«الناتو»: تدريب القوات المحلية أفضل أدواتنا في مكافحة الإرهاب

تحدث عن مهماته ضد «داعش» في العراق و«طالبان» في أفغانستان

TT

«الناتو»: تدريب القوات المحلية أفضل أدواتنا في مكافحة الإرهاب

قال ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف «الناتو»، إن موضوع دور الناتو في مكافحة الإرهاب سيكون ضمن النقاط الأساسية، في أجندة نقاشات وزراء خارجية دول الحلف في واشنطن، يومي الأربعاء والخميس. ولمح في مؤتمر صحافي إلى أن الدول الأعضاء تقف معاً ضد «داعش»، وقد حققت تقدماً كبيراً، وجرى تحرير الملايين من ممارسات واضطهاد التنظيم الإرهابي، الذي لم يعد يحتفظ بأي إقليم، ولكن يجب دائماً توخي الحذر.
ونوه ستولتنبرغ إلى أن «الناتو» الآن يقوم بتدريب في العراق للمساعدة في ضمان عدم عودة «داعش» مرة أخرى؛ مشيراً إلى أن هناك مئات من المدربين من الحلفاء والدول الشريكة لـ«الناتو» ويقدمون الدعم المطلوب لوزارة الدفاع العراقية، ومكتب مستشار الأمن القومي، وأيضاً المدارس العسكرية. وأشار مجدداً إلى أن تدريب القوات المحلية هو أحد أفضل أدوات «الناتو» في مكافحة الإرهاب. كما جدد التزام «الناتو» ببذل مزيد من الجهد والتعاون مع الشركاء المقربين الآخرين في المنطقة، ومنهم تونس والأردن وغيرهم.
وشدد ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف «الناتو»، على أن الحلف يقوم بمهمة الآن في أفغانستان، من خلال عمل مشترك، وفي الوقت نفسه ستتخذ دول الحلف أي قرارات بشأن مستقبل «الناتو» في أفغانستان، من خلال قرار مشترك.
ويحتل ملف دور حلف «الناتو» في مكافحة الإرهاب، وجهود الولايات المتحدة للتوصل إلى تسوية سياسية في أفغانستان، صدارة نقاشات وزراء خارجية دول حلف «الناتو»، بحسب ما أعلن الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، في بروكسل أمس. وأضاف في مؤتمر صحافي في مقر الحلف ببروكسل، أن السفير خليل زاده أجرى مشاورات مع الحلفاء في «الناتو» قبل أيام للمرة الرابعة، كما يقوم قائد بعثة الحلف والممثل المدني لـ«الناتو» في كابل بالتنسيق الوثيق مع السفير خليل زاده.
ويأتي ذلك بعد أن أكد الجنرال سكوت ميلر، قائد القوات الأميركية، وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان، على دعم الحلف للقوات المسلحة الأفغانية، مجدداً تأكيده على مواصلة الحرب ضد الإرهاب. وأكد مكتب الرئيس التنفيذي لحكومة الوحدة الوطنية الأفغانية، عبد الله عبد الله، في بيان نقلته وكالة أنباء «خاما برس» الأفغانية، أن عبد الله التقى الجنرال ميلر في قصر سبيدار الاثنين، وأن ميلر أكد دعم «الناتو» للجهود الجارية لإحلال السلام.
وشدد ميلر على أن الحلف سيواصل دعم القوات المسلحة الأفغانية، وسيواصل تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب، إلى جانب دعم جهود المصالحة. مشيراً إلى أن اتفاق سلام دائم وعادل هو المطلب الرئيسي لأفغانستان. كما ذكر أن أفغانستان والولايات المتحدة و«الناتو» يتمتعون بعلاقة وطيدة، تقوم على مصالح وقيم مشتركة.
من جهته، أشاد عبد الله بجهود الجنرال ميلر وحلفاء دوليين آخرين، لدعمهم لأفغانستان، مضيفاً أن إبرام اتفاق سلام يعد أحد تطلعات أفغانستان.
يذكر أنه في ختام اجتماعات لوزراء دفاع «الناتو» في بروكسل، فبراير (شباط) الماضي، أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، أن اتخاذ قرار بشأن مهمة الحلف في أفغانستان هو قرار جماعي ستتخذه الدول الأعضاء؛ لأنها تعمل بشكل مشترك في المهمة التي يقوم بها الحلف حالياً في أفغانستان.
من جانبه، قال وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، باتريك شانهان، إن المهمة العسكرية ضد «داعش» قد انتهت، ولكن التهديدات لا تزال مستمرة.
وفي كلمة له أمام الاجتماع الوزاري، فبراير الماضي، قال الأمين العام للحلف، إن مهمة «الناتو» في أفغانستان تبقى أولوية قصوى للحلف، الذي سيواصل دعم القوات الأفغانية بالتدريب والتمويل «حتى يقاتلوا الإرهاب الدولي، ويهيئوا الظروف للسلام». وشدد على دعم «الناتو» للمبعوث الأميركي إلى أفغانستان، خليل زاده. وشدد أيضاً على أن الحلف يوجه اليوم أكثر من رسالة، أبرزها: «نحن متحدون ومستمرون في دعم الأفغان، ولكن لن يستمر الوضع الحالي إلى الأبد». ونوه إلى المساعدات التي قام بها الحلف من قبل، وموافقة قمة الأطلسي في يوليو (تموز) الماضي على تمديد المساعدات إلى الأفغان حتى 2024، كما شدد على أهمية الدور الذي تقوم به دول الجوار من أجل تحقيق السلام، كما أن للمجتمع الدولي دوراً في هذا الصدد، حتى يتحقق السلام في هذا البلد.
واعتبر ستولتنبرغ أنه من السابق لأوانه القول إن هناك صفقة في ملف أفغانستان، ولكنه أكد على أن «الناتو» يواصل مساعدة قوات الأمن الأفغانية في تهيئة الظروف لإيجاد حل سلمي. وشدد بالقول: «لقد ذهبنا معاً إلى أفغانستان، وسنحدد معاً موقفنا المستقبلي، بناء على الشروط التي نقررها مع الأفغان».
كما تحدث الأمين العام لـ«الناتو» في فبراير الماضي، عن مهمة الحلف في العراق، التي أطلقها «الناتو» خلال قمة يوليو الماضي، من خلال بعثة تدريب جديدة لمساعدة القوات العراقية على ضمان عدم عودة «داعش».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟