مرت أمس، الذكرى السادسة عشرة للهجوم العسكري الذي شنته الولايات المتحدة الأميركية على العراق عام 2003 وأنهت فيه حكم حزب «البعث» الذي هيمن على البلاد لنحو 35 عاماً وأسقط «زعيمه الأوحد» وأمينه العام صدام حسين.
وألقت القوات الأميركية القبض على صدام حسين في شهر ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام، بعد أن عثرت عليه مختبئا في حفرة صغيرة بقضاء الدور بمحافظة صلاح الدين وسلمته إلى السلطات العراقية الجديدة التي حاكمته على ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، ونفذت فيه حكم الإعدام في يناير (كانون الثاني) 2007.
ورغم السنين والأيام الطويلة نسبياً التي مرت على تاريخ سقوط نظامه وإعدامه، فإن الأحاديث والتعليقات حول صدام حسين ما زالت تشغل الفضاء العام في العراق على الصعيدين الشعبي والرسمي، وما زال العراقيون منقسمين حول أفضلية حقبة البعث وصدام حسين الديكتاتورية على الحقبة «الديمقراطية» التي أتت على أنقاض الأولى أو العكس. وانسحب الانقسام حتى إلى الموقف من يوم 9 أبريل (نيسان) الذي سقط فيه نظام صدام حسين، وما إذا كان يعد يوماً وطنياً أو أنه مجرد يوم احتلال. وبعد أن كانت السلطات في السنوات الأولى التي أعقبت عام 2003، تعلن أنه عطلة رسمية، أحجمت حكومة عادل عبد المهدي الحالية وحكومتا حيدر العبادي ونوري المالكي السابقتان عن إعلانه عطلة رسمية.
ولوحظ في السنوات الأخيرة، أن الجدل والنقاشات لم تنقطع حول «تفضيل» حكم صدام على حكم ما بعد 2003، وانتقلت هذه القضية من اتجاهات تقليدية كانت داعمة ومستفيدة منه، إلى اتجاهات وجماعات كانت تناهض حكمه معروفة في معارضتها له وخاصة داخل الطائفة الشيعية في العراق. وقبل أسبوعين امتدح النائب المدني الحالي والمعارض السابق فائق الشيخ علي، صدام حسين والرئيس البعثي الذي سبقه أحمد حسن البكر علنا، وقال إنهما قاما بتوزيع الأراضي السكنية المجانية للمواطنين على طول خط حكمهما، فيما لم يفعل ذلك «اللصوص الجدد ومن جاءت بهم أميركا من الشوارع».
وقبل نحو شهرين ألقى شاعر من الجنوب قصيدة شعبية تشيد بعهد صدام وتنتقد العهد الحالي، ما دعا السلطات المحلية إلى اعتقاله بتهمة الترويج لحكم صدام التي يجرمها قانون «اجتثاث البعث» أو ما بات يعرف بقانون «المساءلة والعدالة».
تزايد الآراء المؤيدة لحقبة صدام حسين بين مختلف الأوساط السياسية والشعبية، دفعت جماعات سياسية غير قليلة في الأشهر الأخيرة، إلى تفعيل قانون «المساءلة والعدالة» وعدم التهاون مع الجهات التي تشيد بصدام حسين ونظامه.
على أن أغلب الاتجاهات العراقية التي تجادل في أفضيلة حكم صدام حسين على الحكم الحالي، إنما تسعى، وإن بطريقة غير مباشرة، إلى التنكيل بالنظام الحالي نتيجة حالات الفساد وسوء الإدارة والعنف والطائفية التي كرسها خلال أكثر من عقد ونصف العقد على حكمه للبلاد، ولا يعني ذلك بالضرورة، أنها تدافع بحق عن نظام حكم صدام حسين وتعتبره نموذجا يحتذى.
ولعل ذلك ما أشار إليه زعيم التيار الصدري الذي اغتال نظام صدام حسين والده آية الله محمد صادق الصدر عام 1999 في بيانه أمس، الذي أصدره في ذكرى الإطاحة بنظام صدام حسين، حيث كتب مقالا مطولا نشره موقعه الخاص على شبكة الإنترنت اعتبر فيه أن «الشعب ما زال مهمشا» رغم مرور 16 عاما على إسقاط «الديكتاتور صدام». وقال الصدر في مقاله: إن «ستة عشر عاماً وما زال العراق يعاني ويلات الحروب والآفات والفقر والفساد والظلم والانحلال والانحراف بل وتفشي الجهل والظلام وقمع الحريات واستغلال الدين بما لا يرتضيه عقل فضلا عن الشرع».
وأضاف: «ستة عشر عاماً وما زال فكر البعث متفشياً في أوساط الحكم والتمسك بالكراسي والمناصب والعمل على تجذير الحزب والتجمعات السياسية، وما زالت الطائفية تنخر أسس الدولة ومفاصلها ومقوماتها لتنتشر بين الشعب مع شديد الأسف». وتابع: «ستة عشر عاماً وما زال العراق غريباً بين أهله وجيرانه فلا الشعب يرضى بالانفتاح على الجيران والدول الأخرى ولا حكومة تسعى، ستة عشر عاماً وما زال العراقي مطأطئ الرأس من سوء سمعة حكومته فالفساد عم وشاع وصرنا خجلين من كثرة الفاسدين، ستة عشر عاماً وما زالت الميليشيات من هنا وهناك تتحكم بقرار الحكومة فضلاً عن تحكمها بمصائر الشعب وأرواحهم ورقابهم».
بدوره، عبر رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي عن قناعته بـ«حاجة العراق اليوم إلى إعادة تقييم العملية السياسية وبنية الدولة لإصلاحها». وقال العبادي في بيان أصدره أمس إن «على الأحزاب والقوى السياسية كافة أن تدرك حجم مسؤولياتها الوطنية التاريخية تجاه الدولة ومصيرها، وأن تتسلح بالوطنية والطهورية واستقلالية القرار والإرادة بممارسة واجباتها تجاه الحكم والشعب».
ويبدو أن كل ما يتعلق بإرث صدام حسين بات مثار اهتمام وجدل حتى بعد رحيله بأعوام، فها هي قصوره الرئاسية المتناثرة في عرض البلاد وطولها، يتجدد الحديث عنها وتوجه بسببها اتهامات شعبية شديدة لسلطات ما بعد 2003، وتركز تلك الاتهامات تارة، على الإهمال الذي تعرضت له تلك القصور التي شيدت بطريقة فخمة من حيث الموقع والتصميم والبناء، وتارة على شغلها من قبل شخصيات سياسية وجماعات نافذة وكان يفترض أن تتحول إلى مناطق وأماكن ترفيه وسياحة وشواهد على حقبة عاصفة من تاريخ العراق المعاصر.
ويؤكد النائب عن كتلة «الإصلاح والأعمار» البرلمانية علي البديري، في تصريحات صحافية على أن «الحديث عن تحويل القصور الرئاسية قرب المطار إلى جامعة أميركية هو مشروع فساد وتخريب وخلفه أياد لا تريد الخير للعراق وهو شيء لن نسمح به وسنقف بكل قوة داخل البرلمان لإفشاله وإيقافه». ويضيف البديري أن «جميع بلدان العالم تستثمر الأماكن التي كانت تابعة لأنظمة سابقة فيها كمتاحف ومناطق سياحية باستثناء العراق». وتردد مؤخرا عن قيام دائرة عقارات الدولة بتخصيص قصر الرضوانية لإنشاء الجامعة الأميركية في بغداد.
وينتشر عدد القصور الرئاسية التي بناها صدام حسين ويقال إنها تبلغ العشرات في مختلف المحافظات العراقية، ولعل القصر المنيف القريب من آثار بابل هو الوحيد التي يتسنى للمواطنين العاديين الدخول إليه ومشاهدة حالة الإهمال الذي يعاني منها.
بعد 16 عاماً على إطاحته... صدام حاضر بقوة في حياة العراقيين
تزايد الآراء المؤيدة لحقبته دفع جماعات سياسية إلى تفعيل قانون «المساءلة والعدالة»
بعد 16 عاماً على إطاحته... صدام حاضر بقوة في حياة العراقيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة