جاريات وخادمات أم مُلهمات؟ هذا ما يراود بال المتفرج في الزيارة الاستباقية للمعرض الجديد الذي يستضيفه متحف «أورساي» للفن الحديث في باريس. إن المكان في حد ذاته تحفة معمارية، وهو في الأساس محطة للسكك الحديد على الضفة اليسرى لنهر السين، جرى بناؤها لتكون جاهزة مع افتتاح المعرض الكوني الذي أقيم في العاصمة الفرنسية عام 1900. وقد اشترك في تصميم المحطة 3 معماريين. وظلت هذه المحطة تستقبل القطارات الآتية من جنوب غربي فرنسا، حتى عام 1939. بعد ذلك خفّت فيها الحركة لأن رصيفها لم يعد يلائم القطارات الطويلة المستخدمة في الخطوط الرئيسية، وبقيت مخصصة لخطوط خدمات الضواحي، كما صار جزء منها مركزاً للبريد أثناء الحرب العالمية الثانية. وبفضل جمال معمارها، اختارها عدد من المخرجين لتصوير مشاهد من أفلامهم. ومن هؤلاء أورسون ويلز الذي صوّر فيها فيلم «المحاكمة» المقتبس عن رواية لكافكا. ومع حلول عام 1973 هجرتها القطارات إلى أن بزغت فكرة عبقرية لتحويلها إلى متحف ومعرض للفنون.
يحمل المعرض الجديد عنوان «النماذج السود من جيريكو إلى ماتيس»، ويستمر حتى 21 من يوليو (تموز) المقبل. وهو أول معرض من نوعه في فرنسا يطرح السؤال حول تمثيل الشخصيات أو «الموديلات» السوداء في الفنون. وقد جرى تنسيقه بحيث يجمع ما بين تاريخ الفن وتاريخ الأفكار، عارضاً الجوانب الجمالية من جهة، مع ارتباطها بالجوانب السياسية والاجتماعية والعرقية. كما أنه يتطرق إلى موقع الجمال الزنجي في المخيلة الشعبية للأوروبيين. ومن المعروف أن فرنسا ألغت الرق سنة 1794، لكن التشريعات لا تملك سلطة على أفكار البشر، أو أنها تحتاج زمناً لكي تترسخ ويتم تبنيها عن قناعة. لهذا يتوقف المعرض عند 3 فترات زمنية، الأولى هي لحظة تحريم العبودية بقوة القانون، والثانية هي فترة الرسم الجديد واكتشاف ماتيس لحركة «نهضة هارلم» الفنية في أميركا وبدايات القرن العشرين، والثالثة هي ما أنتجته أجيال الرسامين بين الحربين العالميتين.
يهتم المعرض بما كان مفترضاً من حوار أو تبادل بين الفنان و«موديله»، سواء كان رساماً أو نحاتاً أو حفاراً أو مصوراً. والسبيل إلى ذلك هو محاولة استقراء الوضع الذي تبدو فيه الشخصية السوداء في العمل الفني. أي طريقة تقديمها، خصوصاً في أعمال لفنانين كبار من أمثال جيريكو وشارل كوردييه وجان باتيست كاربو وإدوار مانيه وبول سيزان زهنري ماتيس. وكذلك في التصاوير الفوتوغرافية لمصورين مثل نادار وكارجا. وهناك عدة لقطات للمغنية الأميركية السوداء جوزفين بيكر، التي قاومت العنصرية وانتقلت للعيش في فرنسا وكان لها نشاط سياسي وإنساني واسع. وبخلاف الصورة الشهيرة لها وهي ترقص على المسرح مرتدية تنورة من ثمار الموز، نجد هنا لقطات لها مرتدية معاطف ثمينة من الفراء، أو فستاناً أبيض ناصعاً من تصميم كريستيان ديور، كما في الصورة التي تحمل توقيع كارل فان فيشتن وتعود لسنة 1951.
معرض عن الجمال الأسود ملهم الرسامين من جيريكو إلى ماتيس
يقام في متحف «أورساي» للفن الحديث في باريس ويسائل فكرة العبودية
معرض عن الجمال الأسود ملهم الرسامين من جيريكو إلى ماتيس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة