التحقيق في ملفات الفساد يقود إلى مواجهة قضائية ـ أمنية

مفوض الحكومة يتهم شعبة المعلومات بـ«التمرد» على صلاحياته

TT

التحقيق في ملفات الفساد يقود إلى مواجهة قضائية ـ أمنية

انشغل لبنان، أمس، بمواجهة قضائية - أمنية غير مسبوقة، حيث ادّعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، على شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، متهماً إيّاها بـ«التمرّد على سلطته، وتحوير التحقيقات التي تجريها، واحتجاز أشخاص خارج المهل القانونية».
وتخفي هذه المواجهة حرباً صامتة بين المرجعيات السياسية، باعتبار أن القاضي جرمانوس محسوب على فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، في حين أن شعبة المعلومات في الأمن الداخلي محسوبة على تيّار «المستقبل» الذي يقوده رئيس الحكومة سعد الحريري.
وشكّل قرار القاضي بيتر جرمانوس صدمة في الأوساط السياسية والقضائية والأمنية، من خلال الادعاء المفاجئ على شعبة المعلومات، ناسباً إليها جرائم «التمرّد على سلطته، بوصفها ضابطة عدلية تعمل بإشارته وتحت مراقبته وليس العكس، وتسريب معلومات عن مضمون التحقيقات الأولية التي تجريها، وتحوير هذه التحقيقات وتشويه وقائعها، واحتجاز أشخاص وتوقيفهم خارج المهل القانونية»، وأحال الادعاء إلى قاضي التحقيق العسكري فادي صوّان، لإجراء التحقيقات اللازمة، وهذا الادعاء هو سابقة، إذ لم يشهد تاريخ القضاء مواجهة مع أي جهاز أمني.
ولا يخفي القاضي جرمانوس أن ما أقدم عليه يندرج ضمن الحروب القائمة المتفرعة عن الحرب على الفساد، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه معركة صلاحيات، لنثبت أننا نعيش في ظلّ حكم القانون، أو حكم الأمن». وأضاف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية: «كل الأجهزة الأمنية تحت سلطتي ومراقبتي بدءاً من مخابرات الجيش إلى الشرطة العسكرية وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وفرع التحقيق في الأمن العام وأمن الدولة والجمارك»، داعياً إلى «الاختيار بين أن نكون أمام نظام أمني أو نظام عدلي يسوده مفهوم القانون».
وبينما التزمت قوى الأمن بالصمت ورفضت التعليق على اللهجة التصعيدية التي اعتمدها مفوّض الحكومة، اكتفى مصدر أمني بالقول لـ«الشرق الأوسط» إن «ضباط وأفراد شعبة المعلومات، تجب مكافأتهم على الإنجازات التي يحققونها، بدل الادعاء عليهم وتشويه دورهم».
ولم يعد خافياً على أحد أن هذه التطورات هي انعكاس طبيعي للخلاف القائم بين بعض القضاة والتنازع على الصلاحيات في ملفات الفساد، وردّ مصدر مطلع على قرار القاضي جرمانوس، فاعتبر أن «المعركة التي فتحها الأخير على شعبة المعلومات هي من رواسب الحرب القائمة بينه وبين بعض القضاة». وكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أسباب هذا الادعاء مشيراً إلى أن القاضي جرمانوس «طلب من فرع التحقيق في شعبة المعلومات، ختم التحقيقات التي يجريها الفرع مع الموقوف (جو. ع)، وإحالة الأخير مع الملف إلى مخابرات الجيش، إلا أن فرع التحقيق لم ينفذ إشارة جرمانوس، لأن (جو. ع) جرى توقيفه بأمر من النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، تنفيذاً لمذكرات صادرة بحقه عن القضاء العدلي بجرائم إعطاء شيكات مصرفية من دون رصيد وتزوير وسمسرات مرتبطة بملفات قضائية، وهذا الشخص ليس له أي ملف قيد المتابعة أمام القضاء العسكري».
ولم يُعرف بعد المسار الذي سيسلكه ادعاء مفوّض الحكومة على الجهاز الأمني، لكنّ المصدر المطلع، سأل «هل أجرى القاضي جرمانوس تحقيقاً مع ضباط وعناصر شعبة المعلومات ليكوّن ملفاً يستند إليه في ادعائه؟». وأشار إلى أن «الادعاء المشار إليه خالٍ من أي مستند، وبالتالي على أي أساس سيجري قاضي التحقيق استجواباته؟»، مؤكداً أنها «المرّة الأولى التي يجري الادعاء على جهاز أمني، من دون ذكر أسماء الأشخاص المدّعى عليهم، وتبيان حقيقة الجرم المنسوب إليهم»، لافتاً إلى أن «شعبة المعلومات ليست شخصية معنوية ليتمّ الادعاء عليها».
هذا الصراع الذي أصاب الأجهزة القضائية والأمنية في الصميم، يغيب عنه كلياً النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، وأكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «القاضي حمود يتحمّل تبعات ما وصلت إليه الأوضاع، لأنه تخلّى عن مسؤولياته ورفض أخذ المبادرة في كلّ القرارات المتعلّقة بملفات الفساد». وأوضح المصدر أن «القاضي حمود بحكم موقعه هو رئيس النيابات العامة ورئيس الضابطة العدلية في كلّ لبنان والكلّ يخضع لسلطته، وكان يُفترض به أن يكون وحده المرجعية في إعطاء الأمر بتوقيف المتورطين بالفساد، ولا يسمح بالتخبّط القضائي القائم حالياً، لكنه (حمود) اختار التقاعد من مهامه، قبل أشهر من إحالته إلى التقاعد من القضاء، لبلوغه السنّ القانونية».
إلى ذلك، تستمرّ التحقيقات التي يجريها القضاء في ملفات الفساد، وهي توسّعت لتطال قضاة جدداً، بعدما قرر وزير العدل ألبير سرحان، وقف قاضٍ آخر عن العمل مؤقتاً، وذلك بناءً على اقتراح هيئة التفتيش القضائي، وإلى حين البت بوضعه من قبل المجلس التأديبي، ليرتفع عدد القضاة الذين شملهم قرارات التأديب إلى أربعة، في وقت أكد مصدر قضائي، أن «هناك عدداً من القضاة يخضعون للتحقيق أمام هيئة التفتيش، وستُتخذ القرارات بشأنهم تباعاً». ورفض وزير العدل «تعميم صفة الفساد على الجسم القضائي»، معتبراً «ما يحصل تنقية طبيعية، في حال ثبوت تجاوزات، من قبل بعض القضاة». وقال: «التحقيقات مستمرة، ولا يمكن لأحد أن يتنبّأ بالنتيجة التي سنتوصل إليها، من خلال التحقيقات التي تجريها أجهزة الرقابة القضائية وفق الأصول القانونية».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.