باريس «المتهمة بمساندة حفتر» تريد إبراز موقفها المتوازن في ليبيا

TT

باريس «المتهمة بمساندة حفتر» تريد إبراز موقفها المتوازن في ليبيا

لا يمضي يوم إلا وتكيل فيه الصحافة الإيطالية اتهامات لفرنسا بسبب دورها المزعوم في ليبيا. ففي بداية الأسبوع اتهمت صحيفة «الجورنالي» الرئيس إيمانويل ماكرون بأنه «أعطى الضوء الأخضر» للمشير خليفة حفتر لإطلاق هجومه على العاصمة طرابلس. وأول من أمس كتبت صحيفة «لا ريبوبليكا» أن ماكرون نفسه أجهض مشروع بيان كان يفترض أن يصدر عن القادة الأوروبيين بمناسبة اجتماعهم الليلي في بروكسل في 10 و11 أبريل (نيسان) الحالي لمناقشة ملف «بريكست». وأفادت الصحيفة الإيطالية، بأن «المناورة» الفرنسية تبين ميل باريس إلى دعم العملية العسكرية ضد طرابلس؛ إذ إنها عمدت إلى «منع صدور بيان كان يفترض أن يطلب من حفتر إيقاف هجومه».
وبالطبع سارعت السلطات الفرنسية إلى نفي الخبر قطعياً، معتبرة أنه «ادعاء باطل»، وقالت الخارجية في بيان رسمي: إن فرنسا «طلبت تدعيم هذا النص «المقترح» بشأن ثلاثة موضوعات، يعتبرها الاتحاد الأوروبي أساسية، وهي: مسألة المهاجرين «غير الشرعيين»، وانخراط مجموعات وأشخاص في المعارك مدرجة أسماؤهم في قائمة عقوبات الأمم المتحدة لتورطهم بأعمال إرهابية، وضرورة التوصّل إلى حلّ سياسي بقيادة الأمم المتحدة، يتوافق مع الالتزامات التي قطعها الطرفان الليبيان على نفسيهما في باريس وباليرمو وأبوظبي.
وما حصل خلال اجتماع القادة الأوروبيين، حدث أيضاً في اجتماع وزراء الخارجية الذي سبقه بيوم، حيث انتهى من غير بيان رسمي. وكان لافتاً أن «وزيرة» الشؤون الخارجية فدريكا موغيريني «اعترفت» بوجود «تباينات» في وجهات النظر، في إشارة إلى الخلافات الفرنسية – الإيطالية؛ الأمر الذي حال دون صدور بيان جماعي. لكن الأمور تغيرت أمس، حيث قرأت موغيريني بياناً باسم الأعضاء الـ28 بالاتحاد الأوروبي، دعت فيه «الجيش الوطني الليبي وكل القوات التي انتقلت إلى طرابلس وضواحيها «في إشارة واضحة لتلك التي جاءت إلى طرابلس لمساندة حكومة الوفاق الوطني ورئيسها فايز السراج» إلى الانسحاب، واحترام الهدنة الإنسانية التي أعلنتها الأمم المتحدة. وواضح أن ما طلبته باريس وجد طريقه إلى البيان، الذي لم يقتصر تحذيره على الجيش الوطني الليبي، بل شمل القوات الأخرى، وهو ما كانت تريده فرنسا المتهمة بالوقوف وراء حفتر، وبمحاولة «حمايته» على المسرح الدولي.
حتى اليوم، لم تنفع محاولات الدبلوماسية الفرنسية لـ«محو» هذه التهمة، رغم الاتصال الهاتفي الذي قام به الرئيس ماكرون بالسراج، وتأكيد مصادر الإليزيه أن باريس «ليس لها أجندة سرية» في ليبيا، وأنها «لم تكن على علم» بهجوم حفتر. ومن جانبه، حرص وزير الخارجية جان إيف لودريان على تأكيد أن «لا حل عسكرياً» للنزاع الليبي، وتوجيهه كلاماً مباشراً إلى القائد العسكري، دعاه فيه إلى إعلان قبوله الوساطة الأممية، والعمل من أجل إنجاحها.
لعل السبب الأول في الشبهات التي تحوم حول باريس أنها ساندت حفتر في السابق، عسكرياً وأمنياً؛ لأنها اعتبرته الشخص الذي يمكن «التعويل عليه» للوقوف بوجه التنظيمات الإرهابية، التي تتخوف باريس من تمددها باتجاه دول شمال أفريقيا والساحل، أي إلى منطقة النفوذ الفرنسي التقليدي. كما أن باريس مدت يد العون لحفتر ليصبح شخصاً مقبولاً على المسرحين الإقليمي والدولي، عن طريق دعوته إلى قمتين ضمتاه إلى السراج. وبكلام آخر، فإن باريس وفرت لحفتر «الشرعية»، التي يحتاج إليها ليتحول من زعيم مجموعة، إلى محاور رئيسي، وقد وصفه ماكرون، بعد قمة الإليزيه بأنه «يمثل الشرعية العسكرية»، في حين يمثل السراج «الشرعية السياسية».
لا أحد يجهل أن لباريس مصالح رئيسية في ليبيا وفي الإقليم، وأنها تسعى للدفاع عنها. لكن مشكلة فرنسا أنها أرادت أن تكون إلى جانب القائد العسكري، وأن تتقارب في الوقت عينه مع السراج، الذي يحظى بدعم دولي. ووفق مصادر رسمية، فإن حفتر تخطى مرحلة قيادة مجموعة عسكرية، أو ميليشيا محدودة، بل أصبح قائداً عسكرياً «يسيطر على 70 في المائة من الأراضي الليبية، وبالتالي لم يعد المشكلة، بل جزءاً لا يمكن تخطيه من الحل». وفي المقابل، فإن لفرنسا «تحفظات» على بعض القوات والميليشيات، التي تقاتل إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، والتي ترى أن ارتباطاتها «إسلاموية جهادية».
يضاف إلى ذلك، أنه ينظر إلى حفتر على أنه «رجل أمن ونظام»، وبالتالي فقد يكون مفيداً في موضوع الهجرات غير الشرعية، التي تنطلق من السواحل الليبية باتجاه الشواطئ الأوروبية. ومن هنا، فإن هذه العوامل كافة تجعل باريس «أقرب» إلى حفتر منها إلى السراج. لكنها نجحت في أن تكون على تواصل مع الطرفين. كما سعت للضغط عليهما من أجل أن يتفاهما وهي راغبة في إنجاح مهمة المبعوث الدولي غسان سلامة.
حتى الآن، تبين المعارك الأخيرة أن هدفاً كهذا ما زال بعيداً جداً من أن يتحول إلى واقع. وما تتأسف له باريس هو أن الوعود، التي أغدقها الطرفان في أكثر من مناسبة، بقيت وعوداً، وأن الهوة بينهما ما زالت عميقة، ما يترك الباب مفتوحاً على المجهول.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.