هل بات خيار الحسم العسكري في الحديدة أمراً واقعاً؟

الشرعية اليمنية متيقنة من عدم التزام الحوثيين وتنتظر المجتمع الدولي

خالد اليماني وزير الخارجية اليمني لدى لقائه غريفيث في الرياض أول من أمس (سبأ)
خالد اليماني وزير الخارجية اليمني لدى لقائه غريفيث في الرياض أول من أمس (سبأ)
TT

هل بات خيار الحسم العسكري في الحديدة أمراً واقعاً؟

خالد اليماني وزير الخارجية اليمني لدى لقائه غريفيث في الرياض أول من أمس (سبأ)
خالد اليماني وزير الخارجية اليمني لدى لقائه غريفيث في الرياض أول من أمس (سبأ)

بعد مرور نحو 15 أسبوعاً على «اتفاق استوكهولم» بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية دون تنفيذ بات يغلب على يقين الشرعية في اليمن، كما تعكسه تصريحات كبار المسؤولين فيها، أن الميليشيات الحوثية غير جادّة في تنفيذ الاتفاق، وأنها وافقت فقط على الذهاب إلى السويد لتجنب سقوط الحديدة عسكرياً.
ورغم أن هذا اليقين أصبح جلياً في أروقة الحكومة الشرعية، فإن الأنظار لا تزال متعلقة بالمجتمع الدولي والضغوط التي يمكن أن تُمارَس على الجماعة الحوثية للقبول بالاتفاق، الذي يعني تنفيذه الولوج إلى مرحلة جديدة من مراحل اتفاق الحل النهائي.
ولعل حالة اليأس من مراوغة الميليشيات وصلت إلى أعلى ذروتها أخيراً بعد تلكؤ الجماعة الموالية لإيران عن القبول بالخطة المعدلة، التي وضعها كبير المراقبين الدوليين ورئيس لجنة إعادة الانتشار الجنرال مايكل لوليسغارد، بخصوص تنفيذ المرحلة الأولى من «إعادة الانتشار من ميناءي رأس عيسى والصليف».
وفي هذا السياق، يشير رئيس فريق الحكومة في لجنة تنسيق إعادة الانتشار اللواء الركن صغير بن عزيز، في سلسلة تغريدات تابعتها «الشرق الأوسط» على «تويتر» إلى أن «جلّ وقت كبير المراقبين مايكل لوليسغارد ذهب في الطريق بين صنعاء والحديدة منذ مباشرته لمهمته لمراجعة مشرفي الميليشيات في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه»، مؤكداً أن لوليسغارد لم يحظَ بلقاء مشرّف يلبي مطالبه حتى اليوم.
وفي الوقت الذي تناور فيه الجماعة الحوثية من أجل الالتفاف على «اتفاق الحديدة»، والإبقاء على المدينة والموانئ الثلاثة تحت سلطاتها الانقلابية إدارياً وأمنياً ومالياً، يقول اللواء بن عزيز في تغريدة أخرى إن «القرار الأممي (2451) الخاص بتنفيذ (اتفاق ستوكهولم) أشار إلى المرجعيات الثلاث، وكل القرارات الدولية التي صدرت ضد الميليشيات الحوثية، بما يعني أن الميليشيات ملزمة بالخروج من جميع مرافق الدولة وتسليمها للحكومة الشرعية في كل المحافظات وليس الحديدة فقط».
وفي أعلى ذروة من اليقين يصل بن عزيز إليها يعود فيقول: «إن من يعتقد أنه من الممكن التوصل إلى حل سياسي مع الكهنوت الحوثي لا يعرف هذه الميليشيات وحقدها وعدم التزامها بالعهود والوعود وحبها لتدمير أي سلام».
وفي تلميحه إلى الحل المثالي للتغلب على مراوغات الجماعة الحوثية يوجه بن عزيز الحديث إلى مكونات الشرعية بقوله: «علينا جميعاً أن نؤمن بأن الجميع يجب أن يصطف في مواجهة الكهنوت الحوثي، وأن نتقبل بعضاً، لأن اليمن يتسع لنا جميعاً، وذلك هو الحل الوحيد والقريب والسلاح القوي للقضاء على الكهنوت الحوثي، وعودة الأمن والاستقرار لليمن».
من جهته، قال رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك في أحدث تصريحاته الأربعاء أثناء لقائه في عدن المنسقة الأممية لشؤون الإغاثة في اليمن ليز غراندي: «إن الميليشيات الحوثية غير جادة في الوصول إلى سلام حقيقي، وإن مشاركتها في (مشاورات السويد) والتوقيع على الاتفاق، جاءت بعد أن شعرت باقتراب هزيمتها عسكرياً في الحديدة، وذلك لكسب الوقت وإعادة ترتيب صفوفها».
ولأن الجزء الأكبر من أوراق الحديدة بات على طاولة المجتمع الدولي، شدّد معين عبد الملك على «وجود موقف قوي من المجتمع الدولي والأمم المتحدة للضغط على ميليشيات التمرُّد والانقلاب الحوثية المدعومة من إيران، لتنفيذ ما نصّت عليه (اتفاقات استوكهولم)، والانصياع لقرارات مجلس الأمن الدولي»، وقال: «إذا لم يجد الحوثيون موقفاً دولياً وإقليمياً حازماً سيتمادون في غيِّهم وطيشهم غير مكترثين بحجم الأزمة الإنسانية التي يحدثها انقلابهم على الدولة».
وفي أحدث بيان لمجلس الوزراء، وقفت الحكومة اليمنية على «استمرار ميليشيات الحوثي الانقلابية في منع موظفي برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة من الوصول إلى صوامع مطاحن البحر الأحمر، منذ خمسة أشهر، والمخاطر المترتبة على هذا الفعل بتعريض آلاف الأطنان من القمح للتلف في ظل تردي الوضع الإنساني والغذائي، جراء حربها المتواصلة ضد الشعب اليمني منذ انقلابها على السلطة الشرعية».
وطالبت الحكومة الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات فعلية ضد ميليشيات الحوثي الانقلابية بدلاً مما وصفته بـ«البيانات الكلامية بإدانة الميليشيات، التي تستمرّ في تماديها وتحديها السافر للإرادة الشعبية والمجتمع الدولي».
وفي الوقت الذي تعتبر فيه الدوائر الأممية والغربية أن تأخُّر تنفيذ إعادة الانتشار في الحديدة لا يزال في مجراه الطبيعي، بسبب كمِّ التعقيدات الميدانية، يسعى المبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى ممارسة الضغوط على الحكومة وعلى الحوثيين لإنجاح الاتفاق الذي يرى فيه كثير من الناشطين اليمنيين «أنه وُلِد ميتاً».
وذكرت المصادر الرسمية اليمنية أن اليماني خلال لقائه بغريفيث، في الرياض، أول من أمس (الأربعاء)، ناقش عوائق تنفيذ «اتفاق استوكهولم»، وأكد على الموقف الحكومي الملتزم بضرورة تنفيذ بنود «اتفاق استوكهولم»، مع تذكيره بالتنازلات التي قدمتها الحكومة من أجل تحقيق تقدم في بناء السلام.
وأكد اليماني أن «التعنُّت والمماطلة من قبل ميليشيات الحوثي الانقلابية الموالية لإيران قد يؤديان لإفشال الاتفاق، وهو ما سينعكس سلباً على جهود إحلال السلام في اليمن، وسيحدّ من فرص الذهاب إلى جولة مشاورات الحل السياسي كون (اتفاق استوكهولم) يعطي صورة حقيقة عن مدى جدية الحوثيين في التعامل مع الحل السياسي الشامل»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن «التنفيذ مرهون بالضغط الدولي على الميليشيات الانقلابية».
وتقول قيادات الجيش اليمني والقوات المشتركة المرابطة في الحديدة إن الميليشيات الحوثية عملت خلال الهدنة القائمة بموجب «اتفاق السويد» على تعزيز نفوذها الأمني والعسكري، واستقدمت الآلاف من مقاتليها إلى مختلف مناطق الحديدة، ما يدلّ على عدم جدوى الحوار معها.
ولأن قرار الحسم العسكري الذي سيكون في النهاية هو آخر الحلول البديلة لاستعادة سيطرة الحكومة الشرعية على الحديدة وموانئها، فإن عنصر الورقة الإنسانية لا يزال هو حاجز الصدّ الذي تضعه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عند تقديرها للكلفة التي يمكن التغاضي عنها عند اللجوء للحل العسكري.


مقالات ذات صلة

سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)

مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
TT

مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في سلطنة عمان، الاثنين، ملفَ التوترات الأمنية في البحر الأحمر، مؤكداً أهمية سلامة الملاحة البحرية وحرية التجارة الدولية، وارتباط ذلك بشكل مباشر بأمن الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

وحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، أشار عبد العاطي إلى «تأثير تصاعد حدة التوترات في البحر الأحمر على مصر، بشكل خاص، في ضوء تراجع إيرادات قناة السويس».

وأدى تصعيد جماعة «الحوثيين» في اليمن لهجماتها على السفن المارة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بداعي التضامن مع الفلسطينيين في غزة، إلى تغيير شركات الشحن العالمية الكبرى مسارها من البحر الأحمر، واضطرت إلى تحويل مسار السفن إلى طرق بديلة منها مجرى رأس الرجاء الصالح.

وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار (الدولار الأميركي يساوي 50.7 جنيه في البنوك المصرية) خلال العام المالي (2022 - 2023)، إلى 7.2 مليار دولار خلال العام المالي (2023 - 2024)، حسب ما أعلنته هيئة قناة السويس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وخلال لقاء الوزير عبد العاطي مع فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، أشار إلى تقدير مصر الكبير للقيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق، وللدور الإيجابي الذي تضطلع به سلطنة عمان على المستويين الإقليمي والدولي.

وأكد عبد العاطي أهمية التعاون المشترك لتعزيز الأمن العربي، وحرص مصر على التنسيق والتشاور مع السلطنة لتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما في ظل الاضطرابات غير المسبوقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على عدة جبهات.

وطبقاً للبيان، تناول اللقاء مناقشة عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، على رأسها القضية الفلسطينية واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والجهود المصرية لاحتواء التصعيد في المنطقة، والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، كما تم تبادل الرؤى حول الأوضاع في سوريا واليمن والسودان وليبيا.

وخلال لقائه مع بدر البوسعيدي، وزير خارجية سلطنة عُمان، في إطار زيارته الرسمية إلى مسقط، ناقش عبد العاطي مجمل العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك حيال القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك.

مباحثات سياسية بين وزير الخارجية المصري ونظيره العماني (الخارجية المصرية)

تناول الوزيران، حسب البيان المصري، أطر التعاون الثنائي القائمة، وسبل تعزيز مسار العلاقات بين مصر وسلطنة عُمان، والارتقاء بها إلى آفاق أوسع تنفيذاً لتوجيهات قيادتي البلدين.

وزار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مسقط، في يونيو (حزيران) 2022، بينما زار السلطان هيثم بن طارق القاهرة في مايو (أيار) 2023.

وأكد الوزيران على أهمية التحضير لعقد الدورة السادسة عشرة للجنة المشتركة بين البلدين خلال الربع الأول من عام 2025، لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات.

وشدد عبد العاطي على الأهمية التي توليها مصر لتطوير وتعزيز علاقاتها مع سلطنة عُمان، مشيداً بالعلاقات الوطيدة والتاريخية التي تجمع بين البلدين. وأشار إلى الاهتمام الخاص الذي توليه مصر للتعاون مع أشقائها في الدول العربية في مجال جذب الاستثمارات والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، مستعرضاً برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الجاري تطبيقه في مصر، والخطوات التي تم اتخاذها لتهيئة المناخ الاستثماري وتوفير الحوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية.

كما أشار إلى أهمية العمل على تعزيز التعاون بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بـالدقم، وكذلك الربط البحري بين ميناءي «الدقم» و«صلالة»، والموانئ المصرية مثل ميناء الإسكندرية وميناء العين السخنة وغيرهما، بما يعزز التبادل التجاري بين البلدين، ويساهم في تعميق التعاون بينهما في مجالات النقل الملاحي والتخزين اللوجستي، في ضوء ما تتمتع به مصر وعُمان من موقع جغرافي متميز يشرف على ممرات ملاحية ومضايق بحرية استراتيجية.

وفيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية في ظل التحديات المتواترة التي تشهدها المنطقة، ناقش الوزيران، وفق البيان المصري، التطورات في سوريا، والحرب في غزة، وكذلك الأوضاع في ليبيا ولبنان، وتطورات الأزمة اليمنية وجهود التوصل لحل سياسي شامل، وحالة التوتر والتصعيد في البحر الأحمر التي تؤثر بشكل مباشر على أمن الدول المشاطئة له، كما تطرق النقاش إلى الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي والتطورات في السودان والصومال.

وأكد البيان أن اللقاء عكس رؤيةً مشتركةً بين الوزيرين للعديد من التحديات التي تواجه المنطقة، وكيفية مواجهتها، وأكدا على أهمية تعزيز التعاون بين البلدين والحرص على تكثيف التشاور والتنسيق بشأن مختلف القضايا، كما اتفق الوزيران على تبادل تأييد الترشيحات في المحافل الإقليمية والدولية.