تم الكشف عن وثيقة مصنفة «سرية للغاية» في الأرشيف الإسرائيلي، تتحدث عن بدايات النشر حول البرنامج النووي الإسرائيلي قبل 56 سنة، وكيف حاول رئيس الوزراء في حينه، ليفي أشكول، إقناع وسائل الإعلام الإسرائيلية في التعتيم عليه، خصوصا في جانبه العسكري. ولكن بعد أيام من كشف الوثيقة، يبدو أن إدارة الأرشيف الرسمي تراجعت، فعادت وأخفت الوثيقة من موقع الأرشيف على الشبكة.
ومن مراجعة الوثيقة، يتضح أنها عبارة عن بروتوكول جلسة عقدها رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، ليفي أشكول، بعد أسبوعين من توليه رئاسة الحكومة، وتحديدا في يوم 9 يوليو (تموز) من سنة 1963، مع رؤساء تحرير الصحف الإسرائيلية. ففي تلك الحقبة كان رئيس الوزراء الأول، ديفيد بن غوريون، قد أقام نظام عمل مع رؤساء تحرير الصحف الإسرائيلية العبرية، حتى لا ينشروا أسرارا غير مرغوب فيها. فكان يجتمع بهم مرة في كل شهر، يطلعهم على عدد من الأسرار، وسرب لهم بعض المعلومات وبالمقابل كانوا يلتزمون بعدم نشر ما يطلب منهم ألا ينشروه. وبهذه الطريقة أقام جهاز رقابة ذاتية لديهم. وقد أوصى بن غوريون خليفته أشكول بالسير على طريقه في هذا الموضوع. وفي تلك الجلسة، يسجل البروتوكول أقوال أشكول: «قال لي بن غوريون إن بالإمكان التحدث مع محرري الصحف حول أمور، وإذا طلبت منهم ألا ينشروا الأقوال، فإنه بالإمكان الاعتماد عليهم». وكان محور الحديث في تلك الجلسة حول: كيف يكون النشر في الصحف عن المفاعل النووي في ديمونة، الذي أقيم في سنة 1958 بمساعدة فرنسية وبدأ يعمل قبل شهور قليلة من موعد تلك الجلسة؟ ويشير البروتوكول إلى أن أشكول افتتح الجلسة قائلا إنه «في الأسبوعين أو الثلاثة الأخيرة، بدأ الحديث حول تلك الأمور التي اتفق ألا يتم الحديث عنها. وأقصد ما نسميه (العلوم والأبحاث في ديمونة). فعندما ننشر في الصحف مواد حول موضوع كهذا، ينبغي أن نفترض أن العرب يقرأون ذلك، وكذلك الأميركيون والفرنسيون... والسفارة الأميركية تصور مقالا كهذا وتنقله إلى مكان لا ينبغي نقله إليه». وأضاف أشكول: «في الوقت القريب سنرى أنفسنا مضطرين للدخول في محادثات مع دول وبلدان بهذا الخصوص. والأمر ليس سهلا، بل أصبح مصيريا وداهما، وأن مسألة ديمونة، مسألة البحث الذري، لا تدمج مع أي شؤون أخرى».
وتظهر الوثيقة أن رؤساء تحرير الصحف أجمعوا على الموافقة على التعتيم على البرنامج النووي الإسرائيلي، باستثناء محرر وصاحب صحيفة «هآرتس» جرشوم شوكن، الذي تحفظ عليه وطالب بمنح الصحف حق نشر مقالات رأي حرة في الموضوع. وقال محرر صحيفة «عل همشمار» الناطقة بلسان حزب «مبام» اليساري الصهيوني، يعقوب عميت: «أنتم تستطيعون الاعتماد علينا في هذه الهيئة (لجنة المحررين)، ويسعدنا أنكم تحيطوننا بهذه الثقة، والمؤكد أننا لن نخيب الآمال أيضا في المستقبل. وهنالك أمر واحد واضح، وهو أن المسألة داخلية وسرية تماما، وهي ليست موضوع محادثات وكتابات. وكان واضحا لجميعنا أن ما يفعلونه في ديمونة ليس أمرا للكتابة العلنية». وأما محرر صحيفة «معريب»، أرييه ديسنتشيك، فتساءل: «أليس واضحا لجميعنا أنه لا ينبغي أن ننشر فيما لو قررت الحكومة أنها تريد إعداد سلاح نووي للردع؟ وأقترح أن نتفق الآن أيضا على أننا معنيون بألا يكتب عن هذه الأمور. لسنا مضطرين إلى كتابة كل شيء في الجريدة. وأقترح أن نقول على مسمع رئيس الحكومة إننا أخذنا على عاتقنا لجم أنفسنا وإنه في هذا الموضوع نفرض على أنفسنا أحيانا عبء الرقابة». وأيدهما آيزيك رامبا، رئيس تحرير صحيفة «حيروت»، التي كانت ناطقة بلسان حزب «حيروت» اليميني، وهو الاسم الأصلي لحزب الليكود اليوم. وقال إن «جميعنا معنيون بعدم إلحاق ضرر بالدولة، لذلك لا ننشر كل ما يحدث من الناحية الأمنية. وأقترح أن نوافق على هذه الصيغة - كل قضية النشاط الذري وديمونة لا ينبغي النشر عنها». وهنا أبدى محرر «هآرتس»، شوكين، رأيا مختلفا بعض الشيء، فقال إن «الصحافة حرة في التعبير عن الآراء. وحسبما أذكر، لم نطالب أبدا بعدم التعبير عن آراء في هذا الموضوع. وإذا اعتقدت الرقابة أن الحديث عن أنواع أسلحة معينة قد يشكل خطرا على أمن الدولة، فإنها استخدمت صلاحياتها من قبل وأعتقد أنها ستفعل في المستقبل».
لكن أشكول رفض توجه شوكين، وقال إنه «لا يوجد تعبير عن رأي في هذا الموضوع. وبالإمكان إيجاد كثير من نقاط الضعف من أجل انتقاد الحكومة، أو التعبير عن رأي ضد الحكومة، ولكن فيما يتعلق بهذا الموضوع فإنكم تفتحون جبهة خطيرة».
وشارك في الاجتماع شمعون بيرس، الذي يعتبر صاحب المبادرة في إقامة المفاعل النووي في ديمونة، ولهذا سمي المفاعل على اسمه في السنة الماضية، وكان يشغل يومها منصب نائب وزير الأمن. وتطرق بيرس إلى مقال نُشر في تلك الفترة، وقال إنه «واضح من هذا المقال أننا نصنع سلاحا نوويا»، وطالب من محرري الصحف «عدم النشر عن المساعدة التي قدمتها فرنسا»، علما بأنها كانت الدولة التي أقامت لإسرائيل المفاعل النووي في ديمونة وأرسلت إليها مهندسين فرنسيين عملوا مباشرة في تأسيسه.
وذكر أشكول أن الرقابة العسكرية طلبت منه الامتناع عن عقد اجتماع مع محرري الصحف، ولكنه رفض الطلب وهدد أنه لن يتردد باستخدام الرقابة بشكل واسع. وطلب التوصل إلى «اتفاق وطني» مع المحررين. وختم قائلا: «أطلب أن يتحلى محررو الصحف بالمسؤولية بألا يكتبوا عن البحث الذري ومسألة القوة الذرية».
وثيقة إسرائيلية تكشف بدايات النشاط النووي في «ديمونة»
رئيس الوزراء أشكول اجتمع برؤساء تحرير الصحف وطلب منهم رقابة ذاتية
وثيقة إسرائيلية تكشف بدايات النشاط النووي في «ديمونة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة