البشير يتهم جهات باستغلال الاحتجاجات لتحقيق {أجندات تخريبية}

عيّن سبعة وزراء جدد وأقر بمشروعية المظاهرات

البشير يخطب في البرلمان أمس (أ.ف.ب)
البشير يخطب في البرلمان أمس (أ.ف.ب)
TT

البشير يتهم جهات باستغلال الاحتجاجات لتحقيق {أجندات تخريبية}

البشير يخطب في البرلمان أمس (أ.ف.ب)
البشير يخطب في البرلمان أمس (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس السوداني عمر البشير عن حزمة تدابير وقرارات سيتخذها في غضون أيام، لتعزيز الحوار وتهيئة البلاد للتحول. وأقر بأسباب المظاهرات والاحتجاجات ومشروعيتها، بيد أنه اتهم جهات لم يسمها باستغلالها للتخريب ولتحقيق أهداف سياسية، وأصدر مراسيم دستورية عين بموجبها سبعة وزراء جدد بينهم ثلاثة وزراء اتحاديين، وأربعة وزراء دولة، وذلك بعد اعتذار ثلاثة وزراء أعلنوا ضمن التشكيل الوزاري برئاسة محمد طاهر أيلا.
وقال البشير في أول خطاب له بعد إعلان الطوارئ في 22 فبراير (شباط) الماضي، أمام الهيئة التشريعية (البرلمان) أمس، إن «البلاد تواجه تحديات اقتصادية، دفعت قطاعات من الشعب للخروج للتعبير عن مطالبهم في العيش الكريم»، وتابع: «إلاّ أن بعضها، لم يلتزم بالضوابط القانونية في التجمع والتظاهر، وأحدث خللاً في النظام العام، وأتلف بعض الممتلكات».
ويشهد السودان مظاهرات مستمرة منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اشتعلت شرارتها عفوية بسبب الأزمة الاقتصادية الهيكلية، وندرة السلع والوقود والنقود، والارتفاع الجنوني للأسعار، قبل أن تنتقل إلى مرحلة جديدة تطالب بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته، وتحملها مسؤولية إساءة إدارة اقتصاد البلاد.
واتهم البشير من أطلق عليهم «البعض» بمحاولة القفز على الاحتجاجات و«استغلالها لتحقيق أجندة تتبنى خيارات إقصائية، وتَبثُّ سموم الكراهية، ودفع البلاد إلى مصير مجهول».
وأقر البشير بأن ما أطلق عليها «الإشارات القوية من شعبنا»، دفعته لانتهاج خارطة طريق لانتقال سياسي، يقوم على الحوار، وإلى اتخاذ «قرارات وتدابير عاجلة، تمثلت في حل الجهاز التنفيذي، وتشكيل حكومة المهام الجديدة، وإعلان حالة الطوارئ».
وكشف البشير عن عزمه الشروع في اتخاذ المزيد من القرارات والتدابير، لـ«تعزيز الحوار وتهيئة الساحة الوطنية للتحول الوطني المنشود» من أجل خلق ما أطلق عليه «بيئة صالحة» تتجه نحو الإنتاج.
وجدد البشير وعده بالوقوف على مسافة واحدة «من جميع أبناء الوطن بكل رؤاهم السياسية»، ودعوته لأحزاب المعارضة للاستجابة للحوار طريقا واحدا وآمنا لإخراج البلاد من أزمتها، وتابع: «بلادنا تشهد اليوم مرحلة جديدة في مسارها السياسي»، وأضاف: «سـنعمل وفق رؤية وطنية إصلاحية، ترتكز على العدل والشفافية، وتتسم بالمرونة وسعة الصدر، توحيداً للصف والكلمة».
وأكد التزامه بقضية تحقيق السلام، وجعلها شأناً قومياً، يلتقي عنده المشاركون في الحكومة، ومعارضوها بمختلف مواقفهم، وبوقف إطلاق النار الدائم، واستعداد حكومته لدفع ثمن الحوار مهما كان.
وقال البشير موجهاً حديثه لشريحة الشباب، إن الأحداث التي تشهدها البلاد تمثل «قاعدة» يمكن البناء عليها، وتابع: «الشباب أثبتوا أنهم المتغير الاجتماعي والسياسي المتجدد والواعد في هذه الأمة».
ودعا لما سماه «استحداث آليات» لاستيعاب «طاقاتهم ورؤاهم وأفكارهم الحديثة وإسهامهم الفاعل»، ولتوفير مشروعات شبابية تتضمن تمويل المشروعات وتوفير السكن وإحياء المؤسسات والأندية الشبابية، ورعاية مبادراتهم الرياضية والثقافية والعلمية.
وفي سياق متصل، أصدر الرئيس البشير مراسيم جمهورية عين بموجبها كلا من صديق محمد عامر وزيراً لديون الحكم الاتحادي، بديلا لبركات موسى الحواتي الذي اعتذر عن قبول المنصب، وروضة الحاج محمد وزيرة للثقافة والسياحة والآثار، في مكان السمؤل خلف الله الذي اعتذر هو الآخر عن قبول المنصب، فيما ابتدع وزارة جديدة باسم الشباب والرياضة ووضع على رأسها أبو هريرة حسين علي.
وعين البشير وفقاً لتلك المراسيم أربعة وزراء دولة، وهم: معاوية عثمان خالد للخارجية بديلا عن عمر بشير مانيس الذي رفض قبول المنصب، وعلي عمر الشريف يوسف الهندي، للعدل، والصادق محمد علي حسب الرسول، للمالية، وأحمد علي موسى للتجارة والصناعة.
وبحسب إحصائية حكومية، فإن 31 شخصاً لقوا مصرعهم أثناء الاحتجاجات، فيما تقول المعارضة ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان «هيومان رايتس ووتش» إن حصيلة القتلى نتيجة للاحتجاجات بلغت 51 شخصاً، إضافة إلى مئات الجرحى والمصابين وإصابة بعضهم بعاهات دائمة، وآلاف المعتقلين والمحتجزين السياسيين، والمحكوم عليهم وفقاً لقوانين الطوارئ.
ورغم الاحتجاجات التي تعد الأطول في تاريخ البلاد، فإن البشير لا يزال متمسكاً بالحكم الذي تسلم دفته قبل 30 عاماً، فيما تعمل قوى المعارضة بقيادة «تجمع المهنيين السودانيين» على مواصلة التظاهر والاحتجاج للوصول إلى «عصيان مدني وإضراب سياسي» عام يؤدي لإسقاط حكومته، وإقامة حكومة كفاءات انتقالية تهيئ البلاد للتحول الديمقراطي.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».