البشير وأشقاؤه في السجن... و«العسكري» يعد بتسريع تسليم السلطة للمدنيين

إجراءات لمكافحة الفساد والبرهان يبدي زهده في الحكم... الأصم لـ«الشرق الأوسط»: طالبنا بتقليص صلاحيات العسكر

تواصل الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
تواصل الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

البشير وأشقاؤه في السجن... و«العسكري» يعد بتسريع تسليم السلطة للمدنيين

تواصل الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
تواصل الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

حقق المعتصمون أمام قيادة الجيش السوداني، انتصاراً جديداً، وخطوة أخرى في سبيل اجتثاث نظام الإنقاذ الوطني السابق، بعد أن قامت السلطة العسكرية الانتقالية، الحاكمة، بنقل الرئيس المعزول عمر البشير، إلى سجن كوبر المركزي، في الخرطوم بحري، ليل الثلاثاء، ليلحق برفيقيه، نائبه أحمد هارون، ووالي الخرطوم، عبد الرحيم محمد حسين، الذي لازمه طوال عهده الذي ناهز 30 عاماً، في حين تم وضع رئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر في الإقامة الجبرية فور عودته من قطر. في غضون ذلك، تعهد رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان، بتسليم السلطة للشعب في «أقرب وقت ممكن».
وقال المجلس العسكري، أمس، إنه جرى اعتقال شقيقين للرئيس المخلوع عمر البشير هما عبد الله والعباس، في إطار حملة الاعتقالات الجارية «لرموز النظام السابق».
وقال متحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي, شمس الدين كباشي، إن القوات غير النظامية الموالية للحزب الحاكم السابق بزعامة البشير وضعت تحت قيادة الجيش والشرطة.
وكشف، أن الجهات الثلاث (الدفاع الشعبي، ومنسقية الخدمة المدنية، والشرطة الشعبية) سيطرت عليها القوات المسلحة والشرطة، وأنه جارٍ حصر ممتلكاتها.
وقال أحد أقارب البشير لـ«الشرق الأوسط»، أمس: إن الرئيس المعزول نُقل إلى سجن «كوبر» الشهير الواقع على الضفة الشرقية للنيل الأزرق، عند مدينة «الخرطوم بحري». مشيراً إلى وجود عدد من قادة الإنقاذ حالياً في السجن نفسه، من بينهم عبد الرحيم محمد حسين، وأحمد هارون، وقادة حزب المؤتمر الوطني.
وكان المتحدث باسم «المجلس العسكري الانتقالي» الفريق شمس الدين كباشي، قد وعد الصحافيين قبل ثلاثة أيام بنشر قوائم المحبوسين والمتحفظ عليهم من رموز النظام السابق من المسؤولين الحزبيين والرسميين، بيد أنه لم يكشف عن قوائم الاعتقالات بعد؛ ما فتح المجال واسعاً أمام التكهنات.
وفور ذيوع خبر نقل البشير إلى السجن السياسي الشهير، كوبر، بضاحية الخرطوم بحري، سارعت أجهزة الإعلام المحلية والدولية، إلى نصب كاميراتها أمام بوابة السجن، بأمل السماح لها بالحصول على «صورة» للرجل الذي حكم السودان بالحديد والنار طوال ثلاثين عاماً، وهو يرسف في أغلاله، في حين نشرت قوات كبيرة من الجيش وقوات الدعم السريع خارج السجن.
وذكر مصدر «الشرق الأوسط»، أن البشير وضع في «حبس منفرد» بعيداً عن مكان رموز نظامه الأخرين الذين قبض عليهم قبله، وأن أسرته لا تعلم بوضعه الآن، وذلك بعد أن بقي محتجزاً بحراسة مشددة في «بيت الضيافة» داخل القيادة العامة للجيش.
من جهة أخرى، تواصلت عمليات التعبئة الجماهيرية بين المعتصمين، وسيّرت «لجنة الأطباء المركزية» – نقابية معارضة – موكباً للأطباء، في حين سيّرت «شبكة الصحافيين السودانيين»، موكباً انطلق من وكالة الأنباء الرسمية (سونا)، وتوجه الموكبان إلى مقر الاعتصام. وذكرت لجنة الأطباء المركزية، أن الموكب يهدف إلى دعم المعتصمين، وإعادة هيكلة النظام الصحي، وانتزاع مركز القرار الصحي من رموز النظام المعزول، في حين قالت شبكة الصحافيين إن موكبها يستهدف «إزالة آثار النظام القديم في أجهزة الإعلام الرسمية، وهيكلتها لتحقيق أهداف التحول الديمقراطي والعدالة والمساواة، وإيقاف هيمنة رموز العهد البائد على تلك الأجهزة، وذلك استمراراً لمسيرات الاعتصام «النوعية» التي بدأت بأساتذة جامعة الخرطوم أول من أمس.
من جهة أخرى، أصدر المجلس العسكري الانتقالي قراراً، قضى بمراجعة حركة الأموال، وحجزها المشتبه فيها ابتداء من الشهر الحالي؛ وذلك امتداداً لقراره السابق بإلزام المؤسسات الحكومية بالإفصاح عن حساباتها المصرفية داخل وخارج البلاد. وقال بيان صادر عن الإعلام العسكري أمس: إن رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان وجّه البنك المركزي، بمتابعة والإبلاغ عن «أي حركة كبيرة أو مشبوهة للأموال عن طريق المقاصة أو التحويلات».
وذلك ضمن إجراءات يُنتظر أن يتخذها المجلس لمحاسبة الفساد المستشري في البلاد، طوال حكم الرئيس المعزول عمر البشير، كما وجّه القرار السجّل التجاري، بوقف تبادل الأسهم ونقل ملكيتها، والإبلاغ عن أي عمليات نقل أسهم أو شركات بصورة مثيرة للشكوك. وألزم مرسوم أصدره البرهان مؤسسات الدولة بكشف حساباتها المصرفية والإيداعات داخل البلاد وخارجها، ونصّ على أن «كافة الوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات والكيانات الحكومية، وجميع الجهات التي تمتلك حكومة السودان حصة فيها، عليها التقدم بالبيانات اللازمة حول الحسابات المصرفية والإيداعات والأوراق المالية والمبالغ النقدية أو أي معادن نفيسة أو مجوهرات داخل وخارج السودان»، وتسليمها لبنك السودان والجهات المعنية خلال 72 ساعة. وتوعد المرسوم المخالفين لقراره بالمساءلة، وإخضاعهم للمحاكمة التي لا تتجاوز عقوبتها السجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات أو الغرامة أو العقوبتين معاً.
وفي حين أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان، عزمه على «نقل السلطة إلى الشعب في أقرب وقت ممكن»، بدا القيادي بـ«تجمع المهنيين السودانيين» محمد ناجي الأصم متفائلاً بالتطورات التي تشهدها البلاد. وقال الأصم لـ«الشرق الأوسط» أمس: «لقد تحقق جزء كبير من مطالب الثورة، لكن المطلب الأساس لا يزال قائماً»، وتابع: «نعمل على تعبيد طريق آمنة لمطالب الثورة السودانية، وذلك لن يتم إلا بتسليم السلطة السيادية للمدنيين مع تمثيل العسكريين».
وعقد المجلس العسكري الانتقالي أمس، أول اجتماعاته في القصر الجمهوري، على الضفة الغربية للنيل، وترأس الاجتماع رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، وأبدى الرجل الذي جلس على «الكرسي» الذي ظل البشير يحتكره طوال الثلاثين سنة الماضية، زهده في السلطة، وتعهد بتسليم السلطة للشعب في أقرب وقت ممكن.
وبحسب تقارير صحافية، تناول الاجتماع تقارير أداء اللجان، وبحث قضايا تتعلق بالأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية بالبلاد، وصدرت خلاله عدد من التوجيهات والقرارات الاقتصادية والسياسية.
وأوضح الأصم، أن الثورة أدت إلى تغيير نظام عمر البشير، ودفعت الموجة الثانية من الثورة كلاً من رئيس المجلس العسكري الانتقالي وزير الدفاع السابق عوض بن عوف، ونائبه الفريق كمال عبد المعروف إلى التنحي، وتابع: «لكن هذه ليست القضية الأساسية، القضية الأساسية تسليم السلطة للمدنيين وتحقيق المطالب كاملة». وتوقع الأصم استجابة المجلس العسكري لمطالب الشارع، وقال: «قد لا يتم ذلك بسهولة، لكن المجلس مضطر للاستجابة؛ لأنه أكد أنه تسلم السلطة لتحقيق مطالب الشعب السوداني»، إضافة إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه تواجد الناس في الميادين من ضغط على المجلس، وتابع: «هذا التواجد أزاح البشير وبن عوف، وهو الذي يضمن تحقيق المطالب»، وأضاف: «لا توجد قوة تستطيع الوقوف ضد مطالب الشعب».
ونفى الأصم تقديم «ترشيحات» بأسماء الوزراء للحكومة المزمعة تكوينها، وقال: «سلمنا رؤيتنا للحكومة، وتتكون من ثلاثة مستويات، سيادية وتنفيذية وتشريعية»، وأضاف: «الخطوة المهمة بالنسبة لنا موافقة المجلس على تقليص صلاحياته، وبعدها يمكن النقاش حول التشكيلة الوزارية».
وفي السياق، سلمت لجنة من «قوى الحرية والتغيير» المجلس العسكري الانتقالي، ورقة تتضمن مقترحاتها بشأن آليات الانتقال والفترة الانتقالية، وقالت عضو لجنة التفاوض مريم المهدي لـ«الشرق الأوسط» أمس: «قدمنا ورقة (آليات ترتيب الانتقال للسلطة الانتقالية المدنية) المجمع عليها للمجلس العسكري الانتقالي».
وحسب المهدي، فإن اللجنة التي قابلت المجلس العسكري الانتقالي مكونة من شخصين لتمثيل «قوى الحرية والتغيير» وشخص عن «تجمع المهنيين»، وشخصين من ممثلين للمعتصمين «شاب وشابة». وأوضحت المهدي، أن اجتماعاً عقد أمس، قرر توسيع اللجنة المركزية لتحالف لقوى الحرية والتغيير لتشمل «الحركات المسلحة، ومنظمات المجتمع المدني»، وتكليف لجنة مصغرة منه للتفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي.
من جهته، قال عضو لجنة الانتقال كمال حامد البولاد لـ«الشرق الأوسط»: إن قوى الحرية والتغيير، اتفقت بشكل كامل على «مسودة الفترة الانتقالية» وتتمثل في تشكيل «مجلس رئاسي، ومجلس وزراء انتقالي، وبرلمان انتقالي». وأوضح البولاد أن لجنته ستقدم التصور للشعب السوداني باعتباره مدخلاً للفترة الانتقالية.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.