خفض عجز الموازنة يتطلب «شد أحزمة» وحديثٌ عن تعديل خاص بالعسكريين

TT

خفض عجز الموازنة يتطلب «شد أحزمة» وحديثٌ عن تعديل خاص بالعسكريين

مع انصراف مجلس الوزراء لدراسة مشروع الموازنة العامة للعام الحالي، تتحضّر الحكومة اللبنانية لاتخاذ رزمة من الإجراءات والتدابير التي يراد منها خفض العجز في الموازنة، الذي يؤدي حتماً إلى خفض خدمة الدين العام، وهذا يستدعي من جميع الأطراف النأي عن المزايدات الشعبوية بإعلان حالة من التضامن الوطني لالتقاط الفرصة الأخيرة لتفادي الانهيار الاقتصادي والمالي.
يقول عدد من الوزراء لـ«الشرق الأوسط»، إن البلد يقترب من حافة هاوية، ولم يعد من الجائز عدم التعامل بجدّية مع التحذيرات التي تطلقها الهيئات الاقتصادية والمؤسسات المالية الدولية والدول الداعمة للبنان. ويؤكد الوزراء أن الركون إلى ما تقرّر في مؤتمر «سيدر» لا يكفي ما لم يقترن بمبادرة الحكومة اللبنانية إلى تنفيذ ما التزمت به تحديداً بالنسبة إلى خفض العجز في الموازنة، ومكافحة الفساد، ووقف الهدر، والمباشرة بتحقيق الإصلاحات الإدارية والمالية.
ويلفت هؤلاء إلى أن خزينة الدولة ترزح حالياً تحت وطأة الأعباء المالية المترتبة على ارتفاع عدد الموظفين العاملين في القطاع العام بشكل لا يتناسب مع احتياجات الإدارات والمؤسسات العامة، وهذا ما تحذّر منه باستمرار المؤسسات المالية الدولية.
ويكشف الوزراء أن تكلفة الرواتب للعاملين في القطاع العام من عسكريين ومدنيين تقدّر حالياً بأكثر من 8 آلاف مليار و200 مليون ليرة، أي ما يعادل نحو 5 مليارات و500 مليون دولار، موزّعة على 150 ألف موظف وما يزيد على 100 ألف متقاعد بين مدنيين وعسكريين.
ويؤكدون بأن هناك ضرورة ملحة لإعادة النظر في رواتب رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات، وبعضها لم يعد من ضرورة لوجودها لغياب أي دور لها، إضافة إلى إقفال بعض السفارات اللبنانية في الخارج، وتقليص إرسال الوفود الوزارية لحضور المؤتمرات والاستعاضة عنها بتكليف السفراء لتمثيل لبنان فيها.
ويدعو هؤلاء الوزراء إلى إعادة هيكلة القطاع العام، شرط أن يتلازم مع وقف التوظيف بسبب وجود فائض في الإدارات، وأيضاً وقف التعويضات لقاء بدل قيام بعضهم بأعمال إضافية خارج الدوام الرسمي.
كما يدعو الوزراء إلى خفض بعض التقديمات الممنوحة للعاملين في القطاع العام، وبدرجات متفاوتة، والنظر في إمكانية دفع بعض التعويضات على شكل سندات خزينة شرط ألا تطال صغار الموظفين، ويرون أيضاً أن لا مانع من خفض الرواتب للذين يتقاضون رواتب عالية، إضافة إلى «ترشيق» التعويضات التي تُصرف لرؤساء الجمهورية والمجالس النيابية والنواب السابقين.
ويشدد هؤلاء على أن ما يسمى بالإصلاح المالي، يجب أن يبدأ من فوق، أي أن يطال ذوي الرواتب الفضفاضة. وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية بأن هناك ضرورة لإجراء مقاربة جديدة لـ«التدبير رقم 3» الذي يعطي العاملين في الأسلاك الأمنية والعسكرية تعويضات بحدود ثلاثة أشهر عن كل سنة خدمة.
وثمة تشديد على مشاركة العاملين في الأسلاك الأمنية في خفض العجز في الموازنة من دون إلغاء المفاعيل المالية للتدبير رقم 3، بل أن المطلوب «ترشيقه» لضرورات مالية.
وتؤكد المصادر الوزارية أن هناك جملة من المقترحات لـ«ترشيق» هذا التدبير، وأن القرار النهائي يعود لمجلس الوزراء في ضوء المداولات السرية لمجلس الدفاع الأعلى في هذا الخصوص، وأيضاً تلك المداولات التي سيخلص إليها الاجتماع الوزاري المرتقب الذي سيرأسه الرئيس الحريري قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء المقررة الخميس المقبل.
وتكشف المصادر أن من بين المقترحات التي يجري التداول في شأنها النظر في تقسيم «التدبير الرقم 3» إلى ثلاثة أثلاث تنص على إفادة القطاعات العسكرية المنتشرة في الجنوب في مواجهة إسرائيل من هذا التدبير دون المس فيه، على أن ينسحب أيضاً على القطاعات العسكرية المتمركزة على طول الحدود الشرقية والشمالية للبنان مع سوريا.
وبالنسبة إلى انتشار القطاعات العسكرية في خارج هذه المناطق، وبقرار صادر عن الحكومة، فإن التعويض على المشمولين بهذا الانتشار يقضي بأن يُعطى هؤلاء شهرين عن كل سنة خدمة، في مقابل إعطاء شهر ونصف الشهر عن كل سنة للآخرين من هم خارج خطة الانتشار.
وترى المصادر الوزارية أن هذه المقترحات ما زالت قيد الدرس، وتقول بأن مجرد الموافقة على إعادة النظر في «التدبير الرقم 3» في حاجة إلى تعديل المراسيم التي صدرت في هذا الخصوص، وتسأل ما إذا كان اقتطاع 10 في المائة من رواتب الموظفين الذين يتقاضون رواتب من مليوني ليرة وما فوق سيواجه اعتراضاً، رغم أن لا مفر من اتخاذ إجراءات صعبة وقاسية وبصورة موقتة لعلها تؤدي إلى خفض العجز على أن تشمل التقديمات التي تستفيد منها الجمعيات، والتي لا بد من أن يعاد النظر فيها.
لذلك يقف لبنان أمام مفترق طرق، وبات على الحكومة أن تتدارك منذ الآن ما هو أسوأ، في ضوء التحذير الذي أطلقه أخيراً رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، من أنه سيأتي اليوم الذي يتعذّر على الدولة أن تدفع رواتب موظفيها، في حال بقيت الأمور على حالها.
وتتجه الأنظار حالياً إلى مجلس الوزراء في مقاربته الأخيرة لما سيتخذه من إجراءات لخفض العجز، شرط أن تلقى تأييداً من البرلمان بعيداً عن المزايدات الشعبوية، خصوصاً أنها موقتة، وأن تحمل الأسلاك العسكرية والأمنية جزءاً من مفاعيلها، لا يعني الانتقاص من دورها في حفظ الأمن والتصدي للمجموعات الإرهابية وتفكيك شبكاتها.
ويبقى السؤال حول تدابير وإجراءات أخرى لخفض العجز، بما فيها تفعيل الجبايات ووقف التهريب و«الانفلاش» في الإنفاق، لئلاً يصبح لبنان «يوناناً أخرى»، كما حذّر الرئيس سعد الحريري.



مخابز خيرية في صنعاء تتعرض لحملة تعسف حوثية

يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
TT

مخابز خيرية في صنعاء تتعرض لحملة تعسف حوثية

يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)

استهلت جماعة الحوثيين شهر رمضان بتنفيذ حملات تعسف ضد أفران الخبز الخيرية بالعاصمة المختطفة صنعاء، وذلك في سياق إعاقتها المتكررة للأعمال الإنسانية والخيرية الرامية للتخفيف من حدة معاناة اليمنيين بالمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وتحدثت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن بدء مشرفين حوثيين برفقة مسلحين يتبعون ما تسمى «هيئة الزكاة الحوثية» تنفيذ حملات دهم بحق مخابز خيرية تتبع مبادرات تطوعية ومؤسسات خيرية ورجال أعمال في مديريات متفرقة بصنعاء، لإرغام العاملين فيها على دفع إتاوات، أو تعرضها للإغلاق والمصادرة.

وأكدت المصادر أن الحملة المباغتة استهدفت في أول يوم من انطلاقها 14 مخبزاً خيرياً في أحياء بيت معياد وبير عبيد والجرداء والقلفان والسنينة ومذبح بمديريتي السبعين ومعين بصنعاء، وأسفرت عن إغلاق 4 مخابز منها لرفضها دفع إتاوات، بينما فرضت على البقية دفع مبالغ مالية يتم توريدها إلى حسابات ما تسمى «هيئة الزكاة».

اتساع رقعة الجوع يجبر آلاف اليمنيين للاعتماد على المبادرات الإنسانية (أ.ف.ب)

وأثار الاستهداف الحوثي موجة غضب واسعة في أوساط السكان والناشطين في صنعاء، الذين أبدوا استنكارهم الشديد لقيام الجماعة بابتزاز المخابز الخيرية، رغم أنها مُخصصة للعمل التطوعي والخيري، وإشباع جوع مئات الأسر المتعففة.

استهداف للفقراء

واشتكى عاملون في مخابز خيرية طاولها استهداف الحوثيين في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، من تكثيف حملات التعسف ضد المخابز التي يعملون فيها، وأكدوا أن الحملة التي شنتها الجماعة أجبرتهم على دفع إتاوات، بينما هددت أخرى بالإغلاق حال عدم الاستجابة لأوامرها.

واتهم العاملون الجماعة الحوثية بأنها تهدف من خلال حملات التعسف لتضييق الخناق على فاعلي الخير والمؤسسات والمبادرات التطوعية الإنسانية والخيرية بغية منعهم من تقديم أي دعم للفقراء الذين تعج بهم المدن كافة التي تحت قبضتها.

امرأة في صنعاء تبحث في برميل القمامة عن علب البلاستيك لجمعها وبيعها (الشرق الأوسط)

ويزعم الانقلابيون الحوثيون أن حملتهم تستهدف الأفران التي تقوم بتوزيع الخبز خلال رمضان للفقراء بطريقة تصفها الجماعة بـ«المخالفة»، ودون الحصول على الإذن المسبق من «هيئة الزكاة»، والمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية التابع لها، والمخول بالتحكم في المساعدات.

وبينما حذرت مصادر إغاثية من مغبة استمرار الاستهداف الحوثي للمخابز الخيرية لما له من تأثير مباشر على حياة ومعيشة مئات الأسر الفقيرة، اشتكت عائلات فقيرة في صنعاء من حرمانها من الحصول على الخبز نتيجة حملات التعسف الأخيرة بحق الأفران.

وتؤكد المصادر الإغاثية أن التعسف الحوثي يستهدف الفقراء والمحتاجين في عموم مناطق سيطرة الجماعة من خلال مواصلة انتهاج سياسات الإفقار والتجويع المتعمدة، والسعي إلى اختلاق مبررات تهدف إلى حرمانهم من الحصول على أي معونات غذائية أو نقدية.

نقص الغذاء

ويتزامن هذا الاستهداف الانقلابي مع تحذيرات دولية حديثة من نقص الغذاء في اليمن حتى منتصف العام الحالي.

وفي تقرير حديث لها، نبَّهت «شبكة الإنذار المبكر من المجاعة» إلى أن ملايين اليمنيين سيعانون من عجز حقيقي في استهلاك الغذاء حتى منتصف العام الحالي على الأقل، حيث تستمرُّ الصدمات الاقتصادية الكلية، الناجمة عن الصراع المستمر في البلاد، في تقييد وصول الأسر بشدة إلى الغذاء.

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

ولفتت الشبكة المعنية بمراقبة أوضاع الأمن الغذائي في العالم والتحذير من المجاعة إلى أن مجموعة من المناطق تحت سيطرة الحوثيين لا تزال تواجه نتائج الطوارئ، وهي «المرحلة 4» من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أي على بُعد مرحلة واحدة من المجاعة.

واعتاد الانقلابيون الحوثيون منذ سنوات أعقبت الانقلاب والحرب، على استخدام مختلف الأساليب والطرق لتضييق الخناق على الجمعيات والمبادرات المجتمعية الإنسانية والخيرية، بغية حرمان اليمنيين من الحصول على أي مساعدات قد تبقيهم على قيد الحياة.