عونيون سابقون يطلقون اليوم حركة سياسية بعد طردهم أو استقالتهم

تضم ابن شقيق الرئيس اللبناني وعدداً كبيراً من مؤسسي «التيار»

TT

عونيون سابقون يطلقون اليوم حركة سياسية بعد طردهم أو استقالتهم

يطلق نحو 70 من الكوادر السابقين في «التيار الوطني الحر» اليوم (السبت)، حركة سياسية جديدة بعد فشل الحركة التصحيحية التي قاموا بها داخل التيار في السنوات الماضية بتحقيق أهدافهم لجهة «إعادة تصويب مسار التيار وإبعاده عن مبدأ التوريث وعن تحكّم شخص واحد بقراراته».
ونجح هؤلاء، الذين تم فصل عدد كبير منهم لمخالفتهم قرارات حزبية وانضم إليهم آخرون قرروا الاستقالة احتجاجاً على سياسة قيادة «التيار»، بتجميع أنفسهم وصياغة ورقة هي بمثابة إعلان مبادئ أو طروحات أساسية سيتم الكشف عنها اليوم، على أن تتبلور في المدى القريب لتنبثق عنها ورقة سياسية تحدد رؤية الحركة الجديدة وتُطرح خلال مؤتمر عام يُعقد خلال أشهر.
وبدأت الأزمة داخل «التيار الوطني الحر» في عام 2015 بسبب ما يقول معارضو رئيسه الوزير جبران باسيل إنها ضغوط مورست على الراغبين بمنافسته على الرئاسة لتخلو الساحة لباسيل (صهر الرئيس ميشال عون). وهم يعتبرون أن انتخاب باسيل لم يكن ديمقراطياً، ويؤكدون أنه منذ تسلمه رئاسة التيار سعى إلى إقصاء معارضيه، ومعظمهم يعرفون بـ«القدامى والمؤسسين» الذين يعترضون على السياسة التي يتبعها بإعطاء الدور الأبرز لـ«المتمولين»، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالنيابة والتوزير، باعتبار أن قسماً كبيراً من النواب والوزراء الذين تمت تسميتهم في الحكومات المتعاقبة، لم يكونوا منتمين للتيار بل إلى تيارات وأحزاب أخرى. ومن أبرز القياديين العونيين السابقين الذين سيشكلون هذه الحركة: ابن شقيق الرئيس عون نعيم عون، والقياديون بسام الهاشم وأنطوان نصرالله وأنطوان مخيبر ورمزي كنج وطوني حرب وزياد عبس وكمال آليازجي، والعمداء المتقاعدون أنطوان عبد النور وجورج نادر وأنطوان قصاص وغيرهم.
وتؤكد مصادر مواكبة أنه لن يكون هناك قائد واحد للحركة إنما ستكون هناك «قيادة جماعية مؤقتة»، لأن مؤسسي التيار يرفضون احتكار القيادة وسيسعون في مرحلة مقبلة لاجتذاب أعضاء من بيئات مختلفة وليس حصراً من البيئة العونية.
وأكد القيادي السابق في «الوطني الحر» بسّام الهاشم أن الحركة التي سيتم الإعلان عنها ليست «معارضة عونية» إنما تضم عدداً كبيراً من الشخصيات التي أقيلت أو استقالت من التيار وكانت تشكل نواته الصلبة، لافتاً إلى أن هدف الحركة هو بناء الدولة العلمانية الديمقراطية البعيدة عن مبدأ التوريث والشخصنة والعائلية. وأشار الهاشم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن قيادة التيار شردت عن كل المبادئ ودخلت في نظام يقوم على التسويات السياسية واقتسام قالب الجبنة.
وأشار القيادي العوني السابق أنطوان نصر الله إلى أنه ورفاقه الذين تركوا التيار لم يوقفوا اجتماعاتهم ولقاءاتهم منذ فصلهم أو استقالتهم، لافتاً إلى أنهم قرروا إطلاق حركتهم لأن اليأس لدى اللبنانيين من الوضع العام وصل إلى مستويات غير مسبوقة. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نعتقد أن علينا مسؤولية كبيرة اليوم للتصدي للانهيار الحاصل باعتراف الجميع، فقد عشنا تجربة حزبية ناجحة ونعتقد أن علينا الحفاظ عليها لأننا مؤسسو التيار والمناضلون فيه على مر السنوات».
ورغم اعتبار نصر الله أن هناك نقمة داخل التيار تتنامى وهو ما ظهر جلياً في مقاطعة عدد كبير من العونيين الانتخابات النيابية وتصويت بعضهم خلافاً لإرادة التيار، إضافة إلى النتائج التي تتحقق في الانتخابات النيابية والنقابية، يرى مقربون من قيادة «التيار» الحالية أن باسيل تمكن من احتواء كل الحركات الاحتجاجية من الداخل. وترى المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «في فترة من الفترات كان هناك تضعضع كبير في صفوف التيار لكنه اليوم ولى، ولعل استسلام هؤلاء القياديين من إمكانية تحقيق أي شيء من الداخل واتجاههم لتشكيل حركة سياسية خاصة بهم أكبر دليل على أن باسيل بات ممسكاً بزمام الأمور ولا خوف على الإطلاق من أي انهيار حزبي مقبل».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.