ويليام بيرنز: ارتكبنا اخطاء في سوريا... وبوتين حدق في عيني وطلب معاملة ندية

النائب الأسبق لوزير الخارجية الأميركي أكد لـ «الشرق الأوسط» استعمال واشنطن الدبلوماسية للتعاطي مع صعود الصين ويقظة روسيا

ويليام بيرنز خلال حديثه إلى (الشرق الاوسط) في لندن أمس
ويليام بيرنز خلال حديثه إلى (الشرق الاوسط) في لندن أمس
TT

ويليام بيرنز: ارتكبنا اخطاء في سوريا... وبوتين حدق في عيني وطلب معاملة ندية

ويليام بيرنز خلال حديثه إلى (الشرق الاوسط) في لندن أمس
ويليام بيرنز خلال حديثه إلى (الشرق الاوسط) في لندن أمس

قال نائب وزير الخارجية الأميركي الاسبق، ويليام بيرنز، في حديث إلى «الشرق الأوسط» أمس، إن عدم رد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على تجاوز دمشق «الخط الأحمر» في نهاية 2013 «أثر سلباً على نفوذ أميركا ودورها في العالم»، لافتاً إلى ضرورة تحلي واشنطن بالواقعية إزاء التعاطي مع الأزمة السورية؛ لأن السنوات السابقة «وضعنا أهدافاً كبيرة من دون توفير الأدوات لتحقيقها».
وأشار بيرنز إلى أن قرار الرئيس دونالد ترمب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل «خلق مشكلتين: الأولى، خدمة (للرئيس بشار) الأسد وإيران وروسيا، فبدلاً من الحديث عن إراقة الدماء في سوريا، يجري الحديث عن مقاومة الاحتلال. الثانية، تتعلق بعدم جواز كسب أراضي الغير بالقوة. هذا مبدأ دولي. المشكلة: ماذا ستقول لبوتين عن ضم القرم» إلى روسيا. وكان بيرنز يتحدث إلى «الشرق الأوسط» في لندن، بمناسبة إصدار كتابه «القناة الخلفية» الذي يرصد تجربته خلال ثلاثين سنة في الخارجية الأميركية، عمل فيها تحت إدارات خمسة رؤساء أميركيين، وعشرة وزراء خارجية.
وتطرق في الحديث إلى أهمية الدبلوماسية؛ خصوصاً في هذه المرحلة التي تتطلب قيام واشنطن باستعمال قوتها الاقتصادية والعسكرية ببراعة تؤدي إلى تحقيق مصالحها، في لحظة صعود الصين ويقظة روسيا.
وتحدث بيرنز عن أول لقاءاته مع العقيد معمر القذافي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قائلاً: «لبوتين خليط فريد من الشعور بالظلم والطموح وعدم الأمان. كل تلك المشاعر تشكّل خلطة نادرة. ويجب عدم التقليل من ذلك. كي تفهم الهجوم الروسي حالياً يجب فهم روسيا في البداية، عندما كان هناك خليط من الأمل والفوضى. بوتين جاء بعد عشرين سنة لتحقيق هدفين: إعادة الدولة الروسية، والدور الروسي». وأشار بيرنز، الذي يرأس حالياً «وقفية كارنيغي» في واشنطن، إلى ضرورة التمييز بين الصين الصاعدة وروسيا القلقة. وقال: «في ضوء المشكلات في الشرق الأوسط، وعودة روسيا وصعود الصين، فإن العلاقات الأميركية - الأوروبية هي أهم من أي مرحلة سابقة. لكن، للأسف، الآن هناك أوروبا ضعيفة ومنقسمة»، مستدركاً: «أنا متفائل في المدى المتوسط بأن الديمقراطية قادرة على حل المشكلات؛ لكن هناك تحديات في المدى القصير. أنا واقعي في المدى القصير، ومتفائل في المدى الطويل». وهنا نص الحديث:
> ما قصة كتابك «القناة الخلفية»؟ لماذا الآن؟ ماذا تريد أن تقول؟
- خلال عملي الطويل لثلاثة عقود، لم تكن الدبلوماسية مهمة للدفاع عن مصالح أميركا أو الترويج لها كما هي الحال الآن. أميركا لم تعد الدولة الكبرى الوحيدة في العالم، وهناك صعود الصين ويقظة روسيا. من دون غرور، لا تزال لدينا الغلبة مقابل منافسينا في حال لعبنا أوراقنا بحكمة. ليس فقط بفضل القوة الاقتصادية والعسكرية؛ بل عبر تعاون لتشكيل تحالفات. هذا ما ميزنا عبر العقود مقابل منافسينا؛ لكن قلقي الآن هو أننا لا نستخدم هذه الأداة، أي الدبلوماسية.
أيضاً، أردت تقديم الدبلوماسية إلى عموم الناس. وكنت محظوظاً بأنني لعبت دوراً متواضعاً عبر السنوات الطويلة في عملي الدبلوماسي، في لحظات مفصلية منذ انتهاء الحرب الباردة، من الذروة مع الرئيس جورج بوش والوزير جيمس بيكر، إلى الحرب على العراق، ثم المفاوضات السرية مع إيران، و«الربيع العربي»، وصولاً إلى عودة التنافس بين القوى الكبرى.

قميص القذافي
> والتقيت قادة عدة خلال هذه الفترة؟
- طبعاً، من العقيد معمر القذافي إلى الرئيس فلاديمير بوتين. وكدبلوماسي، كنت دائماً أضيف ألواناً على شخصية القادة. الدبلوماسية مهمة حالياً؛ خصوصاً في مرحلة لا يعطيها فيها البيت الأبيض كبير اهتمام.
> متى كانت الذروة؟
- عندما عملنا بداية التسعينات بشكل دؤوب لإقناع الأطراف بالذهاب إلى مؤتمر مدريد (للسلام بين العرب والإسرائيليين في 1991). ولم تكن تلك الرغبة الأولى لـحافظ الأسد وياسر عرفات وإسحاق شامير. كان هناك خليط من القوة والقدرة بالنسبة إلى أميركا لترتيب عقد المؤتمر.
> التقيت عدداً من القادة، ماذا تتذكر عن القذافي؟
- إنه أغرب زعيم يمكن للمرء أن يلتقيه. التقيته خلال معالجة تداعيات تفجير لوكربي، قبل ثلاثة عقود. حاولنا إقناعه بدفع التعويضات وإخراج ليبيا من قائمة الإرهاب بين 2001 و2003. تلك المحادثات قادت إلى التخلص من سلاح الدمار الشامل.
خلال لقاءاتنا كان القذافي دائماً يقوم بتصرفات غريبة. فجأة ينظر إلى سقف الغرفة، ويحدق لبضع دقائق لإعطاء الانطباع بأنه يجمع أفكاره. ذات مرة، كان يرتدي «بيجامة» عليها صور الديكتاتوريين الأفارقة. وعندما كان يحدق بالسقف، حاولت أن أحصي عدد صور الديكتاتوريين على قميصه. كما أتذكر عندما ألقى في عام 2009 خطاباً في الأمم المتحدة لـتسعين دقيقة، وانهار المترجم في الدقيقة 75 ليقول: «لا أستطيع الاستمرار». وفي كل لقاءاتي مع القذافي، لم أنسَ أن يديه ملطختان بالدم؛ بل إن أحد أصدقائي قتل في تفجير لوكربي. لم أنس ذلك يوماً.
> ماذا عن بوتين؟
- لديه خليط فريد من الشعور بالظلم والطموح وعدم الأمان. كل تلك المشاعر تشكّل خلطة نادرة. ويجب عدم التقليل من ذلك. كي تفهم الهجوم الروسي حالياً يجب فهم روسيا في البداية، عندما كان هناك خليط من الأمل والفوضى. بوتين جاء بعد عشرين سنة لتحقيق هدفين: إعادة دور الدولة الروسية والدور الروسي.
> هل تذكر أول لقاء؟
- لا أنسى أول مرة التقيته فيها صيف 2005، عندما ذهبت لأقدم أوراق اعتمادي مع رسالة من الرئيس الأميركي(جورج بوش). مبنى الكرملين صُمم بطريقة ترهب الضيوف الأجانب. قاعات ضخمة وممرات طويلة. ثم تركوني لبضع دقائق منتظراً. فجأة فُتح الباب وطل بوتين. جسدياً ليس من أكثر الرجال كاريزما في العالم. دخل وأخذ يدي ثم حدق في عيني، وقبل أن أحكي أي كلمة، قال: «أنتم الأميركيون يجب أن تصغوا أكثر. لا تستطيعون القيام بالأمور على مزاجكم. يمكن أن نقوم بعلاقات مؤثرة وجيدة، لكن ليس وفق معاييركم». لم تكن رسالة ودية؛ لكن هذا هو رأيه. وقاله بوضوح.
> هل بوتين قائد استراتيجي؟
- لا أظن أنه رجل استراتيجي؛ بل تكتيكي، يرى نقاط ضعف وفرصاً ويستغلها. وهذا ما فعله في الشرق الأوسط وأوكرانيا. من وجهة نظر الدبلوماسية الأميركية، يجب أن نتعامل بواقعية. ويجب أن ننخرط مع روسيا في الأمور؛ خصوصاً في شان اتفاق نزع السلاح الاستراتيجي الذي ينتهي بعد سنتين. ويجب أن يتحقق تقدم في العلاقات الروسية - الأميركية.
> قلت في مؤسسة «تشاتام هاوس» في لندن، إنه في انتخابات أميركا 2016، بصرف النظر عمن كان سيفوز، كان على الرئيس الجديد أن يتعامل مع أسئلة كبيرة تخص روسيا والصين.
- برأيي، إن أي شخص كان ليفوز بالرئاسة، كان عليه أن يتعامل مع موضوعَي الصين وروسيا. أيضاً، موضوع الفجوة بين شخص مثلي (الدبلوماسي في الخارجية) والمواطن الأميركي. أي رئيس عليه أن يتعاطى مع روسيا. قلقي حالياً هو وجود قناعة في البيت الأبيض بإمكانية حل القضايا المعقدة عبر علاقة شخصية مع حكام أوتوقراطيين. ظهر هذا في قمة هلسنكي بين الرئيس دونالد ترمب والرئيس بوتين؛ حيث اختلف الرئيس ترمب مع المؤسسات الأميركية حول دور روسيا في الانتخابات. هذا ليس مؤثراً على بوتين الذي يرى ذلك نقطة ضعف.
> هل سيتغير الأمر بعد تقرير روبرت مولر؟
- لا أعتقد أن الرئيس ترمب حر في التعامل مع روسيا. هناك حدود لتعامل أميركا مع روسيا. وهناك تحديات واقعية؛ لكن لا بد من حديث روسي وأميركي حول قضايا كبرى تخص العالم: سباق السلاح، وأوكرانيا، وسوريا... لدينا علاقة تنافسية؛ لكن يمكن البحث عن نقاط مشتركة حول بعض الأمور.

الصين ظاهرة فريدة
> ماذا عن الصين؟ وما أفضل طريقة للتعامل مع صعودها؟
- أعتقد أن الصين ظاهرة فريدة في القرن الـ21. هناك تحدٍّ كبير لأميركا، كيف تتعامل مع هذا الصعود. هناك من يظن ويريد احتواء الصين. الصين مختلفة. إنها مندمجة في الاقتصاد العالمي. هناك دول أخرى تصعد وقلقة من صعود الصين. التحدي هو كيف تتعاطى أو تتحالف مع دول قلقة من صعود الصين، ليس لفرض خيار عليها: إما أميركا وإما الصين؛ بل لخلق تحالفات مؤسساتية، بحيث نساهم في صياغة المستقبل. ويجب تقديم حوافز للتعامل مع أميركا ودعم الإصلاحيين فيها.
> ما الفرق بين الصين وروسيا؟
- الصين قوة صاعدة ودائمة. روسيا مختلفة. أمضيت سنوات طويلة في روسيا. لدي كل الاحترام للشعب الروسي؛ لكن روسيا ماضية في التراجع كدولة.
> تراجع؟
- نعم، قياساً للاتحاد السوفياتي. الإمكانات الاقتصادية قد تؤدي إلى مشكلات. بوتين قال ذات مرة بوضوح: ليس خطئي إذا لعبتُ بيدي الضعيفتين بشكل قوي، وأولئك الذين لديهم أيادٍ قوية يلعبون بضعف. طبعاً معروف من يقصد. من الأهمية بمكان عدم التقليل من طموحات بوتين.
اليوم، روسيا والصين لديهم زواج مصلحة. لديهما طموحات لمنافسة النظام الذي صاغه الأميركيون. روسيا لا تحب بالتأكيد لعب دور الآخر الأصغر مع الصين. وعبر الدبلوماسية يمكن الرهان على هذا للإفادة منه.
> ماذا عن سوريا؟
- قمنا بأخطاء. وأعتقد أن بوتين استفاد من أخطائنا.
> ما هي؟
- دائماً مطلوب المواءمة بين الأهداف والأدوات. نحن وضعنا في إدارة الرئيس باراك أوباما أهدافاً عالية؛ لكن لم نستخدم الأدوات في أيدينا. انظر ما فعله بوتين في نهاية 2015، القليل من الموارد العسكرية والمالية؛ لكنه استعملها بطريقة مقررة لتحقيق هدف معين. أما نحن، لو أخذت ما استثمرنا به خلال فترة بين 2011 و2015، لوجدته كثيراً؛ لكن قمنا به بطريقة غير فعالة.
قلنا إن على الأسد الرحيل، ثم وضع الرئيس أوباما «الخط الأحمر»؛ لكنه لم يحترمه.
> ماذا كان رأيك وقتذاك؟
- عندما يضع الرئيس الأميركي «خطاً أحمر» يجب أن يحترم ذلك. كنت معه تماماً في عدم التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط؛ لكن رأيي وقتذاك ورأيي الآن، هو أنه عندما نضع «خطاً أحمر» للنظام السوري، فيجب أن نرسل رسائل واضحة ونعاقبه (إذا تجاوز ذلك) للقول بوضوح إنه لا يجوز تجاوز الخط الأحمر. هذا ما كان يعني أننا كنا سنتورط في حرب واسعة لتغيير النظام؛ لكن كنا دافعنا عن مبادئنا في العلاقات الدولية.
> ثم جرى تفاهم أميركي - روسي في نهاية 2013 لنزع السلاح الكيماوي من سوريا؟
- نعم، وهذا أمر جيد؛ لكن ليس لدينا أي شك أن ذلك (عدم توجيه ضربات بعد تجاوز الخط الأحمر) أثر على «بريستيج» (نفوذ) أميركا، ودورها في العالم.

لا عصا سحرية لسوريا
> كيف ترى الحل للأزمة السورية؟
- أكيد لو كانت لدي عصا سحرية لتمنيت نظاماً آخر مستجيباً لمطالب الشعب السوري. لم تكن لدي أي أوهام حول النظام السوري؛ لكني أعرف أن روسيا وإيران مستعدتان لتقديم كثير من الدعم للنظام. في المدى القصير يجب أن نركز على خفض التصعيد ومنع حصول صدام بين القوى الخارجية. يجب تلبية المساعدات الإنسانية، ويجب عدم قطع المساعدات. ربما نحاول استعمال إعادة الإعمار كأداة ضغط للوصول إلى انتقال سياسي بمعنى ما، للوصول إلى نظام وإصلاحات. أنا واقعي في هذا السياق.
> إدارة ترمب قررت الإبقاء على 400 جندي.
- لدي كثير من الاحترام للجيش الأميركي. من المهم استعمال هذا الوجود كأداة تفاوض ضد إيران، ولدفع تركيا والأكراد لتفاهم، لكن يجب أن نكون واقعيين.
> ماذا عن تقليص النفوذ الإيراني؟
- ليس لدي أي وهم حول النظام الإيراني وتهديداته لشعب إيران وحلفائنا؛ لكن لا بد من الواقعية حول تأثير الـ400 جندي.
> خلال مفاوضات القناة الثانية التي شاركت فيها، هل جرى طرح الملف السوري أو دور إيران الإقليمي؟
- على هامش المحادثات، تم طرح الموضوع؛ لكن المفاوضات كانت تركز على البرنامج النووي. في بعض الأحيان، عندما أمضينا ساعات سوياً، تحدثنا عن أمور إقليمية.
> مثل ماذا؟
- المشكلة أنه كان لديها حلفاءعالميين، أي أوروبا والصين وروسيا، لذلك استعملنا الدبلوماسية للوصول إلى اتفاق نووي. لسنا في العالم المثالي؛ لكننا حققنا شيئاً. وأعرف أن بعض الدول لم تكن مرتاحة للاتفاق. كما أن هناك دولاً لم تكن مرتاحة لعدم التزام أوباما وعده بـ«الخط الأحمر».
> الإدارة الحالية تقول إن العقوبات تضغط على إيران.
- نعم، هي تؤثر؛ لكني لا أعتقد أنها ستؤدي إلى تغييرات كبرى واستسلام النظام ورفع الراية البيضاء.
> بوتين ساهم في إعادة «القوات الدولية لفك الاشتباك» (أندوف) إلى الجولان، وساهم في إعادة رفات جندي إسرائيلي، كيف تشعر حالياً، خصوصاً أنك ساهمت في المفاوضات السورية - الإسرائيلية؟ هل تعتقد أن روسيا تحل محل أميركا في الملف السوري؟
- لا أظن أن البحث يتناول قضايا شاملة. الروس يبحثون في مسائل محددة، ويستعملونها لأسباب دبلوماسية. الدبلوماسية الروسية هي بارعة أحياناً.
> ماذا عن قرار الرئيس ترمب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري؟
- خلق مشكلة. إسرائيل تسيطر على الجولان لأكثر من نصف قرن. ليس هناك أي ضغط على إسرائيل للخروج من الجولان. وفي سوريا حرب أهلية دامية. لكن أن تعترف بسيادة إسرائيل حالياً، فإنك لا تضيف شيئاً لأمن إسرائيل؛ لكنك تخلق مشكلتين: الأولى، خدمة للأسد وإيران وروسيا، فبدلاً من الحديث عن إراقة الدماء في سوريا، يجري الحديث عن مقاومة الاحتلال. الثانية، تتعلق بعدم جواز كسب أراضي الغير بالقوة. هذا مبدأ دولي. المشكلة، ماذا ستقول لبوتين عن ضم القرم.
> هل سيحصل هذا أيضاً في الضفة الغربية؟
- قرأت هذا. ربما نعم؛ لكن على ماذا حصلت واشنطن في المقابل، بعد الاعتراف بضم الجولان أو نقل السفارة إلى القدس؟
> سؤال عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كيف ترى انعكاس ذلك على العلاقات عبر الأطلسي؟
- في ضوء المشكلات في الشرق الأوسط، وعودة روسيا، وصعود الصين، فإن العلاقات الأميركية - الأوروبية هي أهم من أي مرحلة سابقة؛ لكن، للأسف، الآن هناك أوروبا ضعيفة ومنقسمة، وكذلك بريطانيا؛ لكن يبدو أن هناك مشكلات على طرفي الأطلسي في أميركا وأوروبا، هناك صدام الأفكار وأسئلة حول الديمقراطية.
أنا متفائل في المدى المتوسط بأن الديمقراطية قادرة على حل المشكلات؛ لكن هناك تحديات في المدى القصير. أنا واقعي في المدى القصير، ومتفائل في المدى الطويل.



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.