بلعباس: لا يمكن للإسلاميين الهيمنة على الحراك لافتقادهم قوة التسعينات

رئيس «التجمع من أجل الثقافة» يقترح هيئة ثلاثية «منتخبة» لقيادة المرحلة الانتقالية

محسن بلعباس (الشرق الأوسط)
محسن بلعباس (الشرق الأوسط)
TT

بلعباس: لا يمكن للإسلاميين الهيمنة على الحراك لافتقادهم قوة التسعينات

محسن بلعباس (الشرق الأوسط)
محسن بلعباس (الشرق الأوسط)

اقترح محسن بلعباس، رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني)، مخرجاً للأزمة الحالية في الجزائر، يتمثل في تشكيل هيئة رئاسية ثلاثية تقود المرحلة الانتقالية، معتبراً أن الحراك الشعبي يستطيع أن يحكم على هذا الاقتراح، قبولاً أو رفضاً، من خلال المسيرات التي تشهدها البلاد كل يوم جمعة.
موضحاً أن الإسلاميين الجزائريين «لم يعودوا بالقوة التي كانوا عليها في نهاية الثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي، وليس في استطاعتهم الهيمنة على الحراك الآن».
وكان بلعباس أول من اقترح تفعيل مادة دستورية لعزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ديسمبر (كانون الأول) 2012، أي قبل عام من إصابته بجلطة ظل يعاني منها حتى استقالته. وتولى بلعباس قيادة «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، خلفاً لسعيد سعدي في مارس (آذار) 2012.
وقال بلعباس في حوار مع «الشرق الأوسط»، أمس، إنه طالب بتفعيل المادة 88 من الدستور (المادة 102 في الدستور الحالي) سنة 2012، لأن بوتفليقة كان يواجه منذ ذلك الوقت متاعب صحية منعته من القيام بمهامه الرئاسية، حيث كان وقتها يعانى من قرحة، نُقِل على أثرها إلى مستشفى «فال دو غراس» الفرنسي، ولم يتمكن آنذاك من افتتاح السنة القضائية، وهو أمر كان قد اعتاد عليه منذ وصوله إلى الرئاسة عام 1999.
وأضاف بلعباس: «طالبنا آنذاك بتفعيل مادة الشغور الرئاسي، وحل البوليس السياسي، وأيضاً حل حزب جبهة التحرير الوطني لأنه يحتكر الذاكرة الوطنية منذ عام 1962 (الاستقلال)». لكن لم تلقَ هذه المطالب أيّ تجاوب عندما طُرحت. وبخصوص المرحلة الانتقالية المقبلة، اعتبر بلعباس أنه لا يمكن تسييرها بالعمل بالدستور الحالي. وقال بهذا الخصوص: «الشعب واضح في طلبه تغيير النظام كله. والحراك في الشارع قال إن الدستور اغتُصب مراراً وتكراراً. اغتصب في 2008 عندما رشح بوتفليقة لعهدة ثالثة، ثم لعهدة رابعة، وعندما انقلبوا على المجلس الشعبي الوطني، وعندما رشحوا بوتفليقة لعهدة خامسة. لا يمكن العمل بالدستور يوماً، والاستغناء عنه يوماً».
وتابع بلعباس موضحاً: «مطلب الشارع هو تغيير النظام. الشارع يقول إنا فعّلنا المادة 7 من الدستور، التي تقول إننا مصدر السلطات. والشارع يقول في حراكه إن كل الوجوه التي تورطت وتواطأت في كل المراحل السابقة، خصوصاً في مرحلة بوتفليقة، والتي تورطت في الفساد والتعديات على القوانين والدستور منذ 20 سنة، يجب أن ترحل».
لكن من يمكن أن يقود المرحلة الانتقالية؟ يجيب بلعباس: «هناك نقاش مجتمعي حول من يسيّر المرحلة الانتقالية. ففي 1992 عرفت الجزائر مرحلة انتقالية فرضها الجيش. عيّنوا المجلس الأعلى للدولة لقيادة مرحلة انتقالية، وكان الجيش يسيّرهم، باستثناء الرئيس الراحل محمد بوضياف، الذي اغتيل بعد 6 شهور. الآن هناك إمكانية، بحسب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، لانتخاب 3 شخصيات تشكل الهيئة العليا الانتقالية. الثلاثة تنتخبهم أسلاك القضاء والأساتذة الجامعيون والنقابات الحرة، ويجب ألا تتجاوز أعمارهم 60 سنة. والانتخاب يعطيهم نوعاً من الشرعية لا يوفرها التعيين. هذه الأسلاك شاركت في الحراك الشعبي، ولعبت أدواراً فيه»، مضيفاً: «نقترح أيضاً حكومة خلاص وطني، لا تتمثل بها الأحزاب السياسية. من يدخلها من وزراء يجب أن يأتي من المجتمع المدني. ويجب أن يكون وزير الدفاع مدنياً... قلنا كذلك إنه يجب أن تكون هناك هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات تتولى مراجعة قوائم الاقتراع، وصياغة قانون انتخاب يعرض على استفتاء شعبي، في نفس يوم الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي يجب أن يكون جاهزاً خلال شهرين. أي أن الاستفتاء على الدستور وقانون الانتخاب يكون في الأسبوع الأخير من شهر يونيو (حزيران) (حزيران) المقبل».
وبسؤاله كيف يمكن قياس مدى قبول الحراك الشعبي بهذه الهيئة الرئاسية الانتقالية؟ أجاب بلعباس: «بالحوار. الشعب غير متعنّت. يقول إن هذه أهدافه، ويدعو النخبة إلى اعتماد خريطة طريق للوصول إليها. لا أحد يتكلم باسم الشارع، ولكن يوم الجمعة هو ما يحكم على النقاشات التي تجري خلال الأسبوع بخصوص تسيير المرحلة الانتقالية. هناك محاولات لاختراق حراك الشارع، ولكنّ هناك وعياً جماعياً يمنع تحقق ذلك».
وماذا عن الخوف من هيمنة الإسلاميين على الحراك، كونهم الأكثر تنظيماً في العادة؟
كجواب على هذا التساؤل يقول بلعباس: «لا أظن أنهم أكثر تنظيماً. كانوا كذلك حتى سنوات الإرهاب الأولى في التسعينات. لكن المعادلة تغيّرت الآن؛ فمنذ 1988 وحتى 1991 ساعدتهم الظروف لأن الشعب كان مستاء من الحكم الأحادي للحزب الواحد (جبهة التحرير). واستخدم الإسلاميون خطاباً راديكالياً ضد منظومة الفساد، وكان لديهم وجود قوي في المساجد وبعض الجامعات. لكن في 2019 تبدلت الأمور كثيراً. الإسلاميون كأحزاب موجودون. هناك ما بين 10 و15 حزباً إسلامياً، ولكن ليس هناك حزب منها يتفق مع حزب إسلامي آخر. الفيس (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) لم يعودوا موجودين. هناك بعض الوجود لـ(أنصار الإنقاذ) في القبة وباب الوادي. وهناك الإسلام الاجتماعي، وهذا لا مشكلة بتاتاً فيه. الراديكالية قد تأتي من الإسلامي أو العلماني أو القومي. هي ليست حكراً على الإسلاميين. وتجربة التسعينات (سنوات العشرية الدموية) جعلت الجزائريين يقولون: لا، للراديكالية. ومنذ انطلاق الحراك في 22 فبراير (شباط) وجدنا في الشارع تنوعاً لكل الأطراف، وكلها تقبل بعضها بعضاً. هناك اقتناع بأن قوتنا في تنوعنا».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.