حشد مليوني أمام قيادة الجيش السوداني لإكمال مطالب الثورة

6 مطالب لتصفية نظام البشير بينها حل {المؤتمر الوطني} وأذرعه العسكرية والاقتصادية

جماهير حاشدة أمام مقر قيادة الجيش السوداني أمس (تصوير: مصطفى عمر)
جماهير حاشدة أمام مقر قيادة الجيش السوداني أمس (تصوير: مصطفى عمر)
TT

حشد مليوني أمام قيادة الجيش السوداني لإكمال مطالب الثورة

جماهير حاشدة أمام مقر قيادة الجيش السوداني أمس (تصوير: مصطفى عمر)
جماهير حاشدة أمام مقر قيادة الجيش السوداني أمس (تصوير: مصطفى عمر)

احتشد أكثر من مليون شخص أمام قيادة الجيش السوداني بالخرطوم، وذلك بعد أسبوع على الإطاحة بالرئيس «المخلوع» عمر البشير بثورة شعبية، للمطالبة بتسريع تنفيذ المطالب الشعبية بتصفية النظام القديم ورموزه، وتكليف حكومة مدنية، وهيئة تشريعية، ومجلس رئاسي مدني.
وعزلت قيادة الجيش السوداني في 11 أبريل (نيسان) الحالي، الرئيس البشير، وذلك إثر اعتصام أكثر من مليون شخص أمام وزارة الدفاع والقيادة العامة استمر خمسة أيام، قبل أن يستجيب الجيش لطلب المعتصمين ويطيح البشير.
ومنذ صبيحة أمس بدأت حشود المنضمين للاعتصام، تتوافد على المكان في شكل أمواج بشرية هادرة، قوامها «مهنيون، وطلاب، وموظفون حكوميون، وعمال» كل يحمل لافتته التي تطالب بتصفية النظام الإنقاذي، وتسليم السلطة للمدنيين.
وقالت أحلام عبد العزيز ربة منزل في التاسعة والثلاثين من العمر، إنها أتت لدعم المعتصمين وللضغط على المجلس العسكري الانتقالي لتسريع تحقيق مطالب الثوار، وأضافت: «أنا سعيدة، عندما جاء البشير للحكم كان عمري تسع سنوات، وأفنى حكمه الديكتاتوري عمري الجميل»، وتابعت: «يا لها من سعادة أسبوع بكامله من دون إطلالة البشير التي كرهناها».
بينما قال أحمد موسى وهو أب في الخمسين، إنه فخور بأبنائه الذين شاركوا في المظاهرات والاحتجاجات التي أطاحت البشير، وتابع: «أنا فخور لأني ربيت أبنائي على حب السودان، لذلك فعلوا ما عجزنا عنه طوال ثلاثة عقود».
وتتلخص مطالب القوى السياسية السودانية، في 6 مطالب رئيسية، وهي تصفية النظام القديم ورموزه بما في ذلك حل المؤتمر الوطني الحاكم السابق وواجهاته الحربية والاقتصادية، وتكليف حكومة مدنية، وهيئة تشريعية، ومجلس رئاسي مدني، وهيكلة جهاز الأمن السوداني، ومحاربة الفساد وإصلاح الاقتصاد.
وأعد تجمع المهنيين السودانيين، وقوى الحرية والتغيير، اللذان قادا الاحتجاجات، برنامجاً حافلاً على طوال «شارع الجيش»، تضمنت ندوات تتحدث عن الانتقال من المقاومة والمعارضة إلى بناء الدولة، وآليات استرداد النقابات، والعدالة والمحاسبة ومحاكمة رموز النظام واسترداد الأموال المنهوبة، والانتقال من الحرب للسلام والعدالة الانتقالية، إضافة إلى عروض فنية ورياضية.
واستولى الرئيس المخلوع عمر البشير البالغ من العمر 75 عاماً على السلطة بانقلاب عسكري مدعوم من جماعة الإخوان المسلمين بزعامة حسن الترابي في 30 يونيو (حزيران) 1989. وظل ينفذ برامج الجماعة طوال الثلاثة عقود الماضية، وفرض في سبيل ذلك ما أطلق عيه «سياسة التمكين»، ما حول الدولة السودانية لأداة من أدوات التنظيم الذي يحمل اسما سودانياً هو «الحركة الإسلامية».
وخلال حكم البشير عاشت البلاد عددا من الكوارث والنزاعات، أكبرها انفصال جنوب السودان، والحروب التي شنها في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وإشاعة القتل في كل أنحاء البلاد.
وبدأت المظاهرات التي أطاحت البشير في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018، احتجاجاً على مضاعفة سعر الخبز، وندرة النقود والوقود، وارتفاع أسعار السلع الرئيسية، في كل من بورتسودان «شرق» وعطبرة «شمال».
لكن المظاهرات تحولت لحالة عامة وعمت معظم المدن السودانية، بما في ذلك العاصمة الخرطوم، ورفعت شعارات سياسية تطالب بتنحية البشير وحكومته على الفور، وظلت هتافات «حرية سلام وعدالة، والثورة خيار الشعب، وتسقط تسقط بس، وغيرها» تسمع في كل أنحاء البلاد.
وفي 6 أبريل الحالي، دعا تجمع المهنيين السودانيين، وقوى الحرية والتغيير، إلى مظاهرة احتجاجية أمام قيادة الجيش وبالقرب من قصر الضيافة مقر البشير، شارك فيها مئات الآلاف، بادئ الأمر، ثم تحولت إلى اعتصام شارك فيه الملايين، استمر خمسة أيام، اضطرت على أثره قيادة القوات المسلحة «خلع البشير» وتكوين مجلس عسكري انتقالي بقيادة وزير الدفاع السابق عوض بن عوف.
لكن المعتصمين رفضوا ما سموه انقلاب ابن عوف، وطالبوا بتنحيته ورددوا هتافات مناوئة له من قبيل «لم تسقط بعد»، ما اضطر قيادة الجيش لتنحيته خلال أقل من يوم وتسمية المفتش العام للجيش عبد الفتاح البرهان قائداً عسكرياً انتقالياً.
وواصل المتظاهرون الاعتصام طوال الأسبوع الماضي، ولم تخل الساحات أمام القيادة العامة للجيش من المعتصمين، للمطالبة بحل المجلس العسكري الانتقالي وتسمية حكومة مدنية، وحاولت قيادة الجيش فضه لكنها لم تفلح.
وبعد مرور أسبوع من الاعتصام، قل عدد المعتصمين وخاصة ليلاً، لكن تجمع المهنيين دعا لحشد مليوني أمس، استجاب له أكثر من مليون شخص بحسب تقديرات ميدانية، معيداً بذلك الحيوية للاعتصام، فيما يتوقع أن تستجيب أعداد مثيلة اليوم لأداء صلاة الجمعة في مكان الاعتصام.
وينتظر أن يزيد موكب أمس الخميس المليوني الضغط على المجلس العسكري الانتقالي من جهة، وعلى قوى المعارضة من الجهة الأخرى لتسريع تصفية نظام البشير، وتكوين حكومة مدنية ومجلس تشريعي متوافق عليه.
ويتمسك المتظاهرون بالبقاء في موقعهم إلى حين تصفية النظام القديم، وقال عمر أحمد، وهو شاب في الثامنة عشرة تعرض للاعتقال والتعذيب والمحاكمة لدى محاكم الطوارئ، إنه لن يغادر مكان الاعتصام قبل محاسبة الذين اعتدوا عليهم، وتكوين حكومة مدنية.
وكان تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير قد طالبوا باكراً بتكوين مجلس عسكري مدني مشترك، بيد أن قيادة الجيش شكلت «مجلساً عسكرياً» مكوناً من قادة يعدون من رموز النظام القديم، ومقابل ذلك طالبوا بـ«مجلس سيادي» مدني بتمثيل للقوات المسلحة.
ونقلت «الشرق الأوسط» عن القيادي بتجمع المهنيين محمد ناجي الأصم قوله، إن تحالف المعارض يطالب بحل المجلس العسكري الانتقالي، وتشكيل مجلس تشريعي مدني يمثَّل فيه العسكريون، وهو المطلب الذي يؤيده المعتصمون الذين دأبوا على الهتاف: «لم تسقط بعد».
ولم ينس متظاهرون ومعتصمون حملة القمع العنيفة التي واجهتهم بها سلطات نظام البشير وميليشياته وأجهزته الأمنية، وأدت لمقتل أكثر من 60 شخصاً، وجرح وإصابة المئات، فضلاً عن آلاف الأشخاص الذين اعتقلوا أو قدموا لمحاكم الطوارئ.
ولم تقنع القرارات التي اتخذها المجلس العسكري الانتقالي أعداداً كبيرة من المتظاهرين، ولم يرضهم اعتقال البشير وأشقائه، وعدد من رموز حكمه، وأبرزهم نائباه السابقان علي عثمان محمد طه وبكري حسن صالح، ومساعداه أحمد هارون وفيصل إبراهيم، وبدوا مشككين في صدقية الاعتقال، وطالبوا بكشف مكان اعتقالهم.
من جهته، قال علي إبراهيم البالغ من العمر ستين عاماً: «لن نغادر الميدان، ولن نكرر تجربة ثورة أبريل 1985، فبعد أن أسقطنا نظام النميري عدنا لبيوتنا، فأجهض المجلس العسكري الثورة»، وتابع: «نرفع الاعتصام بشرط واحد، تحقيق مطالبنا بمحاسبة النظام المخلوع ورموزه، واستعادة الدولة من (الكيزان)، وتسليم السلطة لحكومة مدنية بصلاحيات كاملة».
وتزامناً مع اعتصام الخرطوم، خرجت مظاهرات ومواكب في عدد من مدن السودان، اتجهت كلها لمقرات الجيش في تلك المدن، وشملت شمال كردفان مواكب للمعلمين والمحامين، فيما شهدت ولاية النيل مواكب مشابهة، ومثلها الفاشر في الغرب وبورتسودان في الشرق.
من جهة أخرى، تضاربت الروايات حول مصير البشير، فبعد أن أعلن المجلس العسكري الانتقالي أنه موضوع في الإقامة الجبرية في مكان آمن لم يسمه، أثير أمس أن الرجل الذي أدخل آلاف السودانيين سجن كوبر الشهير نقل إليه.
لكن مصدرا من «أسرة البشير» أكد لـ«الشرق الأوسط» أن قرار نقل البشير إلى السجن الشهير اتخذ أول من أمس، لكن الرجل لم ينقل إلى السجن إلاّ صبيحة أمس، ليلحق بأخويه «عبد الله والعباس» اللذين أعلن المجلس العسكري الانتقالي القبض عليهما.
ونقل موقع «باج نيوز» السوداني عن إدارة «سجن كوبر» أن أفضل «زنزانة» في السجن أفرغت من أجل الرئيس البشير، وبحسب الموقع فإن الغرفة التي أعدت للبشير، اعتقل فيها من قبل زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي، ومدير الدائرة السياسية الأسبق بجهاز الأمن عبد الغفار الشريف، وأنها ظلت طوال التاريخ محبساً للشخصيات البارزة التي يتم القبض عليها لأسباب سياسية.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.