إيقاعات وفنون... 23 دولة تتحاور في القاهرة بلغة «الطبول»

المهرجان الدولي يصل إلى دورته السابعة

جانب من احتفالات إحدى الفرق الأفريقية بالمهرجان العام الماضي
جانب من احتفالات إحدى الفرق الأفريقية بالمهرجان العام الماضي
TT

إيقاعات وفنون... 23 دولة تتحاور في القاهرة بلغة «الطبول»

جانب من احتفالات إحدى الفرق الأفريقية بالمهرجان العام الماضي
جانب من احتفالات إحدى الفرق الأفريقية بالمهرجان العام الماضي

لا يقف مفهوم الإبداع الفني عند تقديم الجديد، بل يعد البحث في التراث وتقديمه في رؤى فنية متجددة أحد أهم قوالب الإبداع... وفق هذه الرؤية عمل الفنان المسرحي المصري انتصار عبد الفتاح، فكانت «الطبول» هي مصدر إلهامه، ليبدأ بها حواراً بين الحضارات يتحدث بلغة التراث والإبداع، ومترجماً إياه مسرحياً عبر «المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية»، الذي تتفاعل فيه الدقات والرقصات والثقافات، تحت شعار «حوار الطبول من أجل السلام».
وفي هذا العام يبلغ «حوار الطبول» عامه السابع، بعد أن انطلقت دورة المهرجان الأولى عام 2013، ليتوسع فضاؤه في نسخته الجديدة بمشاركة 23 دولة عربية وأجنبية، تلتقي بداية من السبت المقبل، على مدار أسبوع، في 8 أماكن بالقاهرة والمحافظات.
وقال انتصار عبد الفتاح، رئيس المهرجان، في مؤتمر صحافي، مساء أول من أمس، في المجلس الأعلى للصحافة بالقاهرة، للإعلان عن تفاصيل المهرجان، إن الدورة السابعة هذا العام تشهد مشاركة 23 دولة، هي: بولندا، ونيجيريا، واليونان، والمكسيك، والمالديف، والأردن، وأرمينيا، وغانا، وكازاحستان، وكولومبيا، والإكوادور، وبوروندي، والهند، والسعودية، وغينيا، والسنغال، والصين، وإندونيسيا، والكونغو، والسودان، وفلسطين، وسوريا، بالإضافة إلى مصر.
ولفت إلى أن العروض تقام بالقاهرة في عدة مناطق، منها قلعة صلاح الدين الأثرية (بئر يوسف)، ومسرح صحن القبو بقبة الغوري، وشارع المعز لدين الله الفاطمي، ومركز الطفل للحضارة والإبداع (متحف الطفل)، وحديقة الحرية بالجزيرة، ومسرح ساحة الهناجر بدار الأوبرا المصرية، والحديقة الدولية بحي مدينة نصر، إلى جانب حديقة حي شرق شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية (شمال القاهرة).
وكشف عبد الفتاح، خلال المؤتمر الصحافي الذي بدأ بعرض فيلم تسجيلي عن أهداف وتاريخ المهرجان، أن قارة أفريقيا هي ضيف الشرف الدائم لمهرجان الطبول، وهذا العام تعد ضيف الشرف الرسمي، بمناسبة تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي، وإعلان الرئيس المصري أن عام 2019 هو عام أفريقيا، لافتاً إلى أنه سعيد أيضاً بمشاركة فرق بالمهرجان من فلسطين وسوريا والسودان رغم الأحداث السياسية التي يمرون بها.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أبدى الفنان انتصار عبد الفتاح، سعادته بالتوسع في فعاليات المهرجان، قائلاً: «تشارك دولتا بولندا وكولومبيا لأول مرة، وفرق جديدة لم تشارك من قبل من دول الهند والمكسيك والأردن واليونان والصين، إلى جانب زيادة عدد الفرق ككل، وهو ما يجعلنا نفخر بأن عدد المشاركين في دورات المهرجان كافة زاد على 136 دولة وأكثر من 200 فرقة من مختلف ثقافات العالم».
وبسؤاله عن الأهمية الثقافية والسياحية للمهرجان بعد وصوله للدورة السابعة؛ أجاب: «الأهمية تتمثل في ارتباط الجمهور بهذا المهرجان، وارتقائه مع فنون العالم، والأهمية الكبرى في الحوار مع الآخر، وتأكيد التواصل بين شعوب العالم، وانطلاق فعالياته إلى الأماكن الشعبية، كما تتمثل أهميته في بيان تفرُّد الشخصية المصرية وتصدير المنتج الثقافي المصري إلى العالم، وبالتالي تجاوز حدود الثقافات المختلفة».



من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
TT

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

في الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، تنافست أعمال استثنائية نقلت قصصاً إنسانية مؤثّرة عن واقع المرأة في إيران وأفغانستان. وسط أجواء الاحتفاء بالفنّ السينمائي بوصفه وسيلةً للتعبير والتغيير، قدَّم فيلما «السادسة صباحاً» للإيراني مهران مديري، و«أغنية سيما» للأفغانية رؤيا سادات، شهادتين بارزتين على تحدّيات النساء في بيئاتهن الاجتماعية والسياسية.

«السادسة صباحاً»... دراما الصراع مع السلطة

يروي الفيلم قصة «سارة»، الشابة الإيرانية التي تتأهّب لمغادرة طهران لإكمال دراستها في كندا. تتحوّل ليلة وداعها مواجهةً مفاجئةً مع «شرطة الأخلاق»؛ إذ يقتحم أفرادها حفلاً صغيراً في منزل صديقتها. يكشف العمل، بأسلوب مشوّق، الضغط الذي تعيشه النساء الإيرانيات في ظلّ نظام تحكمه الرقابة الصارمة على الحرّيات الفردية، ويبرز الخوف الذي يطاردهن حتى في أكثر اللحظات بساطة.

الفيلم، الذي أخرجه مهران مديري، المعروف بسخريته اللاذعة، يجمع بين التوتّر النفسي والإسقاطات الاجتماعية. وتُشارك في بطولته سميرة حسنبور ومهران مديري نفسه الذي يظهر بدور مفاوض شرطة يضيف أبعاداً مرعبة ومعقَّدة إلى المشهد، فيقدّم دراما تشويقية.

لقطة من فيلم «أغنية سيما» المُقدَّر (غيتي)

«أغنية سيما»... شهادة على شجاعة الأفغانيات

أما فيلم «أغنية سيما»، فهو رحلة ملحمية في زمن مضطرب من تاريخ أفغانستان. تدور الأحداث في سبعينات القرن الماضي، حين واجهت البلاد صراعات سياسية وآيديولوجية بين الشيوعيين والإسلاميين. يتبع العمل حياة «ثريا»، الشابة الشيوعية التي تناضل من أجل حقوق المرأة، وصديقتها «سيما»، الموسيقية الحالمة التي تبتعد عن السياسة.

الفيلم، الذي أخرجته رؤيا سادات، يستعرض العلاقة المعقَّدة بين الصديقتين في ظلّ انقسام آيديولوجي حاد، ويُظهر كيف حاولت النساء الأفغانيات الحفاظ على شجاعتهن وكرامتهن وسط دوامة الحرب والاضطهاد. بأداء باهر من موزداح جمال زاده ونيلوفر كوخاني، تتراءى تعقيدات الهوية الأنثوية في مواجهة المتغيّرات الاجتماعية والسياسية.

من خلال هذين الفيلمين، يقدّم مهرجان «البحر الأحمر» فرصة فريدة لفهم قضايا المرأة في المجتمعات المحافظة والمضطربة سياسياً. فـ«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة، مع الإضاءة على دور الفنّ الحاسم في رفع الصوت ضدّ الظلم.

في هذا السياق، يقول الناقد السينمائي الدكتور محمد البشير لـ«الشرق الأوسط»، إنّ فيلم «السادسة صباحاً» ينساب ضمن وحدة زمانية ومكانية لنقد التسلُّط الديني لا السلطة الدينية، واقتحام النيات والمنازل، وممارسة النفوذ بمحاكمة الناس، وما تُسبّبه تلك الممارسات من ضياع مستقبل الشباب، مثل «سارة»، أو تعريض أخيها للانتحار. فهذه المآلات القاسية، مرَّرها المخرج بذكاء، وبأداء رائع من البطلة سميرة حسنبور، علماً بأنّ معظم الأحداث تدور في مكان واحد، وإنما تواليها يُشعر المُشاهد بأنه في فضاء رحب يحاكي اتّساع الكون، واستنساخ المكان وإسقاطه على آخر يمكن أن يعاني أبناؤه التسلّط الذي تعيشه البطلة ومَن يشاركها ظروفها.

على الصعيد الفنّي، يقول البشير: «أجاد المخرج بتأثيث المكان، واختيار لوحات لها رمزيتها، مثل لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للهولندي يوهانس فيرمير، ورسومات مايكل أنجلو على سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان، وغيرها من الرموز والاختيارات المونتاجية، التي تبطئ اللقطات في زمن عابر، أو زمن محدود، واللقطات الواسعة والضيقة».

يأتي ذلك تأكيداً على انفتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، ومراهنته على مكانته المرتقبة في قائمة المهرجانات العالمية، وترحيبه دائماً بكل القضايا المشروعة.

ونَيل «أغنية سيما» و«السادسة صباحاً» وغيرهما من أفلام هذه الدورة، التقدير، وتتويج «الذراري الحمر» للتونسي لطفي عاشور بجائزة «اليُسر الذهبية»، لتقديمه حادثة واقعية عن تصفية خلايا إرهابية شخصاً بريئاً... كلها دليل على أهمية صوت السينما التي أصبحت أهم وسيلة عصرية لمناصرة القضايا العادلة متى قدّمها مُنصفون.

وأظهر المهرجان الذي حمل شعار «للسينما بيت جديد» التزامه بدعم الأفلام التي تحمل قضايا إنسانية عميقة، مما يعزّز مكانته بوصفه منصةً حيويةً للأصوات المبدعة والمهمَّشة من مختلف أنحاء العالم.