مؤتمر دولي في القاهرة: المحتوى هو الأصل والتكنولوجيا أداة لنقله للجمهور

جانب من جلسات المؤتمر
جانب من جلسات المؤتمر
TT

مؤتمر دولي في القاهرة: المحتوى هو الأصل والتكنولوجيا أداة لنقله للجمهور

جانب من جلسات المؤتمر
جانب من جلسات المؤتمر

في ظل التطور التكنولوجي، وزيادة تعلق واعتماد الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا»، تسابقت وسائل الإعلام التقليدية على «الترند»، وتخلت عن كثير من المعايير المهنية والأخلاقية التي لطالما اعتمدت عليها في صناعة القصص الصحافية، خوفاً من انصراف الجمهور عنها، ومع التحول الرقمي أصبح السؤال حول مصير وسائل الإعلام التقليدية في ظل المنافسة الشرسة مع وسائل التواصل الاجتماعي، سؤالا يوميا ليس له إجابة.
مؤتمر القاهرة الثاني للإعلام، الذي اختتم أعماله نهاية الأسبوع الماضي بالجامعة الأميركية بالقاهرة، بمشاركة مجموعة من الإعلاميين والأكاديميين من مصر والعالم، حاول مناقشة التحديات التي تواجه الإعلام في العصر الرقمي، والإجابة على مجموعة من الأسئلة التي تشغل العاملين بالمهنة في مصر والعالم، ومن بينها هل تقضي «السوشيال ميديا» على وسائل الإعلام التقليدية؟ وكيف نحافظ على قيم وأخلاقيات الإعلام في ظل التحول الرقمي؟ وهل هناك طريقة عالمية للسرد الرقمي؟ وكيف نتعامل مع من يقاومون التغيير في الإعلام التقليدي؟ وهل أصبحت وسائل الإعلام مستعبدة من قبل مواقع التواصل الاجتماعي؟
وعلى مدار يومين أكد المشاركون في المؤتمر أن «الحل الوحيد لبقاء المهنة هو التمسك بالمعايير المهنية، وصناعة قصص صحافية يحتاجها الجمهور، وعرضها بطرق جذابة»، مشددين على أن «التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي مجرد أداة لنقل المحتوى الإعلامي»، لكنهم لم يستطيعوا الإجابة على السؤال الأساسي بشأن مستقبل الإعلام، وتركوا الباب مفتوحا أمام 3 خيارات وهي الاتجاه بشكل كامل نحو الإعلام الجديد، أو العودة لوسائل الإعلام التقليدية بحثا عن المصداقية، أو ظهور تطور جديد لا نعرف عنه شيئا.
طارق عطية، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة البرنامج المصري لتطوير الإعلام EMDP، قال إن «مهنة الإعلام لن تتطور إلا بالتعاون بين كل الأطراف المعنية، ومن خلال تشارك التجارب والخبرات حول العالم لحماية المهنة وتقديم المصداقية والمهنية»، مشددا على «ضرورة مواكبة العصر والمنصات الجديدة، مع خلق نوع من الانضباط، والتأكد من صحة الأخبار، ودقتها».
من جانبه، قال محمد فوزي، رئيس تحرير جريدة «التحرير» الأسبوعية، وموقع التحرير الإخباري، إن «القارئ المصري أصبح سريع الملل، ويحتاج إلى محتوى مختلف»، مشيرا إلى أن «ازدياد أهمية محرر السوشيال ميديا في غرف الأخبار، لتحديد ما هي القصص التي يبحث عنها الجمهور، وما القصص التي يمكن أن تؤثر فيه، وأفضل توقيت للنشر».
وأكد إيهاب الزلاقي، رئيس التحرير التنفيذي لجريدة «المصري اليوم» أن «الجمهور أصبح يفضل سرد القصص الصحافية باستخدام الفيديو»، مشيرا إلى أن «أهم مشكلات الصحافة الرقمية في مصر هي سيطرة أجيال الصحافة التقليدية على غرف الأخبار، وضعف الميزانية للتدريب، إضافة لمشكلات الإنترنت».
وقال فادي رمزي، المدير التنفيذي لشرك InsideOut، والأستاذ غير المتفرغ بمركز كمال أدهم للصحافة التلفزيونية والرقمية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، إن «هناك 3 محاور أساسية يجب معرفتها جيدا عن الحديث عن الصحافة التلفزيونية والرقمية وهي: التخطيط، وخلق المحتوى الخاص للسوشيال ميديا، ومعرفة أفضل الطرق لتوزيع المحتوى»، مشددا على «ضرورة تحديد الهدف من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، لتحديد الطريقة التي سيتم التعامل بها معها».
وحول عالمية طرق السرد الرقمي، قالت مونيكا ليد، المسؤولة عن تطوير الديجتال في التلفزيون النرويجي، إنه «لا توجد طريقة عالمية للسرد الرقمي، وعلينا اختيار الطريقة المناسبة لسرد القصة حتى تصل لمن هم في سن الـ17، ومعرفة المنصات التي يوجد عليها الجمهور المستهدف»، مستعرضة تجربتها في تحويل التلفزيون النرويجي إلى البث على الإنترنت. وأضافت أن «القصة هي المفتاح دائما، وعلى الفريق الصحافي إتقان مهارات العصر الرقمي لتحقيق التفاعل مع الجمهور».
لكن روني كروس، مدرس بقسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأميركية بالقاهرة، يرى أن «هناك طريقة عالمية للسرد الرقمي»، موضحا أنه «على الرغم من التغير في التكنولوجيا فهناك أشياء عالمية في رواية القصة». كما أكد الزلاقي أن «الأصل هو وجود قصة، ومحتوى جذاب، والتكنولوجيا هي مجرد أداة لنقها وسردها».
لكن الاتجاه بشكل كبير نحو الإعلام الرقمي والاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي يحمل بعض المخاطر، وربما يهدد المعايير المهنية، وهو ما أثارته الإعلامية منى سلمان، معربة عن قلقها من «الاهتمام بالتكنولوجيا والوسيلة على حساب المهن ومعاييرها وأخلاقها».
بدوره، أعرب فراس الأطرقجي، رئيس قسم الصحافة والإعلام، بالجامعة الأميركية بالقاهرة، عن قلقه من «ازدياد الأخطاء النحوية والإملائية في الوسائل الإعلامية المختلفة، بسبب السرعة ومحاولة السبق»، مشيرا إلى أنه «رغم التطور التكنولوجي والحديث عن انهيار الصحف المطبوعة، فإن الصحف المطبوعة ستبقى مهمة في مجتمعاتنا، باعتبارها مصدرا مهما للمعلومات».
وقال أرني جنسن، أمين عام رابطة المحررين النرويجيين، إن «كثيرا من المؤسسات الإعلامية النرويجية الكبرى أغلقت منصات لها»، مشددا على ضرورة تحديد مسؤولية كل عضو بالفريق لحماية كل أطراف العملية الإعلامية، والتأكد من صحة المعلومات والمصادر قبل النشر، والاهتمام بالقصص الصحافية قبل عرض محتواها.
جانب من جلسات المؤتمر



مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
TT

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)

طغى مشهد الحرب على أحداث لبنان لسنة 2024، لا سيما في الأشهر الأخيرة من العام، وهي أشهر أمضاها اللبنانيون يترقّبون بقلق مصير بلدهم غير آبهين بأي مستجدات أخرى تحصل على أرضهم أو في دول مجاورة. وشكّلت محطات التلفزة الخبز اليومي للمشاهدين، فتسمروا أمام شاشاتها يتابعون أحداث القصف والتدمير والموت.

توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شكّل مفاجأة للبنانيين

المشهد الإعلامي: بداية سلسة ونهاية ساخنة

عند اندلاع ما أُطلق عليها «حرب الإسناد» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم يتأثر المشهد الإعلامي في لبنان، فقد أبقى أصحاب المحطات المحلية مع بداية عام 2024 على برامجهم المعتادة، وخاضت التلفزيونات موسم رمضان بشكل عادي، متنافسة على تقديم الأفضل للمشاهد. لم تتبدل أجندة البرامج في محطات «إل بي سي آي»، و«الجديد»، و«إم تي في». وتابع اللبنانيون برامج الترفيه والحوارات السياسية والألعاب والتسلية، وكأن لا شيء غير عادي يحدث. وفي موسم الصيف، ركنت المحطات كعادتها إلى إعادات درامية وحلقات من برامج ترفيهية. فهذا الموسم يتسم عادة بالركود، كون المُشاهد عموماً يتحوّل إلى نشاطات أخرى يمارسها بعيداً عن الشاشة الصغيرة.

لكن منذ أن جرى تفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) بعناصر «حزب الله»، في 17 سبتمبر (أيلول) من العام الحالي، انقلب المشهد الإعلامي رأساً على عقب. وضعت جميع المحطات مراسليها ومقدمي نشرات الأخبار لديها في حالة استنفار، وصار المشهد السائد على الشاشة الصغيرة، من حينها، يتألّف من نقل مباشر وحوارات سياسية متواصلة.

حالة استنفار عام سادت محطات التلفزة لمواكبة أحداث الحرب

مقتل صحافيين خلال الحرب

لم توفر الحرب الدائرة في لبنان منذ بداياتها الجسم الإعلامي الذي خسر عدداً من مراسليه على الأرض. وُصف استهدافهم بـ«جريمة حرب» هزّت المشهد واستدعت استنكاراً واسعاً.

ولعل الحدث الأبرز في هذا المجال هو الذي جرى في أكتوبر 2024 في بلدة حاصبيا الجنوبية.

فقد استهدفت غارة إسرائيلية فندقاً كان قد تحول إلى مقر إقامة للصحافيين الذين يغطون أخبار الحرب؛ مما أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة آخرين. قُتل من قناة «الميادين» المصوّر غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا، كما قُتل المصوّر وسام قاسم من قناة «المنار». ونجا عدد آخر من الصحافيين الذين يعملون في قناة «الجديد»، ووسائل إعلامية أخرى.

وضع لبنان على اللائحة الرمادية (لينكد إن)

تمديد أوقات البث المباشر

أحداث الحرب المتسارعة التي تخلّلها اغتيالات، وقصف عنيف على لبنان، سادت المشهد الإعلامي. وشهدت محطات التلفزة، للمرة الأولى، تمديد أوقات البث المباشر ليتجاوز 18 ساعة يومياً.

وجنّدت محطات التلفزة مراسليها للقيام بمهمات يومية ينقلون خلالها الأحداث على الأرض. وتنافست تلك المحطات بشكل ملحوظ كي تحقّق السبق الصحافي قبل غيرها، فقد مدّدت محطة «إم تي في»، وكذلك «الجديد» و«إل بي سي آي»، أوقات البث المباشر ليغطّي أي مستجد حتى ساعات الفجر الأولى.

وحصلت حالة استنفار عامة لدى تلك المحطات. فكان مراسلوها يصلون الليل بالنهار لنقل أحداث الساعة.

برامج التحليلات السياسية والعسكرية نجمة الشاشة

أخذت محطات التلفزة على عاتقها، طيلة أيام الحرب في لبنان، تخصيص برامج حوارية تتعلّق بهذا الحدث. وكثّفت اللقاءات التلفزيونية مع محللين سياسيين وعسكريين. وبسبب طول مدة الحرب استعانت المحطات بوجوه جديدة لم يكن يعرفها اللبناني من قبل. نوع من الفوضى المنظمة ولّدتها تلك اللقاءات. فاحتار المشاهد اللبناني أي تحليل يتبناه أمام هذا الكم من الآراء. وتم إطلاق عناوين محددة على تلك الفقرات الحية. سمّتها محطة الجديد «عدوان أيلول». وتحت عنوان «تحليل مختلف»، قدّمت قناة «إل بي سي آي» فقرة خاصة بالميدان العسكري وتطوراته. في حين أطلقت «إم تي في» اسم «لبنان تحت العدوان» على الفقرات الخاصة بالحرب.

أفيخاي أدرعي نجماً فرضته الحرب

انتشرت خلال الحرب الأخبار الكاذبة، وخصّصت بعض المحطات مثل قناة «الجديد» فقرات خاصة للكشف عنها. وبين ليلة وضحاها برزت على الساحة الإعلامية مواقع إلكترونية جديدة، وكانت مُتابعة من قِبل وسائل الإعلام وكذلك من قِبل اللبنانيين. ومن بينها «ارتكاز نيوز» اللبناني. كما برز دور «وكالة الإعلام الوطنية»، لمرة جديدة، على الساحة الإعلامية؛ إذ حققت نجاحاً ملحوظاً في متابعة أخبار الحرب في لبنان. وشهدت محطات تلفزة فضائية، مثل: «العربية» و«الجزيرة» و«الحدث»، متابعة كثيفة لشاشاتها ومواقعها الإلكترونية.

أما الحدث الأبرز فكان متابعة اللبنانيين للمتحدث الإعلامي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. فالحرب فرضته على اللبنانيين لتوليه مهمة الكشف عن أسماء قادة الحزب الذين يتمّ اغتيالهم. كما كان يطل في أوقات متكررة، عبر حسابه على «إكس»، يطالب سكان مناطق محددة بمغادرة منازلهم. فيحدد لهم الوقت والساعة والمساحة التي يجب أن يلتزموا بها، كي ينجوا من قصف يستهدف أماكن سكنهم.

عودة صحيفة إلى الصدور

في خضم مشهد الحرب الطاغي على الساحة اللبنانية، برز خبر إيجابي في الإعلام المقروء. فقد أعلنت صحيفة «نداء الوطن»، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، استئناف صدورها، ولكن بإدارة جديدة. فقد سبق أن أعلن القيمون عليها في فترة سابقة عن توقفها. وكان ذلك في شهر مايو (أيار) من العام نفسه.

توقيف حاكم مصرف لبنان يتصدّر نشرات الأخبار

سبق انشغال الإعلام اللبناني بمشهد الحرب خبر توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. كان الخبر الأبرز في نشرات الأخبار المتلفزة. لم يتوقع اللبنانيون في 3 سبتمبر من عام 2024 أن يستيقظوا على خبر شكّل مفاجأة لهم. ففي هذا اليوم تم توقيف رياض سلامة على ذمة التحقيق، وذلك بتهم تتعلّق بغسل أموال واحتيال واختلاس. جاءت هذه الخطوة في إطار تحقيق يتعلّق بشركة الوساطة المالية اللبنانية «أبتيموم إنفيست»، وقبل أسابيع قليلة من تصنيف لبنان ضمن «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي «فاتف» (FATF)؛ مما يهدّد النظام المالي اللبناني المتأزم.

اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله تصدّر مشهد الحرب

أخبار تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024

تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024 سلسلة من الأحداث. شملت أخبار اغتيالات قادة «حزب الله»، وفي مقدمهم أمينه العام حسن نصر الله في 27 سبتمبر. كما انشغلت نشرات الأخبار المتلفزة بالحديث عن وضع لبنان على «القائمة الرمادية»، وهو تصنيف من شأنه أن يفاقم معاناة البلاد اقتصادياً في ظل الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019. أما أحدث الأخبار التي تناقلتها محطات التلفزة فهو قرار الإفراج عن المعتقل السياسي جورج إبراهيم عبد الله بعد قضائه نحو 40 عاماً في السجون الفرنسية.

وقف إطلاق النار يبدّل المشهد المرئي

في 27 نوفمبر أُعلن وقف إطلاق النار، بعد توقيع اتفاق مع إسرائيل. فتنفّست محطات التلفزة الصعداء. وانطلقت في استعادة مشهديتها الإعلامية المعتادة استعداداً لاستقبال الأعياد وبرمجة موسم الشتاء.