تدابير ماكرون للرد على «السترات الصفراء» جاءت «متواضعة»

اجتماعات متلاحقة لتعجيل إعادة بناء نوتردام... والتبرعات قاربت المليار يورو

ماكرون لدى استقباله رجال إطفاء باريس في قصر الإليزيه أمس (أ.ف.ب)
ماكرون لدى استقباله رجال إطفاء باريس في قصر الإليزيه أمس (أ.ف.ب)
TT

تدابير ماكرون للرد على «السترات الصفراء» جاءت «متواضعة»

ماكرون لدى استقباله رجال إطفاء باريس في قصر الإليزيه أمس (أ.ف.ب)
ماكرون لدى استقباله رجال إطفاء باريس في قصر الإليزيه أمس (أ.ف.ب)

منذ الاثنين الماضي، استحوذت كارثة حريق كاتدرائية نوتردام على اهتمام السلطات الفرنسية. وبعد زمن التعبير عن الأسى والتحسر والتضامن الدولي، جاء زمن إعادة البناء الذي كُرّس له اجتماع مجلس الوزراء أمس الذي أعقب باجتماع آخر في قصر الإليزيه برئاسة إيمانويل ماكرون وحضور رئيس الحكومة والوزراء المختصين. ويريد ماكرون أن تكون لإعادة إنهاض كاتدرائية العاصمة بما تحمله من رموز ومضامين، الأولوية على غيره من المشاريع. وفي كلمته مساء الثلاثاء، أكد ماكرون أنه يريد إنجاز هذه العملية خلال خمس سنوات. ولا يبدو أن توفير التمويل اللازم سيكون بمثابة مشكلة للسلطات، إذ إن الهبات تدفّقت من داخل فرنسا وخارجها وقاربت حتى عصر أمس المليار يورو، فيما لم تتوافر حتى الآن تقديرات عن التكلفة المتوقعة.
وأمس، أعلن إدوار فيليب عن إطلاق مسابقة دولية للمهندسين المعماريين تركز على كيفية إعادة بناء البرج الأعلى «سهم الكاتدرائية» الذي تداعى بفعل النيران، وكان ارتفاعه يصل إلى 93 مترا. والسؤال يتناول ما إذا كان من الأفضل إعادة بنائه كما كان تماما «بنية خشبية مغطاة بصفائح من الرصاص»، أم استخدام مواد بنائية وأساليب هندسية أخرى. وأفاد فيليب بأن الحكومة ستقدّم الأسبوع القادم إلى البرلمان مشروع قانون يتيح للمتبرعين أكانوا من الأفراد أو من الشركات، الاستفادة من إعفاءات ضريبية يمكن أن تزيد على الستين في المائة في إطار الاكتتاب الوطني الذي تحدث عنه رئيس الجمهورية. وسيتولى الجنرال السابق جان لويس جورجولين مهمة الإشراف على الهيئة التي ستدير المشروع.
من النتائج التي ترتبت على كارثة الكاتدرائية المنكوبة أن أجندة الرئيس الفرنسي انقلبت رأسا على عقب. ذلك أن الأسبوع الحالي كان مخصصا للإعلان عن التدابير التي قرّرها ماكرون ردا على حركة «السترات الصفراء»، والتي استخلصها من «الحوار الوطني الكبير». ولهذا الغرض، كان من المفترض أن يتحدث إلى مواطنيه مساء الاثنين، وأن يعقد مؤتمرا صحافيا هو الأول من نوعه بعد ظهر الأربعاء. ووفق السياسيين والمحللين، فإن الأسبوع الحالي كان يفترض أن يكون حاسما لما تبقى من ولايته «ثلاث سنوات» ولبرنامجه الإصلاحي الذي جاء به إلى الرئاسة ولمستقبله الشخصي. يضاف إلى ذلك أن سقف التوقعات كان مرتفعا جدا.
والحال أن الحريق الهائل أطاح ببرنامجه ومنعه من الكشف عن الترتيبات التي قررها لوضع حد لسلسلة أيام التعبئة التي تدوم منذ أكثر من خمسة أشهر في العاصمة والمدن الأخرى والتي شهدت أعمال عنف وحريقا ونهبا وجولات من الكر والفر بين المتظاهرين ورجال الأمن. ورغم أن «الحركة» تراجعت في الأسابيع الأخيرة، فإنها لم تمت ومستقبلها مربوط بردود الفعل المنتظرة على ما كان سيعلنه الرئيس.
وحتى اليوم، لم يصدر أي بيان رسمي عن الإليزيه، لكن ماكرون أشار في كلمته مساء الثلاثاء إلى أن «الزمن السياسي» سيعود قريبا وسيتحدث مجددا إلى الفرنسيين عن الإجراءات والتدابير الموعودة. بيد أن الكلمة التلفزيونية التي كان ماكرون سيلقيها وقام بتسجيلها بعد ظهر الاثنين قد تسربت إلى عدد من الوسائل الإعلامية. وردا على التساؤلات حول صحة ما نشر، اكتفت مصادر الإليزيه بالقول إنها «لا تؤكد ولا تنفي».
حقيقة الأمر أن ما جاء في هذه التسريبات لا يمكن اعتباره حدثا «ثوريا»، وهو بعيد جدا عما سبقها من كلام تضخيمي واعتبارها نقطة «فاصلة» بين زمنين مثلما أفادت الناطقة باسم الحكومة سيبيت نديا. وأبرز ما جاءت به التدابير الرئاسية هو الوعد بخفض ضريبة الدخل على الطبقة الوسطى التي عانت في السنوات الأخيرة من زياداتها المتلاحقة، وإيجاد شريحة ضريبية جديدة للرواتب العليا وأخرى للرواتب الضعيفة. لكن ماكرون يرفض العودة إلى إعادة فرض الضريبة على الثروة التي كانت مطلبا رئيسا في المظاهرات وبسببها ينظر إليه على أنه «رئيس الأغنياء». بموازاة ذلك وفي سعي واضح لإرضاء الشرائح الأضعف، قرر ماكرون استمرار العمل بزيادة الألف يورو الصافية من الضرائب التي طلب من الشركات منحها للموظفين نهاية العام الماضي. كذلك، قرر ربط المعاشات التقاعدية التي تقل عن 2000 يورو بمؤشر الغلاء.
بيد أن الإجراء الأبرز «وغير المنتظر حقيقة» هو قراره بإلغاء المعهد الوطني للإدارة الذي يخرج منذ عقود كبار موظفي وكادرات الدولة واستبداله من خلال بنية أخرى. والسبب في ذلك الاتهامات الموجهة لهذا المعهد والتي تقول إن خريجيه «منقطعون» عن المجتمع الفرنسي وعن همومه. والجدير بالذكر أن ماكرون شخصيا خريج هذا المعهد. يضاف إلى ما تقدم تدابير مصاحبة ومنها خفض أعداد التلامذة في صفوف الحضانة والابتدائية للمدارس الموجودة في المناطق الحساسة، والالتزام بالامتناع عن إغلاق أي مدرسة أو مستشفى حتى نهاية ولايته، وبذلك أراد الاستجابة لشكاوى المناطق الريفية. أما على المستوى السياسي، فإن ماكرون يلتزم بإدخال شيء من النسبية على قانون الانتخاب، ويقبل العمل بالاستفتاء بمبادرة شعبية ولكن على المستوى المحلي.
إزاء ما تسرب، بقيت ردود الفعل ضعيفة، وذلك على الأرجح لسببين. الأول، أن المعارضة لا تريد أن تتهم بعدم احترام الشعور العام المتأتي عن صدمة حريق الكاتدرائية، والثاني لأنها تنتظر الإعلان رسميا عن التدابير الرئاسية. لكن التريث لا يعني فتور ردود الأفعال، خصوصا أن المطالب التي رفعت في الأشهر الخمسة الأخيرة تشدد على العدالة الضريبية والعدالة الاجتماعية، وعلى الحاجة لإشراك المواطن في اتخاذ القرارات.
والحال أن ما تسرب لا يُنبّئ بأن ماكرون جاء بما كان يُنتظر منه. فالغائب الأكبر هو موضوع زيادات الرسوم على المحروقات والنقلة البيئية التي كانت في أساس انطلاق الحركة الاحتجاجية، والرئيس الفرنسي لا يأتي على ذكرها بتاتا. يضاف إلى ذلك أن غالبية الإجراءات لا يعدو كونه «عناوين» تحتاج إلى مشاريع قوانين وتفاصيل لكنها بقيت غائبة عن الكلام الرئاسي. ويتعين انتظار بعد غد السبت لرؤية ردة فعل الشارع في يوم التظاهر التقليدي الثالث والعشرين.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».