بدويات يعملن مرشدات للسياح في الدروب الجبلية جنوب سيناء

TT

بدويات يعملن مرشدات للسياح في الدروب الجبلية جنوب سيناء

تقود أم ياسر التي ارتدت نقاباً وعباءة سوداء سيدات يمارسن رياضة السير في الطبيعة عبر دروب وعرة وسط جبال جنوب شبه جزيرة سيناء المصرية، في مشهد غير مسبوق وغير معتاد بالنسبة للمجتمع البدوي المحافظ.
ووافقت قبيلة حمادة التي يتحدر أفرادها من قبائل البدو الرحل في نهاية مارس (آذار) على أن تعمل سيداتها مرشدات للدروب الجبلية. وهي مجموعة البدو الوحيدة من سكان هذه المنطقة التي تفعل ذلك.
وكانت أم ياسر ذات السبعة وأربعين عاماً رائدة في هذا المجال. وانضمت ثلاث سيدات أخريات رفضن الإفصاح عن هويتهن، أخيراً إلى «درب سيناء»، وهي جمعية تعاونية تنظم رحلات سيراً على الأقدام في الجبال، وتأخذ كذلك على عاتقها صيانة وإصلاح الطرق في محافظة جنوب سيناء، وتعمل على جذب هواة هذا النوع من الرياضة السياحية.
في وادي صحو، وهي قرية شيدت مبانيها من الطوب الحجري وألواح الصفيح المموجة، يراهن البدو على عودة السياحة، بعد سنوات من الاضطرابات أعقبت ثورة 2011.
وتقول أم ياسر، وهي تسير في الرمال وسط الحجارة مرتدية حذاءً رياضياً خفيفاً محلي الصنع بينما تتفادى الصخور بمرونة: «السيدات في هذه القرية ليس لديهن عمل، إنه العمل الوحيد المتاح». وتضيف: «أتمنى أن يكون هناك مزيد من السياح بانتظام حتى يصبح لدينا دخل دائم».
ويشرح أحد مؤسسي جمعية «درب سيناء» بن هوفلر، أن عدد المشاركين في هذه الرحلات تضاعف عشر مرات في جنوب سيناء بين 2016 و2018 ليصل إلى قرابة ألف.
ويتابع هذا البريطاني المقيم في مصر منذ عشر سنوات بفخر: «كانت ثلاث قبائل تشارك في هذا النشاط وكان لدينا 220 كيلومترا من المسارات في عام 2016. اليوم هناك ثماني قبائل و550 كيلومتراً».
ومع هذه العودة، قررت جمعيته التي تدار وفقاً للأعراف القبلية، الانتقال إلى مرحلة جديدة: عرض رحلات تقودها مرشدات من أجل هواة السير في الطبيعة من السيدات فقط.
ولا يتردد هوفر في أن يصف هذه المرحلة بأنها «تاريخية». ويؤكد الرجل الخبير بالعادات والتقاليد البدوية «إنهم لا يعتبرون قيام المرأة بدور المرشد أمراً عادياً».
والبدويات معتادات منذ طفولتهن على التجول في كل مكان في الجبل أثناء قيامهن برعاية الماعز. وهن يعرفن النباتات المختلفة وفوائدها الطبية ولا تخفى عليهن أنواع الحيوانات أو أسماء الأماكن.
عند منحنى طريق، تتوقف أم ياسر لتلتقط عيداناً خشبية وتشعل النار لتحضير الشاي. وأثناء ذلك تروي المرشدة للمشاركات في الرحلة كيف كانت تقضي طفولتها بين هذه الجبال.
وتقول توتسي سعادة (55 سنة) التي تعمل في وكالة للتنمية في القاهرة، بحماس: «إنهن أفضل مرشدات».
وتضيف: «يتمتعن بالحيوية وخفة الظل وحبّ المعرفة. لقد أخذونا عند صخرة في الجبل كن يستخدمنها لقياس طولهن وهن صغيرات».
وحصلت السيدات الأربع على موافقة أزواجهن للانخراط في هذه المغامرة ولكن بشرط أن تقمن بإرشاد مجموعات من السيدات فقط، وأن تعدن مساء كل يوم إلى منازلهن.
ويقول بن هوفلر: «أنشأنا درب سيناء عام 2015. وكان كل العاملين فيها رجالاً، وهم يعرفون جيداً جداً (المنطقة)، ولكن يمثلون فقط نصف (سكان) سيناء».
ولم يكن دخول السيدات هذه المهنة سهلاً.
ويقول إبراهيم مسلم غانم الذي يعمل مرشداً منذ عامين: «هنا في المجتمع القبلي، لدينا تقاليد ونحن نحترمها».
ولكنه على استعداد رغم ذلك أن يسمح لزوجته بالعمل كمرشدة، ولكن يؤكد أنه «لن يقبل مطلقاً» إذا عرضت عليها قيادة مجموعة مختلطة من الرجال والسيدات.
وتطلب الأمر «خمس سنوات من المفاوضات»، لكي يسمح للسيدات بالعمل كمرشدات، بحسب هوفلر.
ويقول عيد عودة علي (35 سنة) الذي ينتمي إلى قبيلة المزينة، وهو زوج إحدى المرشدات الأربع من قبيلة حمادة، إنه على استعداد لإقناع أفراد قبيلته بأن تحذو حذو قبيلة حمادة.
ويضيف: «إنني أؤيد عمل النساء كمرشدات»، مشيراً إلى أن هذا يولد «دخلاً إضافياً» في منطقة تقتصر مجالات العمل فيها على رعاية الأغنام أو الصناعات التعدينية، ما لا يكفي لإعاشة السكان.



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض