«برازيل بولسونارو» تحتفل بذكرى الانقلاب العسكري وسط انقسامات واحتجاجات غاضبة

TT

«برازيل بولسونارو» تحتفل بذكرى الانقلاب العسكري وسط انقسامات واحتجاجات غاضبة

من «الذرائع» الكثيرة التي لجأ إليها المحللون للتخفيف من وقع وعود المرشح اليميني المتطرف جاير بولسونارو لرئاسة البرازيل خلال الحملة الانتخابية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أنه لن ينفّذ معظمها في حال وصوله إلى الرئاسة. لكن بعد خمسة أشهر على انتخابه، يواصل بولسونارو تنفيذ وعوده الانتخابية المثيرة للجدل، بل يفاجِئ أحياناً حتى بعض مناصريه مثل قراره الأخير بالاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والخمسين للانقلاب العسكري الذي أطاح النظام الديمقراطي عام 1964، وزرع الرعب في البرازيل طوال واحد وعشرين عاماً.
وكان بولسونارو، وهو نقيب متقاعد من الجيش، يشكّل العسكريون ثلث أعضاء حكومته، قد دأب خلال حملته الانتخابية على امتداح النظام العسكري، ولمح أكثر من مرة إلى أن النصوص الدستورية لا تحول دون تسليم السلطة إلى القوات المسلحة إذا اقتضت ذلك مصلحة البلاد. كما ذكر مرة في إحدى تغريداته، أن «العسكريين لم يمارسوا التعذيب بالقدر الكافي»، في إشارة إلى زعماء المعارضة الذين اعتقلتهم السلطات الانقلابية وعذبّتهم ثم أطلقت سراحهم.
وقد أثار قرار الرئيس البرازيلي موجة من الاحتجاجات والمظاهرات في المدن الكبرى، وأصدر بعض القضاة أوامر بحظر الاحتفالات بذكرى الانقلاب العسكري استناداً إلى طلبات تقدمت بها هيئات الدفاع عن ضحايا الديكتاتورية، لكن وزارة العدل أبطلت مفاعيلها وعمّت الاحتفالات ثكنات القوات المسلحة والشرطة التي كانت في السابق تحتفل بذكرى الانقلاب داخل منشآتها ومن غير مظاهر خارجية.
ووصفت نقابة المحامين البرازيليين قرار الاحتفال بأنه «نكران للتاريخ»، وطلبت من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان النظر فيه وإدانته. وقال ناطق بلسانها: إن «الاحتفال بذكرى الديكتاتورية التي عطلت المؤسسات الديمقراطية وفرضت الرقابة على وسائل الإعلام كمن يقود سيارة في الضباب ويدير نظره إلى الوراء»، وتساءل: «من له مصلحة في تعميق الانقسام الحاد بين المواطنين من خلال الاحتفال بنظام قتل مئات المعارضين، وعذّب آلاف الأبرياء»؟. واعتبرت النقابة قرار بولسونارو «إهانة للضحايا وضربة ضد التعايش ومحاولة لإجهاض المصالحة».
ويذكر أن لجنة الخبراء التي شكلّتها الرئيسة السابقة ديلما روسّيف، منذ خمس سنوات لكشف الحقائق خلال الحكم الديكتاتوري، قد وضعت تقريراً يقع في 1300 صفحة، ويثبت أن الانقلاب ألغى النظام الدستوري وأقام ديكتاتورية عسكرية مارست القمع بشكل منهجي حتى عام 1985، ويتضمّن شهادات الكثير من الضحايا وأسماء المسؤولين على كل المستويات والذين كان معظمهم ما زال على قيد الحياة عند صدور التقرير. لكن خلافاً لما حصل في تشيلي والأرجنتين اللتين وقعتا خلال الفترة نفسها لحكم العسكر، وحيث خضع المسؤولون عن أعمال القمع التي أوقعت عدداً أكبر بكثير من القتلى للمحاسبة والمحاكمة، لم يمثل أركان النظام الديكتاتوري البرازيلي أمام العدالة بموجب العفو الذي صدر عام 1979 وأبرمته المحكمة العليا عام 2014 إبّان رئاسة روسّيف التي تعرّضت للاعتقال والتعذيب خلال الديكتاتورية، وكانت وراء قرار إلغاء الاحتفال بالانقلاب من روزنامة القوات المسلحة.
وأسف المدعي العام البرازيلي لقرار الاحتفال بذكرى الانقلاب العسكري، في حين قالت منظمة «هيومان رايتس ووتش»: إن «بولسونارو على حق عندما ينتقد كوبا وفنزويلا لعدم احترام حقوق الإنسان، لكنه يحتفل بالديكتاتورية التي انتهكت هذه الحقوق طوال عشرين عاماً»، واستغربت «كيف أن نظاماً ديمقراطياً يحتفل بالديكتاتورية».
من جهتها، تكرر أوساط الحكومة، أن ما حصل في تلك الفترة كان يندرج في أجواء الحرب الباردة التي كانت أميركا اللاتينية أحد مسارحها الرئيسية، وأن الانقلاب «أنقذ البرازيل من الشيوعية وحال دون تحولّها إلى كوبا ثانية».
أما نائب الرئيس البرازيلي اللواء المتقاعد هاملتون موراو، فيقول: إن الجماعات الماركسية اللينينية في البرازيل كانت تدّعي أنها تحارب الديكتاتورية، لكنها في الواقع كانت تسعى لإقامة ديكتاتورية أخرى شيوعية. ما حصل كان حرباً صغيرة جداً في بلد كبير جداً لم يقع فيها أكثر من 400 ضحية من الجانبين، بينما يبلغ عدد ضحايا العنف في البرازيل اليوم 60 ألفاً في السنة ولا يتحدث أحد عن ذلك».
بولسونارو الذي قال: إن الانقلاب كان «غيمة عابرة كتلك التي تحصل عادة في العلاقات العاطفية»، اختار أن تتزامن الاحتفالات بذكرى ذلك الحدث الذي ما زال يثير انقساماً حاداً في البلاد، مع زيارته إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي ينضمّ إلى حلقة حلفائه اليمينيين المتطرفين مثل المجري فيكتور أوربان والإيطالي ماتيو سالفيني، وحيث اضطر إلى العودة عن قراره نقل سفارة البرازيل إلى القدس كما أعلن منذ فترة. البيان الرسمي البرازيلي أشار إلى أن الحكومة «اكتفت» في الوقت الراهن بفتح مكتب لتيسير العلاقات التجارية، لكن أوساطاً مطّلعة أكدت أن بولسونارو خضع للضغوط الاقتصادية الشديدة التي مارستها دول عربية تربطها مصالح قوية بالبرازيل، وتراجع عن قراره الذي كان نتنياهو يسعى إلى استغلاله في الحملة الانتخابية.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».