مدريد تستعد لانتخاب أول مسلمة عضواً في مجلسها البلدي

تستعد مدريد، العاصمة الأوروبية الوحيدة التي بناها العرب في القرن التاسع إبّان الخلافة الأندلسية، لدخول أوّل عضو مسلم إلى مجلسها البلدي، في الانتخابات التي ستجري في 28 من الشهر الجاري، بالتزامن مع الانتخابات الاشتراعية العامة. إنها ميسون دواس، المولودة في غرناطة من أبوين مغربيين، وتعيش في العاصمة الإسبانية منذ سن الخامسة، والمرشّحة على لائحة الرئيسة الحالية لبلدية مدريد، مانويلا كارمينا، التي أحدث وصولها إلى رئاسة المجلس البلدي في العاصمة ثورة؛ لكونها جاءت من المجتمع المدني، ولا تنتمي إلى أي من الأحزاب التقليدية التي تناوبت طوال عقود على السلطة المحلية والوطنية.
تحمل ميسون شهادة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة «مدريد»، وتشرف منذ ثلاث سنوات على منصّة رسمية لمساعدة الشركات الناشئة في مجال الابتكارات الإلكترونية، التي تتوقع أن تصبح العاصمة الإسبانية أحد محاورها الرئيسية في أوروبا.
ترددت ميسون عندما عُرِض عليها أن تكون مرشّحة متقدمة على لائحة الرئيسة الحالية للمجلس البلدي؛ لكن الذي دفعها إلى اتخاذ القرار النهائي بقبول العرض، كان والدها محمد دواس، وهو أستاذ رياضيّات ولد في المغرب، وأمضى سنوات كثيرة من حياته في مدريد، ناشطاً في مساعدة المسلمين الشباب على الاندماج في المجتمع الإسباني.
وتقول ميسون: «هو الذي مدّني بالقوة، وأقنعني بقبول العرض، عندما قال لي إنه يشعر بالاعتزاز، وإنها فرصة لا يجب تفويتها».
لكن حملة ميسون الانتخابية يلفّها الحزن في هذه الأيام، بعد وفاة والدها متأثّراً بمرض السكّري منذ أسبوعين. وتقول إنها تهدي هذه المرحلة من حياتها لذكراه، وإن فوزها سيكون تكريماً لمساره وللأفكار التي كرّس لها نشاطه طيلة سنوات، في «مساعدة الشباب المسلمين على الاندماج في المجتمع الغربي، والمحافظة على أصالتهم، وإعطاء صورة مشرقة عن دينهم وحضارتهم».
يجمع زملاء ميسون على الإشادة بكفاءتها المهنية وخصالها الشخصية. وتقول مديرة المنصّة عنها: «هي يدي اليمنى، واليسرى، وسرّ نجاح هذا المشروع الرائد الذي قدّم المساعدة إلى نحو مائة ألف مواطن حتى الآن».
أما رئيسية البلدية مانويلا كارمينا، فتذكر أنها تعرّفت على ميسون خلال زيارتها الأولى لمركز المشروع، الذي كان أحد أبرز إنجازاتها عندما انتخبت في الدورة الماضية «حيث لفت انتباهي حضورها الشخصي وكفاءتها المهنية العالية»، وسرعان ما أصبحت ضمن الحلقة الضيّقة من المستشارين المقرّبين من الرئيسة، التي أحاطت نفسها بعدد كبير من المواطنين الذين ينتمون إلى حركات النشاط الاجتماعي والثقافي والهيئات العلمية، من غير خبرة سياسية سابقة.
وتقول ميسون إن «الأجواء العلمية التي كانت سائدة في عائلتي هي التي أيقظت فضولي ورغبتي في دراسة الفيزياء، التي هي في الأساس تخصص والدي»، وفي الجامعة تعرّفت على زوجها يونس، الذي يحمل شهادة دكتوراه في علم الأحياء، ومعه أنشأت مؤسسة لتكون منصّة رقمية تربط بين الجهات العلمية ومصادر التمويل.
وفي المهرجان الذي أقيم لتقديم لائحة المرشحين على لائحة الرئيسة الحالية، قالت ميسون إنها ستركّز نشاطها في مجال ثقافة الابتكار، التي تطمح لجعل مدريد محوراً أساسياً لها في أوروبا. وكانت تتحدّث محجبة كعادتها أمام الجمهور، مؤكدة أنها تريد أن تكون «قدوة للشباب المسلمين الذين أخدمهم كمتطوعة منذ سن الخامسة عشرة».
وسبق لميسون أن انتقدت الهيئة التي تمثّل المسلمين في إسبانيا لدى الدولة، بسبب قلّة اندماجهم «فهم من الرعيل الأوّل للمهاجرين، ولا بد من الارتقاء أكثر في تعايشهم مع المجتمع الإسباني... وانخراطهم بشكل فاعل في العمل السياسي والاجتماعي».
تقول ميسون إنها تطمح لتكون نموذجاً للمرأة في عالم الابتكار التكنولوجي الذي يسيطر عليه الرجال، كما تدلّ الدراسات الأخيرة التي بيّنت أن 84 في المائة من التمويل في هذا القطاع يخصص لشركات ناشئة يملكها رجال.
ولدى سؤالها عن الحجاب، قالت: «من يسأل عن الحجاب أو يستغربه، هم الذين ينظرون إلى المرأة أو إلى الحركة النسائية بعين غربية منقوصة دائماً، وأحياناً مشّوهة».
وتجدر الإشارة إلى أن عدد المسلمين في مدريد يناهز 290 ألفاً، بينما يشكّل الأجانب 27 في المائة من المقيمين في العاصمة الإسبانية.
ويقول محمد سعيد، رئيس جمعية «الشباب المسلم في إسبانيا»: «إن المسلمين المولودين هنا، الذين لا يعرفون سوى الواقع الإسباني، يواجهون أزمة هويّة يقتضي الانتباه لها، ومساعدتهم على الاندماج والتوفيق بين الانتماء إلى الإسلام وإلى المجتمع المحلّي والثقافة الإسبانية».