«التذوّق السينمائي والتلفزيوني»... والتمييز بين الفن الجيد والرديء

مرجع مهم أثقلته الاستشهادات الكثيرة

«التذوّق السينمائي والتلفزيوني»... والتمييز بين الفن الجيد والرديء
TT

«التذوّق السينمائي والتلفزيوني»... والتمييز بين الفن الجيد والرديء

«التذوّق السينمائي والتلفزيوني»... والتمييز بين الفن الجيد والرديء

صدر عن «دار الفتح للطباعة والنشر» ببغداد كتاب «التذوّق السينمائي والتلفزيوني» للدكتور صالح الصحن، أستاذ مادة الإخراج التلفزيوني في كلية الفنون الجميلة، الذي سبق له أن أصدر كتابين مهمّين، وهما «حكايات ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون عند الغرب»، و«الشخصية النموذجية في الدراما التلفزيونية»، وكما توحي به عناوين الكتب الثلاثة، فإنّ اهتمامه منصبٌّ على الفنون السينمائية والتلفزيونية، لكنّ ذلك التخصص الدقيق لا يمنعه من التوسّع في البحث، أو التعمّق في الكتابة النقدية والتنظيرية، تماماً كما فعل في كتابه الثالث، مَدار مراجعتنا النقدية.
إنّ مَنْ يقرأ هذا الكتاب سيكتشف منذ صفحاته الأولى أنّ العنوان لا يُغطّي متن الكتاب برمته، إذ أخذت السينما حصة الأسد، بينما اكتفى التلفزيون بالنِزر الضئيل من العناية والاهتمام مع أنّ الباحث والناقد صالح الصحن هو مخرج تلفزيوني ومتابع دؤوب للدراما التلفزيونية العراقية والعربية على حدٍ سواء.
لم يقسّم الباحث كتابه إلى فصول، وإنما استعاض عنها بـ39 موضوعاً ومادة بضمنها المقدمة التي كتبها المُخرج والناقد قيس الزبيدي ومصادر الكتاب الكثيرة التي بلغت 117 مصدراً، إذا ما أغفلنا تكرار الكثير منها لأكثر من مرة ضمن النسق السردي لهذا الكتاب الذي يفيد منه المتخصص والقارئ العادي، لكن الذي يُربك هذه القراءة هو الإسهاب في ذكر الأمثلة، ففي موضوع «ما الذي يثيرنا في الفيلم؟» أوردَ الباحث 23 فيلماً كأمثلة تطبيقية تبدأ بـ«مولد أمّة» لديفيد غريفيث، وتنتهي بـ«المكالمة» لبراد أندرسون، وهي كثيرة جداً، وكان بإمكانه اختصارها إلى 5 أمثلة تفي بالغرض، وتختصر من حجم الكتاب الكبير نسبياً، وسوف يتكرر هذا الإطناب في موضوعات أخرى تأخذ من وقت القارئ، ولا تضيف إليه جديداً، حيث أورد في موضوع «تسمية الأفلام» 41 مثالاً، وكان بإمكانه أن يختصرها إلى 5 أفلام تكشف عن أسباب التسمية، وتدلّل عليها، كي يتفادى هذا التطويل اللا مُبرّر الذي يجعل القارئ يراوح في منطقة واحدة يهيمن عليها التماثل والتكرار.
لم تكن غزارة الأمثلة هي السبب الوحيد في الإسهاب والتوسّع، وإنما هناك المرجعيات المعجمية في شرح المصطلحات الفنية والأدبية انطلاقاً من «التذوّق السينمائي والتلفزيوني»، وانتهاءً بـ«ما بعد الحداثة في السينما والتلفزيون» فقد ناقش الباحث 53 مصطلحاً، كما أشار الزبيدي في تقديمه للكتاب، علماً بأن غالبية هذه المصطلحات شائعة ومعروفة، وأن الوقوف عندها مُجدداً يبعث على الملل، كما هو الحال في رصد الفروقات الفنية «بين الوثائقي والتسجيلي» التي باتت معروفة، وأصبحت في حكم البديهيّات التي لا تقبل الجدل.
وإذا تأملنا الكتاب بعيداً عن الملاحظات النقدية آنفة الذكر لوجدناه مستوفياً لاشتراطاته البحثية التي تغطّي الموضوعات التي درسها، وتتبّعها بطريقة استقصائية رجع فيها إلى عيون الكتب والمصادر التي تناولت مفهوم التذوّق الفني، ورصدته في الأعمال السينمائية والتلفزيونية. ويشترط الباحث على المُشاهِد أن يكون ذوّاقاً بمعنى الكلمة، بحيث يمتلك القدرة على التمييز بين العمل الفني الناجح وبين نقضيه الفاشل تماماً مثلما يمتلك هذا المُشاهد القدرة الفسيولوجيّة على التمييز بين الطعام الشهي اللذيذ والرديء الفاسد.
ويتمنى الباحث أن يكون المتلقي مُلمّاً بعناصر الصورة، واللقطة، والمَشهد، والتكوين، وما إلى ذلك من خصائص كثيرة لها أثر كبير في معرفة المعنى وإدراكه، ولو أخذنا التكوين مثالاً لما يذهب إليه الباحث، فلا بد للمُشاهد أن يعرف عناصر التكوين مثل «تحديد المكان، وتوزيع الشخصيات، والكتل والموجودات داخل الصورة، وإدراك مستوى التوازن بينها، وفهم العلاقات القائمة بين الأشخاص».
لا بد من الاعتراف بأن هناك موضوعات شيّقة جداً في هذا الكتاب مثل «الفنون الجميلة»، و«الفن السابع»، و«قالوا في السينما» من دون أن نقلل من أهمية المحاور الأخرى التي وردت في متن الكتاب. ففي «الفنون الجميلة» يفرّق الباحث بينها وبين «الفنون التطبيقية»، مثل صناعة الفخار، وتصميم الأزياء، كما يميّز بين الفن والصنعة، فالأول خلقْ يجسّد المشاعر والعواطف والإلهام، أما الصنعة فهي استنساخ لتصوّر سبق أن نفّذه أحدهم ثم توالى الآخرون على تقليده، وهي تشبه استنساخ اللوحات والرسوم وصبّ القطع النحتية من جديد، ويُدرجه ضمن النشاط الصناعي والتجاري الخالي من الفن والإبداع.
يدنو الباحث في هذا المحور من فلسفة الجمال تحديداً، وهي الأقرب إلى التذوّق الفني منها لأي شيء آخر، خصوصاً حين يأخذنا إلى مقارنة إيمانويل كانت بين ثلاثة أصناف من الموضوعات التي تُحدث في أنفسنا بهجة لها علاقة بإرضاء المشاعر، وهي «الملائم والخير والجميل»، فالأول والثاني لهما علاقة بملَكة الرغبة، فالملائم (The Agreeable) يحقق بهجة مقرونة بالناحية الفسيولوجية كالطعام، أما الخير (The Good) فيفضي إلى البهجة المعنوية حين يكون موافقاً للصالح العام، فيما ينفرد الجميل (The Beautiful) بإحداثه بهجة خالصة بمنأى عن أي مصلحة أو دوافع باطنية أو خارجية. كما يورد الباحث مجموعة من التعريفات الدّالة للفن والفنان ننتقي منها تعريف الفن بأنه «مُنجَز بشري مُبتكر يحتمل الخيال كثيراً، ويكره الاستنساخ، وتقليد الأشياء بالتكرار»، أما «معجم أوكسفورد» فيعرّف الفنان بذلك «الشخص الذي يمارس عملاً لا غاية له سوى إثارة اللذة وانتزاع الإعجاب».
لعل أهم ما ورد في موضوع «الفن السابع» هو الإشارة إلى المُنظِّر السينمائي الإيطالي ريتشاتو كانودو الذي اعتبر السينما «فناً تشكيلياً متحرّكاً»، كما اعتقد أن هذا الفن الجديد يصالح بين إيقاعات المكان (الفنون التشكيلية) وإيقاعات الزمان (الموسيقى والشعر) في توليف للفنون الخمسة القديمة، وهي «العمارة، والنحت، والرسم، والموسيقى والشِعر» التي أضاف إليها لاحقاً «الرقص والسينما»، وقد وصف هذه الأخيرة بـ«الفن السابع»، وما يزال هذا التوصيف مُستعملاً حتى الوقت الحاضر. وقد قال عنه المنظّر الفرنسي هنري آجيل «إنّ كانودو كان متقدماً على جيله، ويرى الصدق الأسمى للسينما في التعبير عن داخل النفس، وليس في تقديم الوقائع».
لا شكّ في أنّ القراءات الواسعة والمعمقة للباحث السينمائي صالح الصحن هي التي هيأت له هذا الكمّ النوعي الكبير من مقولات منظّري السينما ونقّادها ومُخرجيها التي بلغت 41 مقولة مهمة تضرب في الصميم نختار بعضاً منها، إذ قال أندريه تاركوفسكي إنّ «السينما هي النحت في الزمن»، بينما أصرّ بازوليني أنها «خلق الواقع في الواقع»، فيما ذهب آبيل غانس إلى أنّ السينما «هي موسيقى الضوء».
قد لا نستغرب تركيز البعض على الفكرة أو السيناريو أو القصة السينمائية مثل جون هيوستن، وألفريد هتشكوك، وأنطونيوني في مقولاتهم العذبة المعبرة.
باختصار شديد إن السينما هي رواية قصص بالصوت والصورة، وربما ذهب هتشكوك أبعد من ذلك حين قال «إن الفيلم الجيد حتى لو حُذف منه شريط الصوت بكامله يظل المُشاهد مستمتعاً به»، وهو أقوى رهان على الصورة البصرية.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.