ردود الأفعال العراقية حيال مجزرة المسجد تظهر عمق الهوة الطائفية في البلاد

الكثيرون لا يتوقعون إلا القليل من العملية السياسية.. لكنها تبقى الأمل الوحيد

جنود ومتطوعون ينتشرون الجمعة الماضية في قرية بمحافظة ديالى التي شهدت مجزرة في مسجد قضى فيها عشرات المصلين على أيدي مسلحين ورد أنهم من ميليشيا شيعية (رويترز)
جنود ومتطوعون ينتشرون الجمعة الماضية في قرية بمحافظة ديالى التي شهدت مجزرة في مسجد قضى فيها عشرات المصلين على أيدي مسلحين ورد أنهم من ميليشيا شيعية (رويترز)
TT

ردود الأفعال العراقية حيال مجزرة المسجد تظهر عمق الهوة الطائفية في البلاد

جنود ومتطوعون ينتشرون الجمعة الماضية في قرية بمحافظة ديالى التي شهدت مجزرة في مسجد قضى فيها عشرات المصلين على أيدي مسلحين ورد أنهم من ميليشيا شيعية (رويترز)
جنود ومتطوعون ينتشرون الجمعة الماضية في قرية بمحافظة ديالى التي شهدت مجزرة في مسجد قضى فيها عشرات المصلين على أيدي مسلحين ورد أنهم من ميليشيا شيعية (رويترز)

كان السياسيون العراقيون يجتهدون للوفاء بالمهلة الدستورية من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، عندما دخل رجلان ملثمان إلى مسجد سني في قرية بعيدة وفتحا النار الجمعة الماضية، مما أسفر عن مقتل العشرات من المصلين.
وخلال ساعات، أعلن زعماء السنة انسحابهم من المفاوضات، وتجمدت العملية السياسية مرة أخرى وعلى نحو مفاجئ إثر ذات الانقسامات الطائفية التي أفسدت هذا البلد من قبل.
ويعد تشكيل حكومة جديدة وجامعة يمكنها أن تحظى ببعض الدعم من السنة والشيعة على حد سواء من الخطوات الحيوية والضرورية لمواجهة مسلحي تنظيم «داعش» الذين اكتسحوا العراق، واستولوا على الأراضي وسيطروا على المدن الكبرى في الشمال والغرب. وقد أشاد الرئيس باراك أوباما بتعيين رئيس الوزراء الجديد، حيدر العبادي، ويأمل العديد من المراقبين أن يعمل العبادي على إبطال سياسات خلفه، نوري المالكي، الذي وجهت له اتهامات بتهميش الأقلية السنية وفتح الطريق، فعليا، أمام تقدم الجماعات المتشددة.
لكن لا يمكن إبطال تلك السياسات، التي تضمنت تنشيط الميليشيات الشيعية واعتقال العديد من السنة وتوجيه ضربات عسكرية ضد المناطق السنية تحصد أرواح المدنيين، إلا من خلال حكومة جديدة. وتكمن المشكلة هنا الآن، والتي أبرزتها تداعيات الهجوم الأخير على المسجد، في أن الاستقطاب الطائفي ازداد عمقا، مما يجعل من العسير تشكيل مثل تلك الحكومة المنشودة.
ويميل السنة والشيعة إلى مشاهدة العديد من القضايا الداخلية الأكثر إلحاحا من زوايا متباينة بصورة كبيرة، مما يجعل من فرضية الحل الوسط أمرا عسيرا. إذ يتكلم الزعماء الشيعة عن تنظيم «داعش» بوصفه تنظيما إرهابيا تتعين مقاتلته بكل الوسائل المتاحة. وقد اتهم بعضهم الزعماء السنة بتوفير الغطاء السياسي لأولئك المتشددين.
وقال قيس الخزعلي، وهو قائد ميليشيا «عصائب أهل الحق» الشيعية التي يراها السنة الأكثر رعبا «يتحمل السياسيون المسؤولية عن انهيار الأمن في بعض المحافظات. لا يزالون في مرحلة الموالاة لأحزابهم، وليس للعراق».
وبينما يدين زعماء السنة تنظيم «داعش» فإنهم يقولون إن الجماعة قد استغلت حالة الفراغ التي أحدثتها الحكومة عن طريق تهميش مناطقهم وإساءة معاملة السكان. ويقول أحمد الدليمي، محافظ الأنبار، التي يسيطر تنظيم «داعش» على مساحات واسعة منها، إن «الوسيلة الوحيدة لمحاربة تنظيم (داعش) هي عن طريق دعم المواطنين الذين فقدوا كرامتهم وحقوقهم في ظل الحكومة القديمة».
وبدت الخلافات المماثلة بينة وجلية أول من أمس في استجابة الزعماء السياسيين للهجوم الذي خلف عشرات القتلى من المصلين السنة في مسجدهم بمحافظة ديالى. فقد دعا سالم الجبوري، الرئيس السني للبرلمان العراقي، إلى الوحدة السياسية، وقال إن ذلك الهجوم يهدف إلى «إحباط كل الجهود التي بذلت لتشكيل الحكومة الجديدة».
وقد اختفى المسلحان الملثمان اللذان نفذا الهجوم داخل الريف بعد ذلك، ولم تتضح هويتهما. لكن الجبوري وغيره يبدو أنهم يعتقدون أن القاتلين ينتميان للميليشيات الشيعية. وقال الجبوري إنه تم إيفاد لجنة للتحقيق في الهجوم، ومن المفترض أن ترفع تقريرها خلال يومين. وأضاف «في الوقت الذي ندين فيه ما يفعله تنظيم (داعش) فإنه يتحتم علينا كذلك إدانة ما تقوم به الميليشيات».
على النقيض من ذلك، اتهم الزعماء الشيعة تنظيم «داعش» بالتسبب في الهجوم على المسجد. وقال رجل الدين مقتدى الصدر إن الحادثة تعتبر «تصعيدا طائفيا واضحا، وتحمل لمسات تنظيم داعش».
كانت المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة يشوبها الكثير من المشاكل بالفعل قبل وقوع الهجوم، حيث دفع السياسيون السنة بمطالب يعتبرونها ضرورية لكنها لا تتمتع بفرصة كبيرة من حيث القبول ومن بينها: إيقاف القصف والغارات الجوية الحكومية على المناطق السنية التي ينتشر فيها تنظيم «داعش»، وانسحاب الميليشيات الشيعية من المدن ذات الغالبية السكانية السنية، وإطلاق سراح المعتقلين من السنة الذين لم يدانوا بارتكاب أي جرائم، وإسقاط التهم الجنائية عن عدد من السياسيين السنة التي يصفونها بالجرائم ذات الدوافع السياسية، وإلغاء القانون الذي يحظر على الأعضاء السابقين في نظام صدام حسين تولي مناصب حكومية.
وأعرب دبلوماسيون في بغداد عن قلقهم من أن تلك المطالب قد تحول دون التوصل إلى اتفاق، وحثوا الزعماء السنة على التحلي بقدر أكبر من المرونة. وقال زيد العلي، وهو مستشار قانوني سابق لدى منظمة الأمم المتحدة في العراق وصاحب كتاب حول مستقبل العراق، إن الإصرار الأميركي على السياسة العراقية الجامعة أمر مضلل، مشيرا إلى أن الحكومات العراقية الأخيرة ضمت ممثلين من كل الأطياف الرئيسة في البلاد. وأضاف « لكن هذا ليس حلا.. إذ لم يترجم إلى واقع يحس الجميع بمزاياه بخلاف ما كان يفترض».
ويقر المسؤولون الغربيون في بغداد بأن الحكومة الجديدة لن تكون سوى خطوة أولى ومتواضعة على طريق طويل من عملية إصلاح ضرورية. ومع تسليط الضوء على حالة عدم الثقة المتبادل، فإن العديد من السنة ألقوا بلائمة الاتهام بشأن هجوم المسجد على الميليشيات الشيعية. وقال أحد السكان السنة الذي يعيش بالقرب من المسجد، والذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه خوفا من الانتقام «ما حدث ليس إلا إعداما جماعيا بدم بارد. وكانت رسالة إلينا بأن وقتنا على هذه الأرض قد انتهى».
ويقول عبد السلام هاشم (55 عاما)، وهو سني من أصحاب المتاجر في بغداد «إنني أؤيد أي نوع من أنواع الانتقام ضد تلك الجريمة الجبانة. هذا ما تركه المالكي للعراق، ولن ينتهي ذلك بسهولة».
وكانت الميليشيات الشيعية، التي شكلت في الأساس لقتال القوات الأميركية، تحظى بدعم السيد المالكي. وقد استدعيت مرة أخرى للخدمة لمحاربة «داعش». غير أن السنة لا يعتبرونهم أكثر من عصابات مسلحة تعمل خارج القانون، وقد اتهمتهم جماعات حقوق الإنسان بقتل واعتقال المواطنين المدنيين من السنة.
لكن هذه الميليشيات تعتبر جزءا لا يتجزأ من الواقع السياسي الحالي، حتى إن وزير النقل الحالي، هادي العامري، يرأس بنفسه ميليشيا شيعية قوية.
الشيخ عبد الصمد الزركوشي، وهو زعيم إحدى الميليشيات الشيعية المحلية في منطقة تقع بالقرب من المسجد الذي تعرض للهجوم، اصطدم بأولئك الذين يرغبون في تفكيك جماعته، ويرى أن وجودها ضروري لمحاربة «داعش». وتساءل «كيف يجرؤ السياسيون على إبلاغنا بما نفعل وما لا نفعل، في الوقت الذي لا يعرفون فيه ما يجري في منطقتنا؟ إذا انسحبت قواتي من المنطقة، فسيكون ذلك بمثابة الوداع للجميع هنا. سيستولي عليها (داعش) في سويعات قليلة».
ورغم أن الكثيرين من العراقيين لا يتوقعون سوى القليل للغاية من العملية السياسية الجارية حاليا، إلا أنهم مع ذلك يعتبرونها السبيل الوحيد لإصلاح البلاد. وفي هذا السياق، يشبه حامد المطلك، وهو عضو سني في البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار، السياسيين بغريق يتعلق بقطعة من الخشب. ويقول «قد لا تنقذه قطعة الخشب تلك، لكنه يحاول إنقاذ نفسه. هذا ما نقوم بفعله الآن».
* خدمة « نيويورك تايمز»



نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.