أجهزة طباعة قصص قصيرة «مجانية» لتشجيع ركاب لندن على القراءة

TT

أجهزة طباعة قصص قصيرة «مجانية» لتشجيع ركاب لندن على القراءة

خلال رحلته اليومية إلى مقر عمله بحي المال والأعمال الشهير «كناري وارف» في قلب العاصمة البريطانية لندن، التي تستغرق نحو الساعة، حيث يعمل، يبحث باريش ريشارا عن «شيء جديد يطالعه». قد يلتقط مجلة «تايم أوت» أو جريدة «مترو»، التي توزع مجاناً بمحطات القطارات والحافلات، والسبب في ذلك يفسره بقوله: «لقد توقفت عن قراءة الروايات الطويلة التي اعتدت قراءتها في السابق».
لكن لماذا؟
يجيب ريشارا بهز كتفيه «لأنها طويلة جداً، ووقتي قصير. بمجرد أن تبدأ في القراءة، لا تستطيع التوقف».
كانت سعادة ريشارا كبيرة بإطلاق مبادرة جديدة بالقرب من مقر عمله، حيث يستطيع بضغطة زر واحدة طباعة قصة قصيرة لا تتطلب قراءتها سوى دقائق معدودة.
فسر ريشارا سبب سعادته بالفكرة الجديدة فيما كان يحملق مبهوراً في ورقة مطبوعة قائلاً: «أنا من الطراز القديم. أحب أن أطالع شيئاً أمسكه بيدي»، وعلى سبيل التجربة، طبع ريشارا نسخة من بعض القصص التي لا تتطلب قراءتها أكثر من ثلاث إلى خمس دقائق عرضتها ماكينة طباعة القصص القصيرة الجديدة.
قد لا يكون هناك الكثيرون ممن يشعرون بالحاجة إلى شغل وقتهم بالقراءة خلال الدقائق التي تستغرقها الرحلة إلى مقر العمل، لكن بكل تأكيد هناك البعض ممن يشعرون بالملل والضجر، ولذلك أقدم حي «كناري وارف» على وضع 3 ماكينات لطباعة القصص القصيرة في مراكز التسوق وفي المساحات الخضراء المحيطة بالحي التجاري.
يشتكي الكثيرون من أن الكتب طويلة جداً، فقد أظهرت الأبحاث أن أكثر من ثلث الشعب البريطاني قد هجر قراءة الروايات، وحتى الأعمال غير القصصية، العام الماضي، وأن لسان حال غالبية القراء يقول: أعطونا شيئاً نطالعه في الزمن نفسه الذي تستغرقه أغنية بوب، وسنكمل المطالعة للنهاية.
ولوضع الفكرة موضع التنفيذ وملاحظة ردود أفعال الركاب خلال الرحلات اليومية إلى مقرات العمل، جرى تركيب أجهزة مجانية تطبع القصص القصيرة خلال ثوانٍ معدودة للراغبين في القراءة.
في ردود الأفعال الأولى، قالت بابيتا بيسمال، موظفة في القسم المالي بشركة «جي بي مورغان»، التي تذهب إلى العمل قادمة من غرب لندن، صباح كل يوم، «أراها فكرة رائعة لأنها تشجع الناس على القراءة. لم نكن نستطيع قراءة الكتب ولا المجلات، وربما حتى الصحف».



اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».