المدن المتوسطية وتحولاتها

المدن المتوسطية وتحولاتها
TT

المدن المتوسطية وتحولاتها

المدن المتوسطية وتحولاتها

صدر حديثاً عن «شركة رياض الريّس للكتب والنشر» في بيروت، كتاب «المدينة العربية والحداثة» للمؤرخ اللبناني خالد زيادة. ويركز الكتاب على التطورات التي لحقت بالمدن العربية، والمتوسطية بشكل خاص في الحقبة العثمانية، متناولاً مدناً عربية بارزة لها تاريخها الموغل في القدم، مثل الإسكندرية والقاهرة وبيروت.
لكن نشأت مدن جديدة إلى جانب تلك المدن، فتوارت المدينة القديمة بكل تفاصيلها التراثية، لتقوم مدينة حديثة إلى جوارها أو ربما على أنقاضها بأسواقها الحديثة وحاراتها وحتى سكانها الجدد، ولم يبقَ من تلك المدن القديمة سوى القليل. وفي مدينة دمشق ما زالت دمشق القديمة على حالها بحاراتها وأسواقها وسكانها... وحتى أطعمتها.
ويستعرض المؤلف عملية التحديث للمدن المتوسطية من خلال ثلاث مراحل؛ أولاها تلك التي قام بها الحكام المصلحون أمثال محمود الثاني في إسطنبول العثمانية، ومحمد علي باشا وإسماعيل باشا في القاهرة. في هذه المرحلة كانت هناك موجة اجتاحت القاهرة تمثلت في أنماط عمرانية وعادات وثقافة أوروبية. وفي المرحلة الثانية؛ التي كانت فيها القوى الاستعمارية قد بدأت الدخول إلى المنطقة، شهدت تلك المدن عمليات تخطيط وفق العقلانية الغربية متجاوزة الثقافة والبيئة العربية، فالإدارات الاستعمارية لم يكن يهمها سوى تأمين مصالحها التجارية.
وفي المرحلة الثالثة؛ حين خرجت القوى الاستعمارية من المنطقة منهزمة أو بإرادتها، اتجهت الحكومات الوطنية إلى التحديث على النمط الغربي، وقد بدا ذلك مطلباً شعبياً قبل أن يكون حكومياً، فقد أصبح هناك هوس شعبي بكل ما هو غربي. أدى ذلك إلى تضخم المدن بسبب الهجرة الكثيفة من الريف إلى المدن، ومن هنا بدأت الأزمات تظهر في المجتمعات العربية، وفي ضواحيها وعشوائياتها تحديداً، وبسبب غياب التنمية وتوفير الخدمات لتلك المناطق خارج المدن أو على أبوابها، كثيراً ما برزت أزمات تهدد الاستقرار والأمن في تلك المدن.
يقول الكاتب فيما يخص هذه الناحية: «لو قيض لابن خلدون أن يعود إلى القاهرة التي أقام فيها فلن يتعرف عليها، ولن يلمح تلك العظمة التي جعلتها أكبر مدن العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر، ولن تكون دهشة محمد كرد علي أقل لو تجوّل اليوم في شوارع دمشق التي كتب خططها في أوائل القرن العشرين، وكذلك حال علي الوردي مع بغداد بعدما كتب صفحات من تاريخ العراق الاجتماعي».
ويتبين لنا من خلال قراءة كتاب خالد زيادة أن علماء الاجتماع أصبحوا بحاجة إلى إيجاد وسائل ومداخل جديدة لدراسة وتفسير تحولات المدن، من خلال فهم أوسع وأشمل للآثار التي خلفتها عملية الحداثة في المجتمعات المدينية. وربما تختلف المدن المطلة على البحر المتوسط عن المدن الداخلية، فالمدن المتوسطية تفاعلت بقوة مع الغرب والنظام الرأسمالي، وبالتالي أثرت فيها الحداثة (التحديث) تأثيراً مباشراً، ومن هنا أصبحت هناك حاجة إلى إيجاد تفسيرات جديدة لدراسة تطورات المدن غير التي اتبعها كلٌ من ماكس فيبر وجورج زيمل وإيميل دوركهايم في دراسة المدن الأوروبية. هذا ما يحاول الكاتب سرد بعض وجوهه ومظاهره متسائلاً: «هل ما زالت مدارس علم الاجتماع قادرة على تفسير المدينة في تحولاتها؛ أم إننا نحتاج إلى إعادة نظر في المفاهيم والمناهج؟».
- كاتب سوري



«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية
TT

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

صدر حديثاً عن «محترف أوكسجين للنشر» في أونتاريو كتابٌ جديد بعنوان: «العودة إلى متوشالح - معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» للكاتب المسرحي الآيرلندي جورج برنارد شو، وقد نقله إلى العربية المترجم السوري أسامة منزلجي. ويأتي الكتاب ضمن سلسلة «أوكلاسيك»، (أوكسجين + كلاسيك = أوكلاسيك) التي يسعى من خلالها المحترف إلى «تقديم الكلاسيكيات بنهج جديد ومغاير عماده الاكتشاف وإعادة الاكتشاف»، وجاء الكتاب في 352 صفحة.

من التقديم:

«نحن هنا أمام كتابٍ يتخذ فيه برنارد شو من المسرحية والحوار والنقد السياسي طريقاً نحو البشرية وهي تعيش إحدى لحظاتها التاريخية الأكثر دماراً، ولنَكُن بعد قراءة الاستهلال حيالَ نظرياتٍ فلسفية وسياسية وأدبية تدفعنا للتفكير في طريقة تفاعلنا مع العالم وقد أمسى نموذج الحضارة على المحك، اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، فلا محيد عن الكوارث التي يُلحقها الإنسان بنفسه وبالطبيعة. فما الذي يحتاج إليه ليصبح أكثر نضجاً وحكمةً؟ يفترض شو أن ثلاثة قرون أو أكثر من عمر الإنسان كفيلة بأن تجعله يبلغ كماله العقلي في مسار تطوّرهِ وتحقيقه غايات وجوده السامية، فهل الامتداد الأفقي للزمن يحقق ذلك؟ من أين نبدأ؟ وأين ننتهي؟ هذا ما يقدمه لنا كتاب (العودة إلى متوشالح) كونه كتاباً يتحدّى الفناء! منطلقُه الأزل ومنتهاه الأبد. يبدأ من آدم وحواء في جنة عدن، وينتهي في عام 31920 ميلادي وقد أمسى بمقدور الإنسان العيش لما يتجاوز الثلاثمائة عام، وصولاً إلى ولادته من بيضة! إنه كتاب عصيٌّ على التصنيف، له أن يجسد تماماً ماهية (الخيال العلمي)، بوصف الخيال مع جورج برنارد شو (1856 - 1950)، يستدعي العلم والفلسفة والفكر بحق، مقدّماً هجائية كبرى لداروين والانتقاء الظرفي، مفضلاً تسميته الانتقاء التصادفي، فإذا استطعنا أن نُثبت أنَّ الكون بأكمله خُلِقَ عبر ذلك الانتقاء، فلن يطيق عيش الحياة إلّا الأغبياء والأوغاد.

يتخذ الكتاب معبره إلى الخيال من حقيقة أن البشر لا يعيشون مدةً كافية، وعندما يموتون يكونون مجرد أطفال، واجداً في لامارك والنشوء الخلّاق سنده، لنكون حيال عملٍ خالدٍ، لا هو مسرحية ولا رواية، بل مزيج بينهما، مسرحية تُقرأ ولا تُجسّد، ورواية يتسيّدها الحوار...

حملت المسرحيات الخمس العناوين التالية: (في البدء)، و(مزمور الأخوان بارناباس)، و(الأمر يحدث)، و(مأساة رجل عجوز)، و(أقصى حدود الفكرة)، وعبر حوارات عميقة حول مكانة العلم والتطور والفن والإبداع يسافر بنا برنارد شو عبر الأزمنة ليناقش الأفكار التي يطرحها أبطاله منذ آدم وحواء مروراً بالزمن الحاضر، ومضيّاً نحو المستقبل البعيد وقد وصلت البشرية إلى ذروتها، وتخلَّص الناس من الحب والجنس والعاطفة، وأصبحوا كائنات منطقية خالصة! لكن عبقرية برنارد شو في هذا الكتاب تكمن في تعامله مع فكرة الخلود، بحيوية وسخرية، مستكشفاً العواقب النفسية لطبيعة العقل البشري الذي يحتاج إليه الإنسان ليعيش ألف عام ويحكم نفسه بنفسه، ويتخلّص من الصراع والحروب والآفات التي تبدأ به وتنتهي بإفنائه»

جورج برنارد شو، كم هو معروف، كاتب مسرحي وروائي ومفكّر وناشط سياسي آيرلندي، وُلد في دبلن عام 1856 وتوفي عام 1950. عُرف بآرائه الساخرة المثيرة للجدل، ونزوعه التقدمي والرؤيوي، واشتراكيته الفابية. ألّف 5 روايات، و60 مسرحية، ضمّنها أفكاره ومقارباته السياسية والتاريخية والفلسفية، عدا عن مئات المقالات والمقدمات الفكرية لأعماله. من مسرحياته: «السلاح والإنسان»، 1894، و«الإنسان والسوبرمان»، 1903، و«بجماليون»، 1913. حين فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1925 رفضها، قائلاً: «أستطيع أن أسامح نوبل على اختراعه الديناميت، لكنْ وحده شيطان بهيئة إنسان من كان بمقدوره اختراع جائزة نوبل»، لكنه عاد وقبل الجائزة بشرط ألا يتلقى قيمتها المالية.

أما أسامة منزلجي فهو مترجم سوري له كثير من الترجمات مثل رواية «ربيع أسود»، 1980، و«مدار السرطان» و«مدار الجدي» وثلاثية «الصلب الوردي»، لهنري ميللر، و«أهالي دبلن» لجيمس جويس، و«غاتسبي العظيم» و«الليل رقيق» و«هذا الجانب من الجنة» لسكوت فيتزجيرالد، ومسرحيات وروايات لتينسي وليامز وبول أوستر وفيليب روث وتيري إيغلتون وآلي سميث وإريكا يونغ.