة. كذلك أسّس «المعهد الوطني لتكنولوجيا المعلومات» و«المعهد الوطني للإدارة» لتدريب كوادر السلطة وتحسين الأداء والمساهمة في عملية الإصلاح. كما شغل منصب محافظ البنك الإسلامي للتنمية عن فلسطين 2006.
ويصعُب حصر المواقع التي شغلها اشتيه، لكن من بينها: رئيس الوفد الفلسطيني للمفاوضات المتعددة حول التعاون الاقتصادي الإقليمي (التجارة، المالية، البنية التحتية، والسياحة)، ورئيس لجنة السياحة الإقليمية التي انبثق عنها وكالة شرق المتوسط للسياحة والسفر، رئيس المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية في البيرة - رام الله، وعضو لجنة توجيهية للجان الفنية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس 1993 – 2004، وعميد شؤون الطلبة في جامعة بيرزيت 1992 – 1994، ومؤسس وعضو في مجلس الإسكان الفلسطيني، وعضو في مجالس استشارية ووزارية ولجان ومجالس أمناء وصناديق ومناصب أخرى كثيرة.
وعلى غرار المواقع التي شغلها اشتيه حضر الكثير من المؤتمرات، وله مؤلفات عدّة، لكنها متخصّصة في القرى والجغرافيا والاقتصاد الفلسطيني. كما أنه حاصل على وسام الاستحقاق الوطني برتبة «فارس» مقدّم من الرئيس الفرنسي جاك شيراك في 31 مايو (أيار) 1997.

آراء حوله
وحول شخصية اشتيه، قال منير الجاغوب، رئيس المكتب الإعلامي لحركة «فتح»، باختصار، «إنه منا وفينا». وتابع: «أهم ما يميزه أنه لا يتغير. جاء من أسرة فقيرة وبقي يحمل همّ الفلسطينيين كلهم... رجل مقبول حتى لدى خصوم (فتح) السياسيين». وحقاً، لم يعرف عن اشتيه أنه دخل سابقاً في مناكفات مع فصائل فلسطينية. وحتى عندما رفضت فصائل فلسطينية المشاركة في حكومته، قال إنه سيسمع منهم لماذا، معتبراً أن هذا حقهم.
هذا التواضع هو الذي جعل الروائي بهاء رحّال يعلق على تسلم اشتيه منصبه بالقول: «جميل أن نكون مع رئيس وزراء جريء ومختلف، ولا تغريه طول المواكب وعرضها والبساط الأحمر والمرافقات، وغيرها». أما عضو المجلس الثوري لحركة «فتح» محمد اللحام فشبّه اشتيه بـ«فدائي»، موضحاً أنه «رغم معرفتي، والكثير من أبناء الطريق، بإمكاناتك وقدراتك ومهاراتك التي تؤهلك للقيادة وسط جموع المطبّات والصعاب والعراقيل، فإن قبولك بالتكليف هو فدائية كبيرة كما وصفها أخونا أبو جهاد العالول». في المقابل، علق إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» التي هاجمت الحكومة بشدة، بأنه كان يتمنى ألا يضع اشتيه نفسه في هذا الموقع.

تناقض مع غرينبلات
لكن جايسون غرينبلات، مبعوث الرئيس الأميركي لعملية السلام، دخل فوراً في مناكفة فورية مع اشتيه. إذ كتب غرينبلات عبر حسابه على موقع «تويتر» متسائلاً: «لماذا يأمل رئيس الوزراء الجديد للسلطة الفلسطينية أن تولد خطتنا ميتة، ولماذا يريد للسلام أن يفشل؟». وأردف: «من خلال العمل معنا، ربما يحدث شيء رائع للفلسطينيين... لقد قلنا مراراً وتكراراً أن هذا الخطة لن تكون سوى خطة اقتصادية». وتابع غرينبلات: «رئيس الوزراء اشتيه بدأ عمله الجديد بإدانة خطة لم يرها واعتبرها غير عادلة للفلسطينيين»، على حد تعبيره. ثم وجّه كلامه إلى اشتيه قائلاً: «عليك الاطلاع عليها أولاً قبل أن ترفضها. تستطيع السلطة الفلسطينية أن تواصل دفعنا بعيداً، لكن ذلك لن يحسّن شيئاً في حياة الفلسطينيين». وتجدر الإشارة إلى أن اشتيه كان قد وصف خطة السلام الأميركية المرتقبة بأنها «ولدت ميتة لأن إسرائيل تشن بالتعاون مع الولايات المتحدة حرباً اقتصادية على الفلسطينيين... وأن الفلسطينيين لن يكتفوا بأقل من دولة ذات سيادة». واستطرد: «في أعقاب كل التحركات الأميركية لصالح إسرائيل، خصوصاً نقل السفارة إلى القدس، لم يعد هناك شيء للتفاوض عليه». وتابع: «كل اقتراح يتجاهل المطالب الأساسية للفلسطينيين سيقابل بالرفض من قبل المجتمع الدولي... أين ستكون لنا دولة فلسطينية؟ نحن غير معنيين بكيان، نحن نريد دولة ذات سيادة».
وفي تطرّقه إلى التقارير بشأن خطة السلام الأميركية بأنها ترتكز على مبادرات اقتصادية للفلسطينيين، قال اشتيه: «الفلسطينيون لا يرغبون في سلام اقتصادي. نحن نريد إنهاء الاحتلال. لا يمكن العيش تحت الاحتلال». وأضاف أنه بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب «لا يوجد شركاء..». وأردف رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد: إن «إسرائيل تشارك في حرب اقتصادية أعلنتها الولايات المتحدة علينا، النظام برمته يهدف إلى دفعنا للانصياع والموافقة على اتفاق سلام لا يتقبله العقل. الحديث يدور عن ابتزاز اقتصادي نحن نرفضه».
مواقف اشتيه هذه هي مواقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يعتبر اشتيه واحداً من المقربين له حتى قبل تسلمه منصبه الجديد. ولقد وقع الاختيار على اشتيه، خصيصاً؛ لأنه «فتحاوي» أكاديمي اقتصادي سياسي، وهادئ جداً، ومنظم كذلك، وخبير مؤسسات، وأهم من ذلك أنه مقرّب للغاية من عباس، وعليه يعوّل «الفتحاويون» باستعادة الدور في قيادة مؤسسات الدولة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».