بعد موجة انتقادات.. حماس تتراجع عن الإعدامات العلنية

السلطة ترفض «الممارسات المستفزة».. ومصدر لـ «الشرق الأوسط»: لا يقتل العملاء قبل التحقيق معهم

بعد موجة انتقادات.. حماس تتراجع عن الإعدامات العلنية
TT

بعد موجة انتقادات.. حماس تتراجع عن الإعدامات العلنية

بعد موجة انتقادات.. حماس تتراجع عن الإعدامات العلنية

أدانت الرئاسة الفلسطينية ما وصفته بـ«الإعدامات العشوائية» في قطاع غزة على يد حماس، بعد إقدام الحركة على إعدام 18 «متعاونا» مع إسرائيل. واستغلت إسرائيل صور هذه الإعدامات وشبهت حماس بـ«داعش»، واتهمتها بارتكاب «جرائم حرب مزدوجة» ضد المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين معا. ولم تعقب حماس على الأمر، لكن مصادر في الحركة قالت إن «الإعدامات العلنية» كان لدواع تقدرها الحركة.
وبعد 24 ساعة من الضجة الكبيرة والانتقادات الخارجية والداخلية على إعدام العملاء، صدرت أوامر من المستوى السياسي في حماس بمنع إعدام العملاء علنا في الساحات والشوارع العامة.
وقال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، في حديث لموقع الأخبار الخاص بشبكة «ياهو» الإلكترونية، إن «حماس لا تعتمد العنف الديني ولا تستهدف المدنيين». وأكد أن حركة حماس «ضد قتل المدنيين والصحافيين، متهما إسرائيل، في المقابل، بأنها هي التي تقتل المدنيين». وتعقيبا على تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأن «حماس هي (داعش)»، قال مشعل إن «هذه المعادلة من قبيل الكذب بهدف تضليل الجمهور الأميركي». وأضاف «حماس ليست تنظيما دينيا أو عنيفا، وأن (داعش) ظاهرة مختلفة تماما، فحماس تقاتل الغزاة على أراضينا».
وكانت الحكومة الإسرائيلية شنت حملة منظمة ضد حماس تستند إلى صور الإعدامات، وشبهت عناصرها وهم يعدمون «عملاء» بمقاتلي «داعش» وهم يقطعون رؤوس العراقيين والسوريين.
واتصل نتنياهو بسكرتير عام الأمم المتحدة بان كي مون، وقال له إن «حماس ترتكب جرائم حرب مزدوجة ضد مواطني إسرائيل وضد المدنيين في قطاع غزة». وأضاف أن «آخر تعبير على ذلك تمثّل بمقتل الطفل (الإسرائيلي) في الرابعة من العمر دانيال تريغرمان بقذيفة هاون أطلقت من القطاع الليلة الماضية وتنفيذها إعدامات جماعية بحق مدنيين في غزة». وتابع «العالم بأسره شهد على الإعدامات الجماعية التي نفّذتها حماس وهي أشبه بالنهج الدموي لتنظيم (داعش) الإرهابي. لقد قاموا بعمليات إعدام ميدانية وجماعية لعشرات الفلسطينيين في عملية إرهابية للأقليات بتهمة أنهم يتعاملون مع إسرائيل». وأردف «المنظمتان (حماس وداعش) تدعوان إلى إقامة الخلافة الإسلامية وتستخدمان ذات الأساليب الإجرامية، لذلك حماس و(داعش) وجها عملة واحدة». ونشر مكتب نتنياهو صورا لعمليات الإعدام في غزة وصورا أخرى لعمليات الإعدام في العراق من بينها عملية إعدام الصحافي الأميركي جيمس فولي، كتب عليها «حماس = داعش». وكتب نتنياهو في تغريدة على حسابه في «تويتر»: «هؤلاء هم أعداء الدول المتنورة والمتحضرة».
وفي المقابل، رد عضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق قائلا إن «محاولة نتنياهو والمتحدث باسمه أوفير جندلمان ربط وتشبيه حماس بجماعات أخرى، تضليل إعلامي لن ينطلي على أحد، ونرفض بشدة استخدام جندلمان والإعلام الإسرائيلي صورة الصحافي الأميركي فولي، الذي أعدم بطريقة وحشية نستنكرها بشكل كامل، لمثل هذه الأغراض. ونستنكر الأسلوب الرخيص للإعلام الإسرائيلي لاستخدام هذه الصورة دون أي احترام لحرمة الميت».
ورد جندلمان على «فيسبوك» بالقول «حماس تقول إنها ليست شبيهة بـ(داعش) وتدين إعدام فولي وتقول إنه عمل وحشي. فكيف أعدمتم 24 فلسطينيا في غزة وعشرات آخرين في الأسابيع الأخيرة؟».
وكان ملثمون تابعون لحماس شوهدوا الجمعة يرتدون ملابس سوداء ويقتادون «العملاء» الذين غطت رؤوسهم حفاظا على سمعة عائلاتهم، أمام حشد من الناس إلى موقع تنفيذ الإعدام، ويضعونهم في صف ويطلقون عليهم الرصاص مباشرة. وجاء ذلك بعد يوم من تمكن إسرائيل من استهداف ثلاثة من كبار قادة كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، في غزة.
وتستخدم إسرائيل العملاء على الأرض منذ عقود، وقد بنت «جيشا» منهم. وقدم هؤلاء للإسرائيليين خدمات كبيرة ساعدت في تعقب مطلوبين وتسهيل عمليات اغتيالهم في السابق. وكشفت تحقيقات مستفيضة أجرتها السلطة وفصائل فلسطينية في السنوات القليلة الماضية أن كل عملية اغتيال في الضفة أو غزة شارك فيها بصورة أو بأخرى عملاء فلسطينيون، حتى إن بعضهم شاركوا في تنفيذ هذه الاغتيالات. ودافع مصدر أمني فلسطيني عن الإعدامات بقوله لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يقتل العملاء قبل التحقيق معهم وسحب معلومات دقيقة منهم يجري مطابقتها عادة مع اعترافات أخرى وحقائق على الأرض».
وفي غضون ذلك، انتقدت السلطة الفلسطينية ومؤسسات حقوقية الإعدامات العلنية، وقال الطيب عبد الرحيم، أمين عام الرئاسة الفلسطينية، إن «هذه الإعدامات المطعون في أسبابها تنفذ خارج القانون وخارج المحاكم التي تكفل ضمانات المحاكمات العادلة، وبالتالي فهي مرفوضة ومدانة من شعبنا، وتذكرنا بما تقوم به تنظيمات تكفيرية نرى وقائعها على شاشات التلفزة». وأضاف أن «حركة حماس حاولت الترويج بأن هذه الإعدامات تمت وفق القانون، وزعمت أن الفصائل في غزة على علم بذلك.. إن هذا ليس صحيحا بالمطلق، فقد تمت هذه الإعدامات بدم بارد على أساس قانون حماس، وهو أن من ليس معها فهو ضدها».
وجاء بيان عبد الرحيم بعد ساعات من طلب أعضاء في المجلس الثوري في حركة فتح من الرئيس الفلسطيني محمود عباس التحقيق في «أخبار تعرض كوادر في حركة فتح لاعتداءات جسيمة من بعض المعادين للوحدة الوطنية في غزة». وقال أربعة من أعضاء المجلس الثوري في رسالة لعباس «نقترح التنويه للوفد في القاهرة بأن يعمل على إيقاف مثل هذه الممارسات إن حصلت وتقديم الفاعلين للعدالة في محكمة مرجعيتها الشرعية برام الله تعزيزا للوحدة الوطنية ولجم الساعين للفتنة والفرقة».
من جهة أخرى، أقر مشعل للمرة الأولى بأن حركة حماس هي التي خطفت وقتلت المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة قرب الخليل في الضفة الغربية، قبل شهرين، وقال إن «العملية تأتي في إطار مقاومة الاحتلال». وأضاف في مقابلة أن «الحركة لم تعرف بداية أن العملية نفذت من قبل عناصر حماس، لكني أعرف أن الذين يعانون من الاحتلال والقمع قد يلجأون إلى أعمال شتى».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».