رغم تطمينات الحكومة... قلق في العراق من السيول والفيضانات

توقعات بارتفاع منسوب مياه نهر دجلة 3 أمتار إضافية

مواطنون يلتقطون صوراً قرب سد دوكان في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق الخميس الماضي (رويترز)
مواطنون يلتقطون صوراً قرب سد دوكان في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق الخميس الماضي (رويترز)
TT

رغم تطمينات الحكومة... قلق في العراق من السيول والفيضانات

مواطنون يلتقطون صوراً قرب سد دوكان في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق الخميس الماضي (رويترز)
مواطنون يلتقطون صوراً قرب سد دوكان في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق الخميس الماضي (رويترز)

أعلنت وزارة الموارد المائية عن نجاحها في إمرار الموجة الفيضانية في محافظة صلاح الدين (170 كم) شمال العاصمة بغداد، وقالت الوزارة، في بيان، أمس، إن «مديرية الموارد المائية في محافظة صلاح الدين، وبالتعاون والتنسيق مع تشكيلات الوزارة الأخرى، تمكنت من إمرار موجة فيضانية على عمود نهر دجلة».
وأوضحت الوزارة أن «الجهد الآلي والهندسي والفني لجميع ملاكات الوزارة وضع خطط استباقية قبل موسم الفيضان من أجل تقليل الأضرار البشرية والمادية والممتلكات العامة، ولساعات متأخرة من الليل».
وعلى الرغم من التطمينات المتلاحقة التي تطلقها الحكومة الاتحادية بشأن قضية الفيضانات والسيول، إلا أن المخاوف الرسمية والشعبية ما زالت قائمة في الكثير من المحافظات التي تضرر بعضها فعلاً بموجة الفيضانات.
وأعرب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الأسبوع الماضي، عن اعتقاده بوجود «مبالغات غير جادة، وتخويف للناس غير مبرر من السيول والأمطار». لكنه اعترف أن بلاده «تواجه ضغوطاً مائية شديدة» نتيجة السيول والأمطار الغزيرة التي سقطت مؤخراً.
بدوره، يقول المتحدث باسم «مجلس عشائر صلاح الدين»، مروان جبارة، إن «وزارة الموارد نجحت في إمرار الموجة الفيضانية عبر سد سامراء إلى منخفض الثرثار، لكن بعض القرى والعوائل القريبة من ضفاف النهر تضررت فعلاً نتيجة ارتفاع مناسيب المياه في دجلة».
ويؤكد جبارة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، على «غرق قرى الزوية ومسحك في ناحية العلم، وقرى أخرى قريبة من حافة النهر مثل الفندي والدبسة وحويجة العالي، إضافة إلى قرى أخرى في سامراء». ويرى أن «الحكومة لا تتحمل كامل المسؤولية في الأضرار التي لحقت بالمواطنين، لأن بعضهم تعمد السكن والزراعة على ضفاف النهر الممنوعة أصلاً».
وطالب رئيس حزب «المسار المدني» النائب عن محافظة صلاح الدين، مثنى عبد الصمد السامرائي، أمس، بصرف تعويضات للمتضررين من الفيضانات الأخيرة. وقال مكتب السامرائي، في بيان، أمس، إن «عدداً من ضواحي مدينة سامراء والقرى المحيطة بها تعرضت للفيضانات بسبب موجة الأمطار الأخيرة وارتفاع منسوب المياه، ما أدى لغرق مناطق زراعية واسعة وتعرّض أصحابها لخسائر مادية فادحة».
في غضون ذلك، أكدت مصادر رسمية في محافظة ميسان الجنوبية، أمس، «طلب الجانب الإيراني من الحكومة العراقية إيقاف حركة المسافرين والحركة التجارية في منفذ الشيب، بسبب السيول التي تتعرض لها إيران حفاظاً على سلامة المسافرين».
وفي العاصمة بغداد تشير توقعات وزارة الموارد المائية إلى ارتفاع مناسيب المياه في دجلة، في الأيام القريبة المقبلة، إلى نحو 3 أمتار عن معدلاتها الحالية، ما يهدد بغرق عشرات الحدائق والمنتجعات المشيدة على ضفاف النهر.
وحذّر محافظ بغداد فلاح الجزائري، أمس، أصحاب المطاعم والمشروعات الاستثمارية، وجميع الموجودين على شواطئ نهر دجلة من مطاعم ومنشآت ومواطنين، وأنذرهم بعدم البقاء في حوض دجلة اعتباراً من هذا الأسبوع. وحذّرت محافظات كثيرة، ومنها نينوى، السكان، من الاقتراب من ضفاف نهر دجلة تجنباً للمخاطر المحتملة التي قد تنجم عن ارتفاع مناسيب النهر.
وبادرت خلية الأزمة في محافظة ميسان الجنوبية إلى إخلاء المنازل القريبة من النهر وتوزيع الخيم والسلات الطبية، وقال المتحدث باسم مجلس المحافظة ميسان عامر نصر الله، أول من أمس، إن «كمية إطلاقات مائية وصلت مقدارها 650 متراً مكعباً في الثانية، ونشاهد الوضع الحرج لمناطق جنوب العمارة (مركز المحافظة)، وبالأخص مناطق الهدام والمناطق القريبة من حوض دجلة في المشرح».
وعقد مجلس محافظة واسط، أمس، جلسة طارئة لمناقشة أزمة ارتفاع مناسيب المياه، وصوت المجلس على «تخصيص 250 مليون دينار تضاف إلى خلية الأزمة المشكلة من قبل ديوان المحافظة». وأعلن محافظ واسط، محمد جميل المياحي، أول من أمس، تفكيك جسرين عائمين في المحافظة، بسبب ارتفاع مناسيب نهر دجلة التي تسببت بغرق حدائق ومناطق قريبة من سدة الكوت.
وفي إقليم كردستان، شمال البلاد، أظهرت صور تناقلتها وسائل إعلام كردية ومحلية انهيار أجزاء من جبل في منطقة برواري بالا التابعة لقضاء آميدي بمحافظة دهوك، نتيجة الأمطار الغزيرة التي اجتاحت إقليم كردستان، أمس. وتسببت الانهيارات بإغلاق الطريق الرابطة بين عدد من القرى التابعة لقضاء آميدي. وجاء الخبر «السعيد والوحيد» بشأن السيول والفيضانات من محافظ كركوك الشمالية، حيث أكد محافظها راكان الجبوري، أمس، على عدم وجود فيضانات في المحافظة، وأن الطرق لم تقطع داخلها.
وقال الجبوري، رداً على أنباء تحدثت عن فيضانات وتسجيل إصابات بين المواطنين، في مؤتمر صحافي أمس، إن «المحافظة لم تسجل أي عدد من الضحايا داخل المحافظة وخارجها، خلال موجة الأمطار والسيول، وأنها تخلو من الفيضانات، ولم يتم قطع أي طريق داخل كركوك». وأضاف: «عملنا على زيادة مضخات لسحب الفيضانات التي ارتفعت قليلاً لحماية المواطنين، وقمنا بتخصيص موازنة مالية لمكافحة الفيضانات والسيول».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.