نساء غيرن مسار الإعلام الغربي وقصصهن مهدت لفرص الجيل الجديد

تميزن في العمل الاستقصائي وإدارة التحرير

اشتهرت دوروثي لانغ في مجال التوثيق الفوتوغرافي... صورة أرشيفية من إحدى مهماتها عام 1936 (غيتي)
اشتهرت دوروثي لانغ في مجال التوثيق الفوتوغرافي... صورة أرشيفية من إحدى مهماتها عام 1936 (غيتي)
TT

نساء غيرن مسار الإعلام الغربي وقصصهن مهدت لفرص الجيل الجديد

اشتهرت دوروثي لانغ في مجال التوثيق الفوتوغرافي... صورة أرشيفية من إحدى مهماتها عام 1936 (غيتي)
اشتهرت دوروثي لانغ في مجال التوثيق الفوتوغرافي... صورة أرشيفية من إحدى مهماتها عام 1936 (غيتي)

المشاق التي يواجهها من يعمل في مجال الإعلام متعددة وصعبة إلى درجة أن الصحافة وصفت بأنها «مهنة المتاعب». ويجد معظم الرجال العاملين في المهنة، أن الوصول إلى قمة الهرم الوظيفي الإعلامي مهمة شبه مستحيلة لا يبلغها إلا القليلون. ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجهها المرأة في مجال العمل الإعلامي تتضاعف أحياناً عن تلك التي يواجهها الرجال؛ للكثير من الأسباب. ولذلك؛ يقل كثيراً عدد النساء في المراكز القيادية الإعلامية حتى في الدول الغربية.
لكن هناك الكثير من النساء المرموقات اللواتي قبلن التحدي وغيرن مسار المهنة لمن جاء بعدهن، تاريخياً وحالياً. وتواصل النساء مسيرة إعلامية شاقة وسط صعوبات معظمها لا علاقة له بالمهنة نفسها. فهناك مثلاً المقاومة الرجالية لاقتحام النساء مجالاً يعتبرونه حكراً على الرجال، والقيود التي تفرضها الأسرة على الفتيات، وندرة التدريب الموجه خصيصاً إلى المرأة، وساعات العمل الطويلة وانعدام الأمان في بعض مجالات التغطية الإعلامية، وضرورات السفر أحياناً. وتواجه النساء أيضاً تحديات التحرش الوظيفي.
تحتاج النساء العاملات في المجال الإعلامي إلى إرادة قوية لمواجهة هذه التحديات والتعامل مع المنافسة المتزايدة في المجال، وأحياناً التفرقة لصالح الرجال التي ما زالت سائدة في بعض مجالات العمل. من أوجه هذه التفرقة أن النساء لا يوكل إليهن تغطية الأخبار الرئيسية، ويبعدن عن المجال السياسي أو الأحداث الخطيرة، مثل الجرائم والحروب. كما أن معدلات الدخل المالي بين الإعلاميات يقل عنه بين رجال الإعلام.
ومع ذلك، أثبتت النساء على مر السنين أنهن أفضل من الرجال في بعض المجالات، خصوصاً في الصحافة الاستقصائية، وفي البحث عن التفاصيل، وتغلبت النساء على النظرة السلبية التي حددت لهن في الماضي وظائف منزلية.
وبدأت النساء في تغطية الموضوعات والتحديات النسائية في المجال الإعلامي والوظيفي بشكل عام، ثم انطلقن إلى مهام أخطر مثل تغيير المفاهيم وقيادة المؤسسات الإعلامية. وتجد المرأة الآن أن مجال الإعلام مفتوح لها، وأن القوانين تساوي بينها وبين الرجال في الارتقاء الوظيفي والأجر، وأن الوصول إلى ذروة المجال الإعلامي لم تعد بالصعوبة التي كانت عليها في الماضي.
وكان وراء هذا التحول نخبة من النساء المرموقات من العالم الغربي اللواتي قاومن التحديات وغيرن مسار المهنة.
من هؤلاء النساء كانت ست نساء لهن بصماتهن الواضحة على الإعلام، ثلاث منهن راحلات، وثلاث أخريات يعملن حتى الآن في الإعلام الدولي. وتبدو قصصهن المجتمعة نماذج من التحديات التي واجهت النساء، وما زال بعضها قائماً، وجهود التغلب عليها.

دوروثي لانغ
من أولايات العاملات في مجال الصحافة تاريخياً حتى وفاتها في عام 1965. عملت لانغ خلال فترة الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي، وهي من أصعب الفترات الاقتصادية تاريخياً، وأسست للصحافة الوثائقية المصورة. بدأت عملها مصورةً بعد التخرج في جامعة كولومبيا، وانتقلت من نيويورك إلى سان فرانسيسكو وعملت في استوديو لتصوير نخبة الأثرياء.
لكن مع قدوم الكساد العظيم خرجت لانغ بالكاميرا من الاستوديو إلى الشارع، ونقلت إلى الرأي العام المعاناة التي سادت المجتمع الأميركي حينذاك. وكان أشهرها صورة لسيدة في الثانية والثلاثين من العمر تعاني من الجوع بعد أن باعت إطارات سيارتها كأخر مصدر يسد رمقها هي وأطفالها. وغيرت لانغ الكثير من المفاهيم وساهمت في تحسين المجتمع الذي عاشت فيه.

بابس سيمبسون
توفيت سيمبسون مؤخراً عن 105 أعوام، وكانت رئيسة تحرير مؤسسة «فوغ»، الشهيرة في عالم الموضة، لمدة ربع قرن ساهمت خلالها في تحديد معالم عالم الموضة، وكان لها بصمة معروفة في هذا المجال. عملت سيمبسون مع الكثير من المشاهير وكانت وراء اختيار النجوم لملابسهم، ومن ضمنهم النجمة مارلين مونرو. كما كان لها تقارير مصورة مع الروائي الشهير إرنست هيمنغواي.
وساعد سيمبسون في مهمتها الإعلامية نشأتها الأرستقراطية ورحلاتها حول العالم من بكين، حيث ولدت، إلى دول أميركا اللاتينية، وأخيراً استقرار عائلتها في بوسطن والاختلاط بالمجتمع المخملي الأميركي. تزوجت بابس في عام 1936 من ويليام سيمبسون، خريج جامعة هارفارد. لكنها انفصلت عنه بعد سبع سنوات وتوجهت إلى نيويورك وانخرطت في عالم الإعلام وانضمت إلى فريق «فوغ» في عام 1947، وبقت سيمبسون مع «فوغ» حتى عام 1972.
تميزت سيمبسون بالذوق السليم في تحديد مسار الموضة في العالم بداية من باريس ونيويورك. وخارج نطاق عملها كانت تعيش في مناخ ثقافي متميز بين الأعمال الفنية والكتب والمسارح والباليه.
في عام 1972 انتقلت سيمبسون إلى مجلة «هاوس آند غاردن» وكان لها تأثير في التصميم الداخلي للمنازل والحدائق. وفي سنواتها الأخيرة ظهرت في تقرير إعلامي عن رؤساء تحرير «فوغ» تم بثه تلفزيونياً في عام 2012، وكان من تأثيرها أن مصممة شهيرة تدعى باني ميلون وصفتها في موقع رئاسة تحرير «فوغ» بأن «أحداً لم يأت قبل سيمبسون ولا بعدها».

سيلفيا تشيس
كانت سيلفيا تشيس رائدة في عملها الإعلامي والتلفزيوني وحصلت على جائزة «إيمي» وفتحت الطريق أمام جيل كامل من الإعلاميات خلال عقد السبعينات من القرن الماضي، اقتحمن عالم التلفزيون الذي كان حكراً على الرجال. توفيت سيلفيا في كاليفورنيا مؤخراً وهي في عمر الثمانين.
كان أكبر تأثير لها في عالم التلفزيون أنها استطاعت إثبات جدية النساء في التغطية الإعلامية المفيدة بدلاً من الظهور على الشاشة من أجل ملامحهن الجاذبة للمشاهدين. وقدمت تشيس الكثير من البرامج الناجحة مثل «20-20» و«برايم تايم» و«ماغازين» كما قدمت نشرات أخبار مسائية على تلفزيون «كرون تي في» في سان فرانسيسكو.
واخترقت تشيس مجالات كانت محرمة تلفزيونياً، مثل التحرش في مكان العمل وفي السجون، والعلاج من الإدمان وفضح أدوية مضرة، وتحول مرض السكري إلى وباء عام. كما خاضت في مجالات تخص الهنود الحمر في أميركا، والتفرقة العنصرية في مجال الشرطة، وإهمال برامج العناية بالأطفال المعاقين. وأطلق عليها المشاهدون لقب «المرأة التي يمكن الوثوق بها». وتميزت تشيس بالإصرار والعزيمة وقوة الإرادة، وأسست لمواقع نسائية قوية من بعدها.
ومهّدت هذه النخبة من النساء عبر العقود السابقة لجيل حالي من النساء المؤثرات في المجال الإعلامي، أشهرهن أوبرا وينفري، وأريانا هافينغتون، وجيل أبرامسون.

أوبرا وينفري
اشتهرت أوبرا وينفري ببرنامجها الحواري «أوبرا وينفري شو» الذي يعد من أكثر البرامج مشاهدة أميركياً. تعد وينفري «ملكة الميديا» كما يطلق عليها، كما أنها من أكثر النساء الأميركيات من أصل أفريقي ثراءً في أميركا. وهي أيضاً من أكثر النساء تأثيراً، ليس فقط في مجالها أو في أميركا، لكن على مستوى العالم.
ومع ذلك، كانت بدايات وينفري فقيرة في ميسيسبي كما تعرضت للاعتداء الجنسي في بداية شبابها. وعملت وينفري في محطة إذاعة محلية أثناء دراستها ثم انتقلت إلى تقديم البرامج الصباحية وأسست برامج تماثل الصحف التابلويد بمحتوى من الأخبار الخفيفة والاعترافات واستضافة شخصيات غير مرغوب فيها اجتماعياً.
تعد وينفري نموذجاً للتغلب على التحديات، ليس فقط كامرأة، وإنما أيضاً كسيدة من أصل أفريقي في أميركا. ومن صعوبات طفولتها بلغت وينفري القمة بحصولها على الدكتوراه الفخرية من جامعتي دوك وهارفارد، وميدالية الحرية التي منحها لها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

أريانا هافينغتون
وهي من أصل يوناني تزوجت السياسي الأميركي مايكل هافينغتون وأسست مجموعة «هافينغتون بوست» التي انضمت بعد ذلك إلى مؤسسة أميركا اونلاين. ظهرت هافينغتون في لائحة فوربس لأكثر النساء تأثيرا في الإعلام. واشترت مؤسسة «أميركا أونلاين» مجموعة «هافينغتون بوست» في عام 2011 بمبلغ 315 مليون دولار، وعيّنت أريانا رئيسة تحرير ومديرة عامة.
ولم تكتف أريانا بالنجاح الذي حققته في «هافينغتون بوست» فاستقالت في عام 2016، وأعلنت أنها سوف تبدأ من جديد مع شركة أسستها اسمها «ثرايف غلوبال» وهي مؤسسة إعلامية تعنى بالصحة والمعلومات الصحية المفيدة لمعيشة نشطة وسعيدة.
خلال عملها الإعلامي الطويل شجعت أريانا خوض النساء للإعلام، لكنها عارضت حركات تحرير المرأة؛ لأنها تشير بشكل غير مباشر إلى عبودية المرأة، وهو ما ترفضه تماماً.

جيل أبرامسون
تشتهر أبرامسون بأنها كانت رئيسة تحرير صحيفة «نيويورك تايمز» بين عامي 2011 و2014، وكانت أول سيدة تتقلد هذا المنصب في تاريخ الصحيفة الممتد 160 عاماً. والتحقت أبرامسون بالصحيفة في عام 1997 مديرةً لمكتب واشنطن ثم مديرة تحرير، كما عملت قبلها في صحيفة «وول ستريت جورنال» محررةً استقصائية.
وهي أيضاً تتمتع بالموقع الخامس على لائحة «فوربس» لأكثر النساء تأثيراً في مجال الإعلام. ونشرت أبرامسون هذا العام كتاباً عن «تجار الحقائق» عن الأخبار الكاذبة، تعرّض إلى الكثير من النقد من الإعلاميين، لكنه حصل على المديح من الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
هي خريجة جامعة هارفارد ولها نشاطات أكاديمية وثقافية وإعلامية وقانونية، وهي نموذج للمرأة العصرية في مجال الإعلام التي لم تتعرض للتحديات التي واجهت سابقيها، واستفادت من مناخ الحرية النسبية السائد حالياً من أجل تحقيق طموحاتها والوصول إلى أعلى المناصب القيادية في الإعلام الأميركي.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.