ثروة مصر السمكية... برامج تنمية يحاصرها خطر «الاحترار العالمي»

دخلت الثروة السمكية، أخيرا، بؤرة الاهتمام الحكومي بمصر، لتحقيق إنتاج كثيف يسد فجوة غذائية بالداخل. لكن، ومع قطع خطوات مهمة في هذا الاتجاه، يلوح من قريب خطر يهدد هذا التقدم، وهو «الاحترار العالمي»، الذي يحتم على الحكومة وضع آليات لمواجهته.
وكانت مصر أهملت لعقود تنمية هذا المصدر المهم، رغم إطلالها على بحرين ووجود نهر النيل وبحيرات طبيعية صناعية، حتى صارت هناك فجوة غذائية بين الإنتاج والاستهلاك تقدر بنحو 800 ألف طن سنويا، وفق إحصاءات الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية.

أحواض «تربية الأسماك»
وفي سعيها لسد تلك الفجوة، افتتحت مصر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 مدينة الأسماك بمنطقة بركة غليون بمحافظة كفر الشيخ (شمال القاهرة)، وهو المشروع الذي وصفه تقرير صادر عن وزارة التخطيط في مارس (آذار) 2019 بأنه «أكبر مزرعة سمكية بالشرق الأوسط»، أو بالأحرى «حوض تربية الأسماك».
ووفق التقرير فإن المدينة، التي تبلغ مساحتها 2750 فداناً، ستعمل على زيادة الإنتاج المحلي من الأسماك بنسبة 75 في المائة، لتوفير احتياجات السوق وتصدير الفائض، وخفض الأسعار محليا بنسبة تصل إلى 30 في المائة. ويقول الدكتور محمد فهمي، أستاذ الثروة السمكية بجامعة الزقازيق إن «توجه زيادة مصادر الإنتاج السمكي، يجب أن يتم بجانب إصلاح أخطاء الماضي، ومنها إيلاء مزيد من الاهتمام بالبحيرات (الروافد القديمة)، كمصدر مهم للثروة السمكية».
وتمتلك مصر 14 بحيرة يبلغ إنتاجها من الأسماك أكثر من 75 في المائة من إجمالي الإنتاج، ورغم أهميتها تعاني من مشكلات تهدد وجودها. وأوضح فهمي أن «بحيرة ناصر جنوب مصر تعاني من استنزاف مستمر لمواردها بسبب الصيد الجائر، بينما تناقصت مساحة بحيرة المنزلة بكفر الشيخ نتيجة أعمال الردم والتجفيف، في حين تعاني بحيرة مريوط جنوب الإسكندرية من التلوث».
ما يراه فهمي ضروريا لإصلاح حال الثروة السمكية، بدأت الحكومة في تداركه، وأعلنت الحكومة عن خطوات عملية لتطهير البحيرات من مصادر التلوث.

خطر الاحترار العالمي
غير أن تلك الجهود تواجه خطرا بات يدق الأبواب، وهو الاحترار العالمي، الذي يمكن أن تكون له تداعيات سلبية على مستقبل الأمن الغذائي بشكل عام، والثروة السمكية بشكل خاص.
وهناك تأثيران للاحترار العالمي على الثروة السمكية، الأول واضح ويحتاج لمعالجة فورية، وهو المتعلق بالتهديد الذي تواجهه مزارع الأسماك الصناعية، مثل مزرعة غليون، والثاني يتعلق بتهديد مستقبلي يتعلق بغرق البحيرات الطبيعية. ويقول الدكتور خالد عبد المولى، أستاذ الثروة السمكية بجامعة كفر الشيخ لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة للتهديد المتعلق بمزارع الأسماك فقد بات محسوسا، حيث إن الارتفاع غير الطبيعي في درجات الحرارة، يؤدي بدوره لزيادة نشاط الميكروبات المحبة للحرارة ما يؤدي لزيادة احتمالية حدوث أمراض، كما يؤدي لنقص الأكسجين في المياه، بما يؤثر على حياة زريعة الأسماك، ونقص في إمدادات المياه، بما يؤدي إلى زيادة تركيز المادة العضوية وزيادة الأمونيا عن النسب المسوح بها».
أما التهديد المستقبلي، فيتمثل في السيناريو الكارثي الذي يتحدث عن غرق الدلتا في مصر بسبب التغيرات المناخية، وهو ما يهدد وجود الكثير من البحيرات الطبيعية، مثل بحيرة البرلس.
من جهته يقول الدكتور علاء النهري، نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة، وممثل مصر بلجنة الاستخدام السلمي للفضاء، لـ«الشرق الأوسط»: «دلتا مصر تعد من أكثر المناطق في العالم المعرضة لخطر الاحترار العالمي، حيث إن أراضيها منخفضة عن سطح البحر بنحو 0.5 متر، في حين يزداد منسوب سطح البحر عاما بعد آخر».
وأضاف أن «تأثيرات الاحترار العالمي بدت واضحة في منطقتي رشيد ودمياط، حيث تم فقدان نحو 5 كلم مربع من رأس أو حافة رشيد وحافة دمياط نتيجة لارتفاع منسوب البحر 23 سم». وتابع: «استمرار هذا الوضع يهدد بغرق نصف مساحة الدلتا، بحلول 2100 إذا لم يتم إقامة سدود تواجه ارتفاع منسوب ماء البحر».
ولا تملك مصر إزاء مواجهة التأثير الأول للاحترار العالمي سوى برامج التوعية التي أعلنت وزارة الزراعة العام الماضي تنفيذها بشكل مكثف لمساعدة المزارع السمكية على التكيف مع التغيرات المناخية. وتشمل هذه البرامج استخدام بعض التطبيقات الحديثة التي تراقب حالة المزارع السمكية من حيث نسبة الأكسجين والأمونيا في المياه، وترسل على هاتف مسؤول المزرعة رسالة في حالة حدوث أي مشكلة.
أما التأثير الثاني، الذي يتعلق بمخاوف غرق الدلتا، فقد أعلنت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة في مارس الماضي «وجود منحة دولية قدرها 31 مليون يورو بهدف إنشاء السدود لحماية شمال الدلتا ومنها محافظة كفر الشيخ».