توثيق الحكاية الشعبية

من الضروري المحافظة على التراث الحكائي من دون الإخلال ببعده الشفاهي

توثيق الحكاية الشعبية
TT

توثيق الحكاية الشعبية

توثيق الحكاية الشعبية

قدّم عدد من الباحثين والمهتمين العرب إصدارات كثيرة وجهوداً كبيرة، سعوا فيها إلى توثيق الحكاية الشعبية، حفظاً لها من الضياع في هذه المرحلة، ورغبة في إعادة الحياة إليها، وتنشيط حضورها في الثقافة الشعبية. وتستحق تلك الأعمال التقدير والاعتزاز، لكونها تمكنت من تحقيق المتعة للمتلقين، إلى جانب كونها كشفت ملامح من ماضي الذاكرة الجمعية، باستحضار أنماط حيوات المجتمعات السابقة وطقوسها وعاداتها.
وأحسب أن هذا النوع من التوثيق في الثقافة العربية يحتاج إلى مراجعة لا تقلل منه، بل تحاول تعزيزه وتقريبه.
تعرّف الحكاية الشعبية، وفقاً لما أوردته الباحثة نبيلة إبراهيم عن بعض المعاجم الأوروبية في كتابها «أشكال التعبير في الأدب الشعبي»، بأنها: «الخبر الذي يتصل بحدث قديم، ينتقل عن طريق النقل الشفاهي من جيل إلى آخر، أو هي خلق حر للخيال الشعبي، ينسجه حول حوادث مهمة، وشخوص، ومواقع تاريخية. أما المعاجم الإنجليزية، فتعرفها بأنها حكاية، يصدقها الشعب بعدّها حقيقة، وهي تتطور مع العصور، وتتداول شفاهة، كما أنها قد تختص بالحوادث التاريخية الصرف، أو بالأبطال الذين يصنعون التاريخ»، ونلحظ أن التعريف المتشعب السابق يركز على أربعة مبادئ رئيسة، تستند إليها الحكاية الشعبية: الشفاهية، وتنشيط الخيال الجمعي، وقابلية النمو والتطور، إلى جانب كونها تفاعلية وغير معزولة عن المتلقين.
ويمكن النظر إلى توثيق الحكاية الشعبية في دائرته الأكثر تفاؤلاً على أنه عمل يتصل بهذا الشكل التعبيري، لكنه لا يعني أن يكون الحكاية الشعبية نفسها، بل هو صورة عنها، وتزداد هذه الصورة وضوحاً أو غموضاً، كلما اقتربت أو ابتعدت في مداراتها من أو عن جِرم الحكاية.
أما في الدائرة الأكثر تشاؤماً، فنحن أمام نص حبيس مقيد عاجز، توقف نموه، يمثل الأجيال السابقة، لكنه لن يكون ممثلاً لنا لدى الأجيال المقبلة، ولن يعكس مخيالنا المعاصر، ولن يكون لنا سوى فضل اعتقال ما يشبهه وتقييده، ليبدو العمل برمته فعلاً يماثل صلب المسيح في المعتقد الإسلامي!
من الحكمة أن نغادر هذه الدائرة المتشائمة إلى الأخرى الأكثر إشراقاً، التي تقترح الحكايات الشعبية بوصفها أجراماً ثابتة، وترى توثيقها بوصفه أجراماً تدور حولها في مدارات، وتأتي هذه الاستعارة لبيان ما يحدث فعلاً عند توثيق الحكاية الشعبية المعاصر الذي يمكن وصفه بأنه مقتصر على أجرام تدور حولها لكنها لا تلتصق بها، وتشبهها لكنها لا تمثلها.
إن مستويات التوثيق المتوقعة تتجلى غالباً كما يأتي: الأول منها يتمثل في التوثيق باللغة الفصحى، وهو شائع في محاولات شتى، وتظهر لنا فيه صورة الحكاية التي فقدت كل مبادئها. ويأتي الثاني بلغة الحكاية نفسها (العامية)، وهذا نادر، ونلحظ أن صورة الحكاية هنا افتقدت الشفاهية والنمو والتطور وحرية الخيال. ومنه التوثيق الشفاهي الثابت، وهو متوفر ونادر، ولا يدعم الخيال، ومع أن هذا المدار يفعل البعد الصوتي ليبدو أقرب إلى الحكاية الشعبية، فإنه مهجور، ينصرف الناس عن الإفادة منه، في حين يميل القراء إلى الكتب المطبوعة التي أخرجت الحكاية من صيغتها التفاعلية وقيدتها، ويفترض التقييد عدم تنامي هذه الحكاية، وقتل البيئات الخالقة لتطورها، ومن ثم فإن كل المستويات السابقة تلغي مبدأ التفاعلية مع المتلقين.
ولعل الإجابة عن السؤال الافتراضي الآتي: هل تتطابق الحكاية الشعبية التي نعرفها اليوم مع الحكاية الشعبية قبل مائة عام؟ ستكون مقترنة بالنفي. وعلى ذلك، سيظهر سؤال آخر عن ملامح التغيير التي حدثت، وسنلحظ أن التعبير عن هذا المجتمع أو ذاك، وتناول حاجاته الآنية، والتغييرات الطارئة على طقوسه وعاداته، تظل أبرز الملامح التي تحددها، لذلك كانت الحكايات الشعبية، بصورة عامة، ترتكن في أثناء تناميها إلى علاقات تناص غنية وثلاثية الأبعاد: الرأسية المتصلة بما قبلها من حكايات وأساطير، والأفقية الثرية الممتدة بين حكاية وأخرى، والعكسية المنبثقة من التشكيل البنيوي للحكاية نفسها. وتبقى لكل المجتمعات المتباينة في أماكن وجودها قدرتها على النقل، بتوفير الهياكل الرئيسة للحكاية نفسها، وقابليتها التخييلية لتغيير النسج، وبراعة الرواية، وصوغ تجليات المكان والزمان.
والحكاية الشعبية نص له بيئته التفاعلية المتميزة، فهي ليست طويلة جداً، وحبكتها بسيطة، حتى يسهل حفظها في ذاكرة المتلقين، وحتى لا تفقد الحكاية جوهرها وقواعدها (وثيماتها) عند التكرار.
ومع أنها تمنح الحرية للراوي في اختيار الألفاظ، وتنوع مهارات الحكي، فإنها بهذا تسمح تلقائياً لأي شخص يتلقاها كي يقوم بدور الراوية بعد ذلك، ولا تقديم فيها لأحد المكونين الآتيين: الراوي أو المتلقي، فإذا عرفنا أن الراوي يصنع فن حكايته، فإن جمهور المتلقين يقومون بدورهم كذلك في أول الحكي ووسطه وخاتمته، إذ نراهم يردون على الراوي في مطلع الحكي، بعد أول جملة يستهل بها: «جاكم واحد، ولا واحد إلا الله»، أو ما يقاربها بالقول بصوت جماعي: «اسلم»، بمعنى: سلمت، وقد يكون هذا بتكرار المفردة، أو بصوت مرتفع، أو بكليهما معاً، حتى يكون دليلاً على التشوق والتفاعل، وليس لنا أن نتخيل راوياً يبدأ بذلك دون أن يجد رداً جاذباً من المتلقين.
وللحكاية الشعبية طقوسها المعروفة في أثناء الحكي، إذ نلحظ أنه تتواتر لدى الجمهور مقولات يرددها جهراً، مثل: «وش صار بعدها»، أو ما يماثل ذلك، وكلها تأتي لطلب الاستزادة من فعل الحكي الذي يمارسه قارئ الرواية الحديثة سراً: ماذا حدث بعد ذلك؟ فيجيب الراوي على أسئلة الجمهور واستفساراتهم في أثناء حكيه. ووظيفة ذلك تتمثل في كون المتلقي الإيجابي يشجع الراوي، ويحثه على الإبداع، في حين نلحظ أن المتلقي السلبي غير المتفاعل يقوض فكرة الحكي نفسها ويوقفها.
ويتجلى في ختام الحكاية الشعبية ملمحان تفاعليان مهمان يرسمان خاتمة الحكاية، ويخلقان نهايتها تفاعلياً؛ الأول منهما حين يقول الراوي بعد الانتهاء «وهذي حكايتي والسلام». أما الملمح الآخر، فيكون مع الخواتم السعيدة كالزواج، إذ يقول الراوي: «واليوم، حضرت الزواج، وتعشيت عندهم وجيتكم»، فيرد عليه الجميع: «سلمت، ولا ندمت». وتكمن وظيفة هذين الملمحين، وغيرهما من ملامح التفاعل بين الراوي والمتلقي عند ختام الحكاية، في إشعار المتلقين بانتهاء الحكاية، وإعادة المتلقين إلى عوالمهم الواقعية.
ويقودنا هذا العرض الموجز إلى ضرورة إعلان المحافظة على التراث الحكائي الشعبي في العالم العربي بصورة تفترض حياته، بأن توثقه بما يتلاءم معه، دون إخلال ببعده الشفاهي، وأن يكون هذا التوثيق مناسباً لمبدأ النمو والتطور الذي يتسم به.
ومن الحلول الأولية البسيطة لذلك تنمية أعداد الرواة الشعبيين المتوفرة حالياً، وأن يعامل أولئك معاملة الفرق الشعبية في الفنون الأخرى المدعومة لاستثمار وجودهم، وفتح إمكانية الرواية لمتلقين جدد يقومون بدورهم، ولا يعني ذلك إلغاء الإفادة من الكتب والمشاريع السابقة المتفرقة التي اهتمت بجمع الحكايات في هذا الحقل.
أما الحلول الأكثر تعقيداً التي تضمن الاستمرارية والتفاعل، فلعلنا نتطرق إليها لاحقاً.

- كاتب سعودي



كيف تتغلب على كثرة التفكير وقت النوم؟

يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)
يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)
TT

كيف تتغلب على كثرة التفكير وقت النوم؟

يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)
يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)

يعاني كثير من الأشخاص من كثرة التفكير ليلاً؛ الأمر الذي يؤرِّقهم ويتسبب في اضطرابات شديدة بنومهم، وقد يؤثر سلباً على حالتهم النفسية.

أسباب كثرة التفكير ليلاً

قال الدكتور راماسوامي فيسواناثان، رئيس الجمعية الأميركية للطب النفسي، لشبكة «فوكس نيوز» الأميركية، إن التوتر والقلق هما السببان الرئيسيان لكثرة التفكير في الليل.

وأضاف: «التوتر من شيء حدث بالفعل، والقلق بشأن اليوم المقبل، يمكن أن يسبِّبا هذه المشكلة. كما يمكن أن تؤدي مشكلات تتعلق بالصحة العقلية، مثل اضطرابات القلق والاضطراب ثنائي القطب إلى فرط التفكير وقت النوم».

وتابع: «تميل هذه الأفكار إلى أن تكون أكثر نشاطاً في الليل، عندما لا تكون هناك أنشطة أخرى تشغل العقل».

وقال فيسواناثان، وهو أيضاً أستاذ ورئيس مؤقت لقسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة داون ستيت للعلوم الصحية ببروكلين: «في الليل، عندما يكون هناك عدد أقل من عوامل التشتيت، يكون من الأسهل التفكير في اليوم الذي قضيناه للتو والقلق بشأن مشاكل العمل أو الأسرة، أو المخاوف المالية».

وأشار إلى أن تناول المنبهات، مثل الكافيين، أو تناول بعض الأدوية قبل وقت النوم، يمكن أن يتداخل أيضاً مع الاسترخاء، ويتسبب في النشاط العقلي المفرط.

كيف يؤثر الحرمان من النوم على صحتنا

قال فيسواناثان إن النوم غير الكافي أو رديء الجودة يمكن أن يكون له آثار سلبية خطيرة على العقل والجسم، بما في ذلك انخفاض وظائف المخ وصعوبة اتخاذ القرارات وحل المشكلات وتنظيم المشاعر.

وأوضح قائلاً: «إنه يسبب الصداع والتعب والتوتر، ويقلِّل من الانتباه والكفاءة الوظيفية. كما أنه يساهم في حوادث المرور وأخطاء العمل وضعف العلاقات».

كما حذر فيسواناثان من أن مشكلات النوم قد تؤثر على الصحة على المدى الطويل؛ حيث يمكن أن تثبط وظيفة المناعة، وتجعل المرء أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، وتدفع الشخص إلى تناول الأكل غير الصحي، وبالتالي تتسبب في زيادة الوزن.

وأضاف أنها يمكن أن تزيد أيضاً من خطر الإصابة بمشاكل صحية مزمنة، مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري والسكتة الدماغية، ويمكن أن تقصر العمر.

التوتر والقلق هما السببان الرئيسيان لكثرة التفكير في الليل (رويترز)

كيف يمكن التغلب على كثرة التفكير وقت النوم؟

1- وضع روتين لوقت النوم

يقول فيسواناثان إن الالتزام بروتين ليلي منتظم مع وقت ثابت للنوم والاستيقاظ «مهم للغاية»، وهو الأساس في خطة التغلب على كثرة التفكير وقت النوم.

2- احذر تناول بعض المشروبات والطعام في وقت متأخر

أوصى فيسواناثان بالامتناع عن المشروبات التي تحتوي على الكافيين أو الكحول أو الأطعمة الثقيلة قبل وقت النوم مباشرة.

3- امتنع عن استخدام الشاشات قبل النوم بساعة

اقترح فيسواناثان التوقُّف عن استخدام شاشات الهواتف الذكية وشاشات التلفزيون وأجهزة الكومبيوتر قبل النوم بساعة.

وقال: «الضوء الأزرق المنبعث من هذه الأجهزة يتداخل مع النوم وإيقاع الساعة البيولوجية»، التي تنظم فترات النعاس واليقظة خلال اليوم.

بدلاً من ذلك، اقترح فيسواناثان الاستماع إلى موسيقى خفيفة أو قراءة كتاب أو استخدام تقنيات الاسترخاء، مثل التنفس العميق والتأمل.

4- جرب الاستحمام بماء دافئ

قد يساعد الاستحمام بماء دافئ قبل النوم بـ3 ساعات على تهدئة العقل، لكن فيسواناثان حذر من القيام بهذا الأمر قبل النوم مباشرة، مشيراً إلى أنه قد يأتي بنتائج عكسية في هذه الحالة.

5- خلق بيئة مشجعة على النوم

للحصول على نوم مثالي، يجب أن تكون غرفة النوم هادئة ومظلمة وباردة، كما ينبغي أن يكون الفراش مريحاً، كما أوصى فيسواناثان.

6- حدد وقتًا للقلق

إذا لم تكن هذه التقنيات وحدها كافية لتقليل فرط التفكير خلال النوم، يقترح فيسواناثان تحديد «وقت للقلق»، ووضع نافذة زمنية محددة للتفكير في مخاوفك وتحديد مسار للحلول الممكنة.

وقال الطبيب: «هذا يطمئنك إلى أنك ستتعامل مع مخاوفك، لكنه يمنعها من الامتداد إلى وقت نومك».

7- دوِّن مخاوفك

يقترح فيسواناثان أن تحتفظ بدفتر ملاحظات بجوار سريرك حتى تتمكَّن من تدوين مخاوفك فور حدوثها، وأن تخبر نفسك بأنك ستتصرف حيالها في اليوم التالي.